التدخين شر محض

خالد القرعاوي
عناصر الخطبة
  1. تكريم الإنسان بالعقل .
  2. خطورة التدخين ومفاسده .
  3. إحصاءات وأرقام عجيبة .
  4. رسائل ونصائح للمدخنين. .

اقتباس

حَدِيثي عن دَاءٍ سَيْطَرَ على الكَبيرِ والصَّغِيرِ، والجَاهِلِ والمُتَعلِّمِ، والعَاقِلِ والمَجنُونِ، إلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ وَسَلَّمَ، حتى الفَقِيرَ الذي يَشتَكي فَقْرَهُ لَم يَسلَمْ مِنْ خَسائِرِهِ وشَرِّهِ إنَّهُ قَاتِلٌ بَطِيءٌ، فَتَّاكٌ شَرِسٌ، أَفْنَى أَعمَارَ أُنَاسٍ وصِحَّتَهم، وَأَفْلَسَ أموالَهم وَحَرَمَهُم مِن الطَّيبَاتِ، وَمَجَالِسِ الذِّكرِ والطَّاعَةِ.

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي أَسْعَدَ وَأَشْقَى، أشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لهُ العَلِيُّ الأَعْلى، وَأَشهدُ أَنَّ نَبيَّنا مُحَمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، أَحْسَنُ الخَلقِ خُلُقًا وخَلْقاً، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وأصحابِه وأتباعِهِ، ومن تبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ مَا بَدا صُبْحٌ وَأَضْحَى.

أَمَّا بعد: فَيَا أيُّها النَّاسُ، اتَّقوا اللهَ حَقَّ التَّقوَى وَاسْتَمسِكُوا مِن الإسلامِ بِالعُرْوةِ الوُثْقَى، يَقولُ الْمَولى -جَلَّ وَعَلا-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء:70].

لَقَدْ خَلقَنَا اللهُ في أَحسَنِ تَقويمٍ، وَكرَّمَنا بِعقْلٍ سَليمٍ نُميِّزُ به الخيرَ مِنَ الشَّرِ، والضَّارَّ مِن النَّافِعِ. وَهذا العَقْلُ جوهرةٌ يَحُوطُها العُقلاءُ بالرِّعايةِ؛ اعتِرافًا بِفضلِهِ، وخَوفَاً من ضَيَاعِهِ وَفَقدِهِ. 

حَدِيثي أيُّها المُصلُّونَ: عن دَاءٍ سَيْطَرَ على الكَبيرِ والصَّغِيرِ، والجَاهِلِ والمُتَعلِّمِ، والعَاقِلِ والمَجنُونِ، إلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ وَسَلَّمَ، حتى الفَقِيرَ الذي يَشتَكي فَقْرَهُ لَم يَسلَمْ مِنْ خَسائِرِهِ وشَرِّهِ إنَّهُ قَاتِلٌ بَطِيءٌ، فَتَّاكٌ شَرِسٌ، أَفْنَى أَعمَارَ أُنَاسٍ وصِحَّتَهم، وَأَفْلَسَ أموالَهم وَحَرَمَهُم مِن الطَّيبَاتِ، وَمَجَالِسِ الذِّكرِ والطَّاعَةِ.

 وحتى تَتَصَوَّروا حجمَ الخطَرِ فإنَّ إحصَائِيَّةَ مُنَظَّمَةِ الصِّحَةِ أَصْدَرَتْ أنَّ المُدخِنِينَ في المملكَةِ أكثَرَ من ستَّةِ ملايينَ مُدخِّنٍ! وأنَّ أكثَرَ مِن اثنا عَشَرَ بَليونَ ريالٍ تُستَهلَكُ لِشِرِكاتِ التِّبغِ العالَمِيَّةِ.

عِبَادَ اللهِ: كُلُّ العُقَلاءِ اتَّفقُوا على ضَرَرِهِ وتَحريمِهِ. فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ نَافِعٌ أو مُفيدٌ. وقد أبَاحَ اللهُ لَنَا كُلَّ نَافِعٍ، وحرَّم عَلينا كُلَّ ضارٍّ؛ حِمَايَةً لَنَا، ورَحمَةً بِنَا. قالَ اللهُ -تَعَالى-: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة:195]. وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء:29].

فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَغَيرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ". وَقَالَ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ".

وَبَوَّبَ الإمَامُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: بَابُ شُرْبِ السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ وَالخَبِيثِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".

فَالَّلهمَّ اعْصِمْنَا وَذَرَارِينا عن كُلِّ مُنكَرٍ وشَرٍّ. وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهتَدِينَ.

وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلمُسلِمينَ من كُلِّ ذنبٍّ وَخَطِيئَةٍ فاستَغفِروهُ وتُوبوا إليهِ إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ بيدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيٍء وإليهِ تُرجَعُونَ، أَشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ حَرِيصٌ عَلَينَا بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلَّم وبَارِكْ عليهِ، وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

أَمَّا بعدُ: عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ.

أَيُّهَا الكِرامُ: لا أُخفِيكم سِرًّا أَنِّي أَجَّلتُ الحِديثَ عن مَوضُوعِ التَّدْخِينِ زَمَناً طَويلاً، لِحَسَاسِيَّتِهِ بَينَ الآبَاءِ المُدَخِّنِينَ وَأَبْنَائِهِمْ، حتى شَاهَدتُ عِدَّةَ مرَّاتٍ أُنَاسٍ يُدخِّنونَ في سيَّاراتِهم وفي مَنَازِلِهم وبِجانِبِهم زَوجَاتُهم وَأَولادُهُم وَأَطْفَالُهم؛ فَصِرْتُ مَدْهوشَاً ألهذا الحدِّ هؤلاءِ أَنَانِيُّونَ؟! أم أنَّهم لا يُفَكِّرونَ بِعَوَاقِبِ مَا يَفعلُونَ؟! واللهِ العَظِيمِ إِنَّي إلى هذهِ السَّاعَةِ لَم أَجِدْ لِصَنِيعِهِمْ مُبَرِّراَ مَقبُولاً.

فَيَا مَن ابتُليَ بالتَّدخينِ اسْتُرْ عَلى نَفْسِكَ سَتَرَ اللهُ عَليكَ وَعَفا اللهُ عَنْكَ، وَلا تَنظُرْ إلى الهالِكِ كيفَ هَلَكَ. ولكن انظُر إلى النَّاجي كيفَ نَجا! وتَذَكَّر: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت:46].

ولا تَكُنْ مُجَاهِرًا؛ فَإنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ". ثُمَّ قُلْ لي بِرَبِّكَ هَل التَّدخِينُ مِمَّا يُرْضِي اللهَ -تَعَالى-؟ أَهُوَ مَعَ الطَّيِّبَاتِ أمْ معَ الخَبَائِثِ؟ أَمَا تَأمَّلتَ قَولَ اللهِ -تَعَالَى-: (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ)[الأعراف:157].

ومِمَّا قَالَهُ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فَأَعْظَمُ دَلِيلٍ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللِه، مَا دَعَا إليهِ وَأَمَرَ بِهِ بِأَنَّهُ يُحِلُّ الطَّيِّبَاتِ، مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَالْمَنَاكِحِ. وَيُحَرِّمُ عَلَينَا الْخَبَائِثَ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَالْمَنَاكِحِ. وَالأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ. ثُمَّ إنِّي سَائِلُكَ أَيُّهَا المُدَخِنُ وأَجبْنِي بِصدْقٍ: هَلْ في التَّدخِينِ فَوَائِد؟ ألم يَقُل نَبِيُّنا -عليهِ أَفْضَلُ صَلاةٍ وَأَزكَى سَلامٍ-:" لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ"، في رِوايَةٍ "لاَ ضَرَرَ وَلاَ إِضْرَارَ".

بِمَاذَا سَتُجِيبُ رَبَّكَ إذَا سَألَكَ: عَنْ مَالِكَ فِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِكَ، فِيمَا أَبْلَيتَهُ؟ أوليسَ المَوقِفُ مُحرِجاً أمامَ اللهِ -تَعَالى-؟ كُلُّنا على يَقِنٍ أنَّ التَّدخِينَ سَبَبٌ رَئيسٌ لأَمرَاضِ السَّرَطَانِ والقَلْبِ والشَّرَايينِ.

أَيُّها العَاقِلُ: أولادُكَ وأهلُ بَيتِكَ أحقُّ بهذهِ الأموالِ من شَرِكاتِ يَهودِيَّةٍ، أَو عَمَالَةٍ انتِهازِيَّةٍ،؛ تَبِيعُ عَلى صِغَارَ السِّنِّ بالتَّفريدِ. وَمَا كَثْرَةُ الْمَقَاهِي إلَّا نَذِيرُ خَطَرٍ؟!

عبادَ اللهِ: واجِبُنَا التَّناصُحُ وَالتَّعَاوَنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَإنِّي عَلى يَقِينٍ أَنَ كُلَّ واحِدٍ مِنَّا يَتَمنَّى لأولادِهِ أعلى الأخلاقِ، وأكمَلَ الآدابِ، فَلنَكُنْ خيرَ قٌدوَةٍ لهم بِأفعالِنا قَبْلَ أَقوالِنا. فَلِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟! ولا تَنْسَوا أنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسَانُ.

فيا مَن اُبتُلي بالتَّدخينِ استَعِنْ باللهِ وَاعْزمْ على مُقاطَعَتِهِ وترْكِهِ، واطرُقْ بَابَ السَّمِيعِ القَرِيبِ فَهو الشَّافِي والعَاصِمِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:3]؛ ألا تَعْلَمُ إنَّ أعظَمَ أُمنِيَةٍ لِوالِدَيكَ، وَزَوجَتِكَ، وَأَولادِكَ، أنْ تُقْلِعَ عن التَّدخينِ، فَأَسْعِد قُلُوبَهم وحَقِّقْ أَمَانِيهم، وأنتَ الرَّابِحُ أولاً وآخِراً.

فَالَّلهُمَّ يا رَبَّنا أَرِنَا الحقَّ حَقَّا وَارْزقْنَا اتِّباعَهُ، والباطِلَ باطِلاً وارزقنا اجتنابه.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

اللَّهُمَّ وفق وُلاةَ أُمُورِ المُسْلِمينَ عَامَّةً، وَولاتَنَا خاصَّةً لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى.

وَأَعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين وانصُرْ جُنُودَنا المُرابِطِينَ.

عبادَ اللهِ: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي