ولما كانت الصحة والعافية مَغْنمًا للإنسان، وأن حياته قد يعتريها أمراضٌ وأسقام.. فالأمراض التي تعتري الإنسانَ نوعان: أمراض قلوب، وأمراض أبدان، ومرض القلب أشد من مرض البدن،.. وشفاء مرض القلب بالتوحيد والإيمان،...
الدنيا مليئة بالأفراح والأتراحِ، والآمالِ والآلام، وأعظمُ مَن صبر وصابر على شدتِها ولأْوائِهَا هم رسل الله -عليهم السلام-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل"(رواه أحمد).
وفي حديث آخر: "يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابةٌ زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشىَ على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة"(رواه أحمد).
ولما كانت الصحة والعافية مَغْنمًا للإنسان، وأن حياته قد يعتريها أمراضٌ وأسقام أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نغتنم خمسًا قبل خمس وذكر منها: "صحتك قبل سقمك"(رواه أحمد).
فالأمراض التي تعتري الإنسانَ نوعان: أمراض قلوب، وأمراض أبدان، ومرض القلب أشد من مرض البدن، قال الله عن حال المنافقين: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا)[البَقَرَة: 10]، وشفاء مرض القلب بالتوحيد والإيمان، قال -سبحانه-: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[الأنعَام: 122]، قال ابن القيم -رحمه الله-: "والقلب ربما يصدأ، وربما يموت وصاحبه حي".
وأما مرض البدن فيعتري كلَّ إنسان، فقد يكون ملازمًا لصاحبه دهرًا من الزمن، كما وقع لنبي الله أيوبَ -عليه السلام- فقد ابتلاه الله سنين عديدة، قيل: ثلاث سنين، وقيل: سبع سنين، وقيل: أكثر، وقد يتعاهد المرضُ صاحبَه بين زمن وآخر.
كما وقع لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- حين أكل من الشاة المسمومة عام خيبر، في بداية السنة السابعة من الهجرة، ولما حضرته الوفاة في السنةِ الحاديةَ عشْرةَ قال لعائشة -رضي الله عنها-: "يا عائشة! ما أزال أجد ألمَ الطعام الذي أكلتُ بخيبر، فهذا أوان وجدْتُ انقطاعَ أبْهَرِي من ذلك السُّم"(رواه البخاري)، وقد يبتلى المرء بالمرض، ثم يُشفى وهو الأغلب.
وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى جملةٍ من الأدواء تطرد الداء بإذن الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل الله داء، إلا أنزل له شفاء"(رواه البخاري).
وقد عكف المصنِّفون على تقصي هذه الأدويةِ النبوية، وأفردوها في مصنفاتٍ خاصة، أو تبويباتٍ في مصنفاتهم، وأثبتت التجاربُ الحديثةُ قوة َأثرِ هذه الأدويةِ النبوية.
فمن هذه الأدوية: وهو الأصل الأصيل، والحبل المتين، كلامُ رب العالمين، مَنْ تمسَّك به نَجا وهُدي، وشُفيَ وكُفي بإذن الله، قال -سبحانه وتعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الإسرَاء: 82].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالشفائين: القرآنِ والعسل"(رواه الحاكم)، وعندما رُقي سيدُ القوم بفاتحةِ الكتاب من أَثَر لدغة شفاه الله، كما في الصحيح من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: "فكأنما نَشِط من عقال، فانطلق يمشي، فلما أخبر رسول الله قال: "وما يدريك أنها رقية".
ثاني هذه الأدوية: العسل، فقد أخبر المولى -سبحانه- بأنه شفاء، فقال -عز وجل-: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ)[النّحل: 69]، وقد استُطْلق بطنُ رجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لأخيه: "اسقه عسلاً"، وفي كل مرة يعاود النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- له: "صدق الله، وكذب بطن أخيك"(رواه مسلم).
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الشفاء في ثلاثة: شرطةِ محجم، أو شربةِ عسل، أو كيةٍ بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي"(رواه البخاري).
ثالث هذه الأدوية: ماءُ زمزم، وهو ماء مبارك، غُسل به جوفُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو طَعام طُعم، وشِفاءُ سُقم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: "ماء زمزم لما شرب له"(رواه ابن ماجه)، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول إذا شربه: اللهم إني أسالك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاءً من كل داء".
رابع هذه الأدوية: زيت الزيتون، وهو من شجرة مباركة، وثمرها مبارك، قال -سبحانه-: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ)[النُّور: 35].
ومن الأدوية أيضًا: الحبةُ السوداء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "في الحبة السوداء، شفاء من كل داء، إلا السام" يريد الموت.(متفق عليه).
والأدوية متعددة، كالحجامة، وتمر عجوة العالية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن في عجوة العالية شفاء، أو إنها ترياق أول البُكرة"(رواه مسلم).
وكذلك ألبان وأبوال الإبل، كما في الحديث وفيه: "قدم أناس من عُكَلٍ، أو عرينةَ، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا فلما صحوا"(رواه البخاري).
وكذلك بذل الصدقة والمعروفِ له أثرٌ في دفع البلاء، كما في حال الكسوف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبروا، وصلوا، وتصدقوا"(متفق عليه).
قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: "في الحديث دليل على استحباب الصدقة عند المخاوف، لاستدفاع البلاء المحذور".
كتب الله الشفاء لمرضانا، والعافية لمبتلانا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
من أركان الإيمان، الإيمانُ بالقضاء والقدر، والناس في ذلك متفاوتون بين صابر وجازع، وشاكرٍ وراضٍ، وأثنى الله على أيوبَ -عليه السلام- في صبره وتحملِه فقال: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص: 44]، ومع ذلك كان متأدبًا في دعائه حين قال: (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[الأنبيَاء: 83]، مع أن ابتلاءه كان كبيرًا، وزمنَه طويلاً.
وخليل الرحمنِ إبراهيمُ -عليه السلام- أَسند المرض إلى نفسه تأدبًا مع الله، حيث قال: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشُّعَرَاء: 80]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أسند المرضَ إلى نفسه وإن كان على قدر الله وقضائه وخَلْقه، ولكن أضافه إلى نفسه تأدبًا".
ولم يُعرَف عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه اشتكى مرضًا، أو علة، إلا على سبيل الإخبار، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يوعك، فمسِسْته، فقلت يا رسول الله: إنك لتوعك وعكًا شديدًا، قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"(متفق عليه).
وليعلم المسلمُ أن المرضَ إما كفارةٌ للسيئات، أو رفعةٌ للدرجات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المسلمَ من نصب، ولا وصب، ولا همٍّ، ولا حزن، إلا كفر الله بها من خطاياه"(رواه البخاري)، وقال في حديث آخر "ما من مسلم يصيبه أذى، مرضٌ فما سواه، إلا حط الله له سيئاته، كما تحط الشجرةُ ورقَها"(متفق عليه).
والمرأة التي تُصْرع حينما شكت للنبي -صلى الله عليه وسلم- حالَها قال: "إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وان شئتِ دعوت الله أن يعافيك، فقالت: اصْبِرُ، قالت: فاني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها"(رواه البخاري).
والدعاءُ سببٌ رئيسٌ بإذن الله في رفع البلاء، وسرعةِ الشفاء، فأيوب ويونس وزكريا -عليهم السلام- دعوا اللهَ فاستجاب لهم. فَعلِّقْ قلبَك بالله، فهو الشافي المعافي.
عجل الله بالشفاء لمرضانا ومرضى المسلمين.
وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي