التوبة

إسماعيل القاسم
عناصر الخطبة
  1. من أسماء الله التوّاب .
  2. فضائل التوبة .
  3. ثمرات التوبة وفوائدها .
  4. الحث على التوبة .
  5. من أسباب المغفرة .
  6. شروط التوبة. .

اقتباس

1/من أسماء الله التوّاب 2/ فضائل التوبة 3/ثمرات التوبة وفوائدها 4/الحث على التوبة 5/من أسباب المغفرة 6/شروط التوبة.

الخطبة الأولى:

من أسماء الله التوّاب، قال -سبحانه- عن نفسه: (فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البَقَرَة: 160]، والتوّاب: صيغة مبالغة، تدل على كثرة قبوله التوبة، وقد وردت صفة التوبة في آيات كثيرة من كتاب الله، قال -سبحانه-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[النِّسَاء: 64].

وسميت سورةٌ في القرآن الكريم بالتوبة، فيها ذكر حال الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، ثم توبةِ الله عليهم.

والتوبة من عبادات الأنبياء -عليهم السلام-، قال -سبحانه وتعالى-: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البَقَرَة: 37]، وهي من أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمي لنا نفسه أسماء فقال: "أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة"(رواه مسلم).

والتوابون يُحبهم الله، قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البَقَرَة: 222]، وهي من رحمة الله بعباده، قال -سبحانه-: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[النِّسَاء: 26].

وهي سبب لنيل الخيرات، فقد وصَّى الأنبياء أقوامهم بها، قال هود -عليه السلام- (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)[هُود: 52].

وقال صالح -عليه السلام-: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)[هُود: 61]، وقال شعيب -عليه السلام-: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)[هُود: 90]، وقال الله لهذه الأمة: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[هُود: 3].

والله -سبحانه- بلطفه بعباده يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغيبها، والتوبة من أحب الطاعات إليه، ويكفي في محبتها شدة فرح الله بها؛ "لله أفرح بتوبة العبد مِن رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامُه وشرابُه، فوضع رأسه، فنام نومه، فاستيقظ، وقد ذهبت راحلته، حتى اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع، فنام نومه، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده"(رواه البخاري).

ومهما بلغ العبد من الذنوب، فإن التوبة تُقْبل، قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزُّمَر: 53].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان في بني إسرائيل رجلٌ قتل تسعة وتسعين إنسانًا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبًا فسأله، فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبرٍ، فغفر له"(رواه البخاري).

والله -سبحانه- من رحمته بعباده أنه يقبل التوبة في أي ساعة من ليل أو نهار، قال -سبحانه وتعالى-: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)[الشّورى: 25].

وخص الله في أشرف وقت من الليل أن يعرض لعباده نفحاته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له"(متفق عليه).

غفر الله لنا ذنوبنا، وتجاوز عن سيئاتنا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"(رواه الترمذي)، والرجوع إلى طريق الصلاح والاستقامة هو الواجب على كل مسلم مهما بلغ من الذنوب.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم"(رواه مسلم)، قال ابن القيم -رحمه الله-: "التوبة من الذنب، كشرب الدواء للعليل، وَرُبّ عِلَّة كانت سبب الصحة".

وتكفير السيئات من الصغائر يكون باللسان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: استغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه، غُفر له، وإن كان فرَّ من الزحف"(رواه أبو داود).

وتكون بفعل الطاعات، كالمحافظة على أداء الصلوات، والجمعة، وصوم رمضان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتُ ما بينهن، إذا اجتَنبَ الكبائر"(رواه مسلم).

وكذلك الحج، والهجرة، والدخول في الإسلام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله"(رواه مسلم). وتكون ببذل الصدقة والإحسان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصدقةُ تطفئ الخطيئة، كما يُطْفِئُ الماء النار"(رواه الترمذي).

أما الكبائر فلا بد لها من توبة، وإذا كانت متعلقة بحقوقِ آخرين فإنه يرد المظالم إلى أهلها.

قال ابن القيم -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحُجرَات: 11]: "قَسَم العباد إلى تائب وظالم، وما ثَمَّ قسم ثالث ألبتة، وأوقع اسم الظالم على مَن لم يتب، ولا أظلم منه لجهله بربه، وبحقه، وبعيب نفسه، وآفات أعماله، وفي الصحيح عنه أنه قال: "يا أيها الناس! توبوا إلى الله، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة، وكان أصحابه يعدون له في المجلس الواحد قبل أن يقوم: رب اغفر لي، وتب عليَّ، إنك أنت التواب الغفور، مائة مرة".

والتوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله لا تتعلق بحق آدمي فشروطها ثلاثة: أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم على أن لا يعود إليها أبدًا.

والبعد عن مواطن الذنوب سببٌ رئيسٌ من أسباب ترك الذنوب، كما أوصى العالمُ الرجلَ الذي قَتَل مائة نفس أن يترك البلد الذي هو فيها لأنها أرض سوء.

وكلما أقبل العبد إلى مولاه بفعل الطاعات، فهو أقرب لنيل المطلوب، والنجاة من المرهوب، وإذا استهواه الشيطان فليتب وليرجع إلى ربه دومًا.

اللهم تب علينا جميعًا، واعصمنا من الشيطان وهمزاته.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي