الإسلام وعودته لقيادة الدنيا

هشام عبد القادر آل عقدة
عناصر الخطبة
  1. أرسل الله رسوله لإظهار الإسلام على بقية الأديان .
  2. عدم تعارض ذلك مع حالة الضعف التي تصيب الأمة .
  3. الإسلام لا يندرس ولا يذهب بالكلية إلا في آخر الزمان .
  4. ثبات النبي وعزيمته على إظهار أمر الله تعالى .
  5. نماذج من ثبات الصحابة الكرام .
  6. ثبات المسلم أمام الفتن المعاصرة .
  7. بداية الانتصار تكون من إصلاح الدواخل .

اقتباس

ولا يعارض هذا الظهور الذي قرَّره الله في كتابه كون المسلمين في ضعف في بعض الأماكن والأزمان، فذلك شيء مؤقت لا يدوم، ولا يلبث أن يزول ويجدد الله للأمة دينها ويعلي شأنها، وليس أدل على ذلك من أن المسيح ابن مريم حين ينزل إلى الأرض في أواخر الزمان يحكم بالإسلام، ويكون كرجل من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويكون ذلك ظهورًا لهذا الدين بلا شك ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن? يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون: يقول الله -عز وجل- في كتابه العزيز -وقوله الحق وهو أصدق القائلين-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].

فالله -عز وجل- أرسل رسوله بهذا الدين الحق ليظهر على سائر الأديان، لا لينزوي ويندرس، وهذا الظهور ظهور معنوي بالحجة والبرهان، وظهور مادي بالقوة والتمكن والغلبة، كما في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زُوِيَ لي منها".

ولا يعارض هذا الظهور الذي قرَّره الله في كتابه كون المسلمين في ضعف في بعض الأماكن والأزمان، فذلك شيء مؤقت لا يدوم، ولا يلبث أن يزول ويجدد الله للأمة دينها ويعلي شأنها، وليس أدل على ذلك من أن المسيح ابن مريم حين ينزل إلى الأرض في أواخر الزمان يحكم بالإسلام، ويكون كرجل من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويكون ذلك ظهورًا لهذا الدين بلا شك.

أما اندراس الدين وذهابه بالكلية فذلك لا يكون إلا في نهاية الزمان، قبيل قيام الساعة، وذلك حين يأذن الله -عز وجل- بإنهاء الحياة على هذه الأرض وإقامة القيامة، في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى"، فقلت: يا رسول الله: إن كنت لأظن حين أنزل الله -عز وجل-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33] أن ذلك تام. قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله -عز وجل-، ثم يبعث الله ريحًا طيبة فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم".

فهؤلاء -أيها المسلمون- هم شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، وذلك كما قلنا إنما يحدث في نهاية الزمن تمهيدًا لأخذ الله لمن بقي على الأرض لإقامة القيامة، ولا يعارض الآية التي أخبرت بظهور الدين؛ إذ هذه الحقيقة لاشك في تحققها على توالي القرون منذ بعثته -صلى الله عليه وسلم- وإلى نزول عيسى ابن مريم إلى الأرض، رغم تربص الكافرين وتمنيهم ذهاب هذا الدين وعملهم على إخماده: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32، 33].

إن قلوبنا ينبغي أن تمتلئ ثقة ويقينًا بذلك الخبر الصادق من الله -عز وجل-، وذلك القضاء الذي لا يرد حتى لا نيأس أو نتخاذل، وكم كانت ثقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن الله لابد ناصر دينه ومتم أمره، ولو بعد حين.

فروى الإمام أحمد عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضَعَفَةُ الناس ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟!"، قال عدي: لم أرها، وقد سمعت بها. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "فوالذي نفسي بيده، ليتمن الله هذا الأمر، حتى تخرج الظغينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز"، قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: "نعم، كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد". قال عدي بن حاتم: فهذه الظغينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قالها. وقد حدثت الثالثة في عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- حيث كان يبعث عامله بالصدقات فيطوف بها في البلاد ولا يجد من يقبلها، حتى يرجع بها كما هي.

ولا يظن أحد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يبشر بهذه البشارات إلا وهو على أعتاب النصر وبدايته، بل كان يبشر بمثل هذه البشارات في أحلك الظروف، وفي أوقات عصيبة شديدة تتزلزل فيها الجبال، وينفذ فيها اليأس إلى القلوب، نعم، كانت تصدر منه -صلى الله عليه وسلم- كلمات الواثق من نصر الله، وهو يعاني مع أصحابه صنوف الأذى والشدائد، ولكنه -عليه الصلاة والسلام- لم ييأس ولم يتردد في المضي حتى الموت في سبيل إعلاء أمر الله، ولقي في ذلك صنوفًا من المقاومة والإيذاء، تارة بالترغيب وتارة بالترهيب، تارة بالوعد وتارة بالوعيد، فما وهن وما ضعف وما استكان، جاء المشركون إلى عمه أبي طالب يطلبون منه أن يكف محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عن دعوته، فقال أبو طالب: يا ابن أخي، قد جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم تسمعهم ما يؤذيهم، فإن رأيت أن تكف عنهم!! فحلَّق ببصره إلى السماء فقال: "والله ما أنا بقادر على ترك ما بعثت به من أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من النار".

ثبات أي ثبات!! وعزيمة ومضي لإظهار أمر الله، عابوه وهمزوه ولمزوه، وسفهوه وصدوا الناس وشغلوهم عنه بالأحاديث الباطلة، ورموه بالجنون والسحر والكهانة، واعتدوا عليه بالأيدي محاولين خنقه تارة، وقتله بالحجارة مرة أخرى، وتجويعه ومن معه من المسلمين، ولقي ما لم يلقَ أحدنا اليوم شيئًا منه، ولك أن تتخيل الدماء تسيل من قدميه -عليه الصلاة والسلام- والسفهاء يلاحقونه بالحجارة، ولك أن تتصور المشركين حوله يجذبونه، وأحدهم أخذ بمجمع ردائه يريدون خنقه، كل ذلك وهو -صلى الله عليه وسلم- يزداد قوة وثباتًا وإصرارًا، وثقة بوعد الله ونصرته.

أما أصحابه فقد ذاقوا الكثير، فكان بلال يُخرَج إذا حميت الظهيرة، فيطرح على ظهره في بطحاء مكة، وتوضع الصخرة العظيمة على صدره، ويقال له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فما كان من بلال -وهو في ذلك البلاء- إلا أن يقول: أحد أحد. وكان عمار بن ياسر وأمه يخرجهم المشركون إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم في رمضاء مكة، فيمر بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يستطيع أن يدفع عنهم شيئًا، فيقول: "صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة"، فلا يدور في نفوسهم شك أو تردد وهم يرون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمر بهم، فلا يدفع عنهم شيئًا، ولا يدفع الله عنهم شيئًا، حتى قتلوا أم عمار، وهي تأبى إلا الإسلام.

قال سعيد بن جبير: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟! قال: نعم والله، إن كانوا ليعذبون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسًا في سبيل الله -عز وجل- في وقت لا يستطيعون فيه رد العدوان.

ولما اشتد عليهم الأمر ذهبوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكون له كما يقول خباب -رضي الله عنه-: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: يا رسول الله: ألا تدعو لنا؟! ألا تستنصر لنا؟! فقال: "لقد كان من قبلكم يؤتى بالرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ويؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن المسلم اليوم لينظر إلى الواقع، فإذا به يجد الزمان قد استدار كهيئته يوم كان الإسلام غريبًا أول مرة ويوم كان المسلمون مضطهدين.

ومـا فتئ الزمـان يـدور حتى *** مضى بالمجـد قـوم آخـرونـا
وأصبح لا يرى في الركب قومي *** وقـد عـاشوا أئمتـه سنينـا

ينظر المسلم إلى الواقع فيجد الفساد قد ظهر في البر والبحر، ولم تخل منه ناحية من نواحي حياة الناس؛ فساد في العقائد: من شرك ووثنية وخرافات وخضوع لغير الله، وفساد في السلوك: من فجور وفواحش وخمور وعري وتبرج وحياة كحياة الأنعام بل أضل، وفساد في الاقتصاد والأموال: من ربا ومكوس وتلاعب ونهب وغصب، وفساد في مختلف أنظمة الحياة من ظلم وعسف وسن لشرائع ما أنزل الله بها من سلطان، وذل للكافرين، وموالاة لأعداء الله، وإيذاء لأولياء الله، وأجواء من الذلة والعبودية لغير الله، وفساد في التعليم: من إماتة وتشويه للدين، واستبدال الفتنة بالغرب أو الشرق به، أو العبودية والولاء لشعارات جوفاء، وإهمال لجو التربية الإسلامية والقدوة الإيمانية، أنواع وأشكال متأصلة متمكنة من الفساد في كل ناحية من النواحي، حتى إن الكثيرين قد يساورهم اليأس والشك في وعد الله، ويلقي الشيطان في قلوبهم الوهن والتخاذل والخوف من مواصلة الطريق.

وهنا لابد أن يفيء أولئك إلى تذكير الله -عز وجل- إذ يقول: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:146]، وليتذكر هؤلاء قوله -عز وجل-: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21]، (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 8، 9]. فوعد الله آتٍ لا محالة، وهذا الدين لابد منتصر، وليزيدن تمكنًا وانتشارًا في الأرض.

وهاهي بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاًّ يذل به الكفر". ولكن تحقق هذا الوعد له مقدمات وأسباب؛ منها أن نكون في تقوانا وإخلاصنا أهلاً لذلك، وأن نكون قدم صدق في الاستعداد للثبات والتضحية في وجه الفتن أو المساومات.

إن بداية النصر تأتي من داخل النفس بعد انتصارها على نفسها وتطهرها من أدرانها، وما أجمل ما ذكره الله -عز وجل- عن أتباع الأنبياء وما فعلوه وقالوه لما أصيبوا وأوذوا في سبيل الله حتى ينصرهم الله: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:146، 147]. أي أنهم اتجهوا إلى داخل نفوسهم، فالتفتوا إلى ذنوبهم، ودعوا ربهم أن يغفرها لهم، ويغفر لهم كل إسراف وتجاوز لحدوده، وهي التفاتة يغيب ويذهل عنها كثير منا في وقت الشدة والفتنة، وحين يتطلع إلى النصر ورفع الفتنة، ثم قالوا: (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)، وهو أمر كذلك يكون في داخل النفس، فالثبات يبدأ من ثبات القلب وطمأنينته، نسأل الله أن يرزقنا ذلك، وينعم علينا به.

فتلك -أيها المسلمون- دروس من القرآن، نتعلم منها كيف أن بداية الانتصار تكون من داخل النفس، وأي تغيير يجب أن يبدأ من تغيير ما بالنفس: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

فحين يعلم الله منا صلاح الداخل وسلامة القلب وثباته، والاستقامة على دينه وشرعه، والانخلاع عن التعلق بأي شيء غير الله ودعوته، والعيش في الدنيا كالغريب أو عابر سبيل؛ حين يعلم الله منا ذلك يكرمنا بمعيته ونصره، كما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل:128].

ومن هنا نعلم أهمية تلك الوصايا الجامعة العظيمة التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبني بها أصحابه، ويؤهلهم بها لإحراز الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، كالرجل الذي سأله أن يقول له في الإسلام قولاً لا يسأل عنه أحدًا بعده، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: "قل: آمنت بالله، ثم استقم".

وقوله -صلى الله عليه وسلم- لآخر: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".

وقوله لابن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

وقوله لرجل سأله عن شيء يتشبَّث به: "لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله".

وقوله لابن عباس: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".

اللهم ارزقنا إيمانًا راسخًا، ويقينًا صادقًا، وصبرًا واسعًا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم ذنبًا إلا غفرته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا أسيرًا إلا فككته، ولا عدوًّا إلا خذلته، ولا حقًّا إلا أعليته، ولا باطلاً إلا أزهقته.

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي