أسباب الاستمرار على العمل الصالح

إسماعيل القاسم
عناصر الخطبة
  1. الحكمة من الخلق .
  2. وجوب الامتثال لأوامر الله ورسوله .
  3. وسائل تعين المسلم على الاستمرار في أداء العبادات .
  4. من فضائل المداومة على العمل الصالح. .

اقتباس

ثمة عوامل تعين المسلمَ على استمرار أداء العبادات في أيام حياته من أهمها: التزود من العلم الشرعي: فلا عملَ مستمرٌ بلا علم، لأنه أساسٌ لمعرفة أداء العمل على ضوء ما أُمر به، وبمعرفة ثواب العبادة، من رفعة درجات صاحبها، ولما يرى من الآثار الحميدة على تحصيل العلم واكتسابه....

الخطبة الأولى:

خلق الله -عز وجل- الثقلين من أجل عبادته وتوحيده، قال -سبحانه-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[الذّاريَات: 56]، لذا فإنه واجب على المسلم امتثالَ أوامر الله، وأوامرِ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأداءَ العبادة على وجهها المأمورِ به دون ابتداع إلى حين وفاته، قال -سبحانه-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحِجر: 99].

فالمسلم يتقرب إلى مولاه بالطاعات في أيام عمره، والشيطان يسعى جاهدًا ليدخل على قلب المسلم فتورًا، وتكاسلاً عن أداء ما أمر به.

لكن ثمة عوامل تعين المسلمَ على استمرار أداء العبادات في أيام حياته من أهمها:

التزود من العلم الشرعي: فلا عملَ مستمرٌ بلا علم، لأنه أساسٌ لمعرفة أداء العمل على ضوء ما أُمر به، وبمعرفة ثواب العبادة، من رفعة درجات صاحبها، ولما يرى من الآثار الحميدة على تحصيل العلم واكتسابه، وقد ذكر الله درجة العالم في قوله: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجَادلة: 11].

 وبوّب الإمام البخاري -رحمه الله-: باب العلم قبل القول والعمل، وأورد قوله -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)[محَمَّد: 19]، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.

ثاني هذه العوامل: الإخلاص في أداء العبادة، بل إخلاصه فيها سبب لقبول العمل، قال الفضل بن عياض -رحمه الله-: "إن الله -تعالى- لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا، ولا يقبله إذا كان خالصًا له إلا على السنة".

والله -سبحانه- أمر بالإخلاص في العبادات كلِّها، فقال -عز وجل-: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)[البَيّنَة: 5]، وأمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله -تعالى-: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الزُّمَر: 66].

وثالث هذه العوامل: التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله، فهو القدوة المثلى التي جعلها الله لنا بقوله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزَاب: 21].

ورابع هذه العوامل: عدم تكليف النفس فوق طاقتها، قال -سبحانه-: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)[البَقَرَة: 286]، ولذا أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- عثمانَ بنَ مظعون ٍ-رضي الله عنه- فقال: "يا عثمان! أرغبت عن سنتي؟"، قال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب، قال: "فإني أنام، وأصلي، وأصوم، وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقًّا، وإن لضيفك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا، فصم وأفطر، وصَلِّ ونم"(رواه أبو داود).

ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: "ما هذا الحبل؟"، قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا، حلّوه، لِيُصَلِّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد"(رواه البخاري).

 وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كانت عندي امرأة من بني أسد فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من هذه؟"، قلت: فلانة لا تنام بالليل فذُكِر من صلاتها، فقال: "مَهْ، عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا"(رواه البخاري).

قال ابن حجر -رحمه الله- في معنى: "عليكم ما تطيقون أي: "اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون من المداومة عليه، فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يُطاق من العبادة، ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يُطَاق".

 وقال ابن بطَّال -رحمه الله-: "إنما يُكره التشديد في العبادة خشيةَ الفتور وخوفَ الملل، ألا ترى قوله: "خير العمل ما دام عليه صاحبه وإن قل"، وقد قال -تعالى-: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)[البَقَرَة: 286]، ولنا في رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أسوة فقد "كان عمله ديمة"(متفق عليه). أي: يداوم عليه ولا يقطعه.

ومن أسباب استمرار العمل الصالح: تنشئة الأبناء تنشئة صالحة، فهي سبب بإذن الله لاستمرار العمل الصالح، وقد طرق النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة وعليًّا ليلاً، وكان في تفقده -صلى الله عليه وسلم- إرشادًا لهما.

قال ابن حجر -رحمه الله-: "لولا ما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- من عظم الصلاة في الليل ما كان يزعج ابنته وابنَ عمه في وقت جعله الله لخَلْقه سكونًا، لكنه اختار لهما إحراز تلك الفضيلة على الدعوة والسكون، امتثالاً لأمر الله -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ)[طه: 132]".

 قال ابن بطال -رحمه الله-: "فيه فضيلة صلاة الليل، وإيقاظ النائمين من الأهل والقرابة لذلك".

ومن العوامل أيضًا: الرفقة الصالحة، وقد شبَّههم النبي -صلى الله عليه وسلم- بحامل المسك، فهم خير زاد للمسلم في أداء العبادة، وتسهيل أمرها، والحثّ على أدائها، وتذليل صعابها.

ومن العوامل أيضًا: البيئة الصالحة فهي سبب لاستمرار الطاعات والتنوع في القربات، والرجل الذي قَتل مائة َنفس، أوصاه العالِم كما في صحيح مسلم بأن ينطلق إلى أرضِ كذا وكذا، "فإن فيها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء"، ولذا أمر الله -عز وجل- عباده بالهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، حفاظًا على الدين، وصونًا للأخلاق.

وفقنا الله لطاعته حسن عبادته.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

من العوامل المعينة لاستمرار العمل الصالح: دعاء الله بذلك، فإن إبراهيم -عليه السلام- دعا لذريته بقوله: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)[إبراهيم: 40]، وقال: (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ)[إبراهيم: 37].

والدعاء سبب رئيس في استمرار العبد للطاعات، كما أن العزيمة الصادقة، وقِصَرَ الأمل، ومعرفةَ سير العلماء والزهادِ والعبَّاد في علمهم وعملهم وورعهم ما هي إلا أسباب معينة -بإذن الله- إلى البذل والعطاء.

وقد ضرب الصحابة -رضي الله عنهم- أمثلةً في استمرارِ العمل وعدمِ انقطاعه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل"، قال سالم: "فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً"(رواه مسلم).

هكذا الصحابة ومَنْ بعدهم في استمرار العمل الصالح وعدمِ انقطاعه، فعندما سمعت أم حبيبة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة، بُني له بهن بيتٌ في الجنة"، قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة، وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة. وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس"(رواه مسلم).

ثم اعلموا أن من داوم على العمل الصالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر ونحوهما، فإن الله يكتب له أجر ذلك العمل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مرض العبد أو سافر، كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"(رواه البخاري).

نسأل الله أن يعمر أيامنا بالطاعات.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي