الله -عز وجل- هو ربّ كل شيء، وهو الخالق لكل شيء، والرزاق لجميع الخلق والمحي والمميت وأنه المدبّر والمتصرف في هذا الكون كما يشاء، ولا أحد غيره يتصرف في هذا الكون بغير إرادة الله -تعالى-، وأنه الملك والمالك لما في السماوات والأرض، ولم يكن له ولي من الذل ولا رادّ لأمره ولا مُعقِّب لحكمه ولا مثيل ولا شبيه له.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
فقد ذكرت في الخطبة الماضية توحيد الألوهية، وأنه أهم توحيد يريده الله من العباد، وهو توجيه وقصد العبادة لله وحده دون سواه.
وأما توحيد الربوبية فهو الإيمان بأفعال الله -عز وجل- ومعناه الاعتقاد الجازم أن الله -عز وجل- هو ربّ كل شيء، وهو الخالق لكل شيء، والرزاق لجميع الخلق والمحي والمميت وأنه المدبّر والمتصرف في هذا الكون كما يشاء، ولا أحد غيره يتصرف في هذا الكون بغير إرادة الله -تعالى-، وأنه الملك والمالك لما في السماوات والأرض، ولم يكن له ولي من الذل ولا رادّ لأمره ولا مُعقِّب لحكمه ولا مثيل ولا شبيه له.
ولقد كان مشركو العرب قريش وغيرهم يُقِرُّونَ بهذا الأمر؛ أي توحيد الربوبية؛ حيث كانون يعترفون أن الله خالق السماوات والأرض كما قال -عز وجل-: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)[الزخرف:9].
ومع هذا الإيمان والاعتراف لم ينفعهم هذا الإيمان، ولم يدخلهم الجنة، بل هم مشركون؛ لأنهم لم يؤمنوا بتوحيد الألوهية الذي هو توجيه العبادة لله وحده، بل كانوا يوجهون العبادة للأصنام التي يعبدونها، ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله؛ فلم ينفعهم ذلك عند الله -عز وجل-.
وتوحيد الربوبية أقر به مشركو العرب، ولم ينكره إلا بعض الجبارين مثل فرعون عندما أنكر الرب -سبحانه وتعالى- وقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النازعات:24]، وكذلك النمرود بن كعنان أحد ملوك في عهد نبي الله إبراهيم -عليه السلام- الذي ادعى أنه يحيي الموتى بزعمه عندما يخرج أحد من السجن قد حكم عليه بالقتل؛ فهذا إحياء له حسب زعمه.
لكن نبي الله إبراهيم عليه السلام ألجمه بحجة دامغه فبُهِتَ، ولم يستطيع الرد، وقال الله في حكايتهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[البقرة: 258].
وقد أهلكهما الله -عز وجل- فرعون بالغرق، والنمرود بحشرة دخلت رأسه؛ فكانت تتحرك في رأسه؛ فيطلب أن يضربوا رأسه بالنعال حتى تهدأ حركتها، واستمروا في ضربه حتى مات؛ فهذا جزاء إنكار رب العالمين في الدنيا أن أهانه الله -تعالى- حتى مات.
نسأل الله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
إن من أعظم ما يُستدل به في توحيد الربوبية هو وجود مخلوقاته التي نعيشها صباح ومساء؛ فمن الذي خلق هذه السماء العظمية التي لا نرى أطرافها، وهذه الشمس التي تضئ العالم، والنجوم التي زينت السماء، والجبال الشاهقات، والأرض الواسعة، والمحيطات والبحار والحيوانات والأشجار وأنزل الأمطار، وغير ذلك؟
إنه الخلاق العليم (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[آل عمران: 19]، وقال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[البقرة:164].
هذه آيات تدل دلالة قوية على خلق الله -عز وجل- وتدبيره لكل شيء؛ (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[لقمان:11].
فهذا يزيد من إيماننا بعظمة الله -عز وجل- وعظيم خلقه، والإيمان به، ويستلزم منا توحيده -سبحانه- وتوجيه العبادة له وحده لا شريك له، وعلينا مزيد من التفكر في خلق الله -عز وجل- حتى يزيد إيماننا بالله وحده وتعظيمنا له، وبالتالي نزيد من عبادتنا لله وحده.
نسأل الله -عز وجل- أن يحيينا على لا إله إلا الله، ويميتنا على لا إله إلا الله، ويبعثنا على لا إله إلا الله، وأن يحقق لنا التوحيد الخالص، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي