خديجة -رضي الله عنها- امرأة شريفة، عاقلة، فاضلة، حازمة، ذات مال، وكانت عونًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في أحواله كلها، تثبِّتُه على أمره، وتصدّقه فيما يقوله، وتصبِّره على ما يلقى من قومه من الأذى والتكذيب. وَرَدَ فضلها مع خير نساء العالمين،..
لأمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- فضلٌ وشرفٌ ومنزلةٌ عالية، شاركن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حياته الأسرية، ونقلن للأمة ما يحتاج إليه الرجال والنساء من أفعالِ وأحوالِ النبي -صلى الله عليه وسلم- التي لا يطّلع عليها إلا أهلُ بيته.
فحقهن الترضي عنهن، ومحبتهن، ومراعاة حقهن، فهن أمهات المؤمنين، فقد وصفهن الله بقوله (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)[الأحزَاب: 6]، وهن أزواجه في الآخرة.
ويُخص في الفضل خديجةُ -رضي الله عنها-؛ فهي أول وأفضل زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول الإسلام، ولم يتزوج عليها أحدًا، وهي أول الناس إسلامًا، وهي أعظم زوجاته نصرة له، وكان لها منه المنزلة العالية.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وإيمان خديجة وأبي بكر وغيرِهما من السابقين الأولين كان قبل انشقاق القمر، وقبل إخباره بالغيوب، وقبل تحدّيه بالقرآن، لكن كان بعد سماعهم القرآن الذي هو نفسه آيةٌ مستلزمةٌ لصدقه، ونفسُ كلامه، وإخبارُه بأني رسول الله مع ما يُعرف من أحواله مستلزم لصدقه إلى غير ذلك من آيات الصدق وبراهينه".
ولفضلها فقد بشَّرها النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيت في الجنة حين: "أتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها -عز وجل- ومنّي، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه، ولا نصب"(متفق عليه)، - القصب هنا: اللؤلؤ المجوف؛ والصخب: الصياح؛ والنصب: التعب.
ولها وقفة عظيمة عند نزول الوحي عليه أولَ مرة حين رجع بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤادُه، فدخل عليها -رضي الله عنها- فقال: "زملوني زملوني"؛ فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة - وأخبرها الخبر – "لقد خشيت على نفسي"، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتَقْري الضيف، وتعين على نوائب الحق"(متفق عليه).
وقد خصها النبي -صلى الله عليه وسلم- بِذِكْر الحَدَث لرجاحة عقلها، وقوةِ قلبها، وعِظمِ فقهها، وجزالةِ رأيها، وثباتِ قلبها، وتثبيتِها، وكانت تناصره وتساعده وتواسيه، وسندًا له في الدعوة بمالها ونفسها، وكلما اشتد عليه أمرٌ يأت إليها فتواسيه وتقويه، وتذكر من محاسنه وتشجعه.
وكانت لها -رضي الله عنها- مكانة في الجاهلية، فتُسمَّى الطاهرةَ العفيفةَ، وهي من أفضل قريش نسبًا، وأعظمِهم شرفًا، وأكثرِهم مالاً، فهي أُمُّنا أمُّ المؤمنين خديجةُ بنتُ خويلدِ بنِ أَسدٍ القرشيةُ، كانت تحت أبي هَالة بنِ زُرارةَ، ثم تزوجها عَتيق بنُ عائذٍ، والذي خطبها للنبي -صلى الله عليه وسلم- عمُّه حمزةُ بنُ عبدِالمطلب -رضي الله عنه-.
تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولها يومئذ من العمر أربعون سنة، وكان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسةٌ وعشرون سنة، وأقامت معه خمسةً وعشرين عامًا، هي أمُّ أبنائه وبناتِه -عدا إبراهيمَ من مارية القبطية-.
فولدت له أربعَ بنات: زينبَ، وفاطمةَ، ورقيةَ، وأمَّ كُلثوم - كلهن أدركن الإسلام، وأسلمن، وهاجرن - ومن الذكور: القاسمُ، وبه كان يُكْنى، وعبدُالله، والطيب - ويسمى الطاهر - وجميع ذريته -صلى الله عليه وسلم- توفوا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا فاطمةَ -رضي الله عنها-، فإنَّها توفيت بعده بستة أشهر.
فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين، وصحابته الكرام الغُرِّ الميامين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
خديجة -رضي الله عنها- امرأة شريفة، عاقلة، فاضلة، حازمة، ذات مال، وكانت عونًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في أحواله كلها، تثبِّتُه على أمره، وتصدّقه فيما يقوله، وتصبِّره على ما يلقى من قومه من الأذى والتكذيب.
وَرَدَ فضلها مع خير نساء العالمين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون"(رواه أحمد).
وفي رواية الترمذي بلفظ: "حسبك من نساء العالمين"، ومعناها: أن كل واحدة من أولئك النساء الأربع هي خيرُ عالَمِ زمانِها، وسيدةُ وقتِها.
ولمَّا كان لها -رضي الله عنها- هذه الفضائل والمناقب لم ينسَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أيامَ حياتِه معها، وصفت عائشةُ -رضي الله عنها- وفاءَ النبي -صلى الله عليه وسلم- لخديجةَ بعد موتها قالت: "ما غِرْت على أحد من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول: "إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد"(رواه البخاري).
وفي حديث آخر قال: "إني قد رُزقت حبَّها"(رواه مسلم). ولم يتزوج النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على خديجةَ حتى ماتت، وكانت مدةُ مقامها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسةً وعشرين عامًا، وكونه -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج على خديجة إلى أن ماتت.
يدلّ على عظيمِ قدرها عنده، ومحبتِه لها، وعلى فضل خديجة أيضًا؛ لأنها اختصَّت برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يشاركْها فيه أحد؛ صيانة لقلبها من التَّغيير والغَيْرة، ومن مناكدة الضَّرة: "واستأذنت يومًا هالةُ بنتُ خويلد -أختُ خديجة- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَعَرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك، فقال: "اللهم هالة بنت خويلد".
قالت عائشة -رضي الله عنها-: فَغِرْت، فقلت: وما تذكر من عجوزٍ من عجائز قريش، حمراءِ الشَّدقين، هلكت من الدهر، فأبدلك الله خيرًا منها"(متفق عليه)، وفيهما: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عرف استئذان خديجةَ لشَبَه صوتِها بصوت أُختها فتذكَّر خديجة".
وفي قوله: "اللهم هالة" أي: يا الله اجعلها هالة، سرورًا لمجيئها، لتذكُّرِه بها خديجةَ وأيامَها، قال النووي -رحمه الله-: "وفي هذا كلِّه دليلٌ لحسن العهد، وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرامِ أهلِ ذلك الصاحب".
لكلٍّ من زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلٌ ومنقبة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في المفاضلة بين خديجة وعائشة -رضي الله عنهما-: "سَبْقُ خديجة وتأثيرُها في أول الإسلام؛ ونصرُها وقيامُها في الدين لم تَشْركْها فيه عائشة ولا غيرُها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحملِ الدين وتبليغهِ إلى الأمة وإدراكها من العلم، ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرُها مما تميزت به عن غيرها".
توفيت خديجة -رضي الله عنها- قبل الهجرة بثلاث سنين بمكة، ولها من العمر خمسة وستون عامًا، ودفنت بالحجون بمكة المكرمة.
فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين أجمعين.
وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي