فنحن -كأهل السنة والجماعة- نؤمن بأسماء الله وصفاته دون تشبيه بالمخلوقين أو تمثيل أو تكييف أو تعطيل؛ فله سمع ليس كسمعنا، وبصر ليس كبصرنا، ووجه ليس كالبشر وأيدٍ ليس كالبشر، وغير ذلك من أسماء وصفات الله -عز وجل- التي ذُكِرَتْ في كتابه أو سُنّة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليست كالمخلوقين....
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
ستتطرق في هذه الخطبة إلى توحيد الله في أسمائه وصفاته، ومعنى ذلك: إفراد الله بما وصف الله به نفسه في كتابه الكريم أو سنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به -سبحانه وتعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف: 18]؛ فأسماؤه بالغة في الحسن والجمال، وصفاته له الوصف الأمثل والأعلى والأكمل، (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[النحل:60].
فنحن -كأهل السنة والجماعة- نؤمن بأسماء الله وصفاته دون تشبيه بالمخلوقين أو تمثيل أو تكييف أو تعطيل؛ فله سمع ليس كسمعنا، وبصر ليس كبصرنا، ووجه ليس كالبشر وأيدٍ ليس كالبشر، وغير ذلك من أسماء وصفات الله -عز وجل- التي ذُكِرَتْ في كتابه أو سُنّة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليست كالمخلوقين، والدليل على ذلك قوله -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].
من أحصاها دخل الجنة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة"(رواه البخاري ومسلم)، ولله أسماء أخرى لا نعلمها ومعنى "من أحصاها": أي عرف هذه الأسماء، وعلم معناها، وعمل بمقتضاها، ودعا بها.
فمثلاً من أسمائه -سبحانه وتعالى- السميع فتؤمن أنه يسمع كل شيء -سبحانه وتعالى- سمعًا حقيقيًّا على الوجه اللائق به؛ فهو يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الظلمة السوداء، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "سبحان الذي وَسِعَ سَمْعه كل الأصوات، والذي نفسي بيده إن خولة بنت الأزور تشتكي زوجها في زاوية البيت ولا أسمع كل ما تقول، فنزل قوله -تعالى-: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[المجادلة:1].
فإذا عرفت أن الله -عز وجل- سميع؛ فتعمل بمقتضى ذلك، وهو أن تؤمن أن الله يسمع كلامك حقيقة؛ فتخافه فلا تسمع ما حرم الله كالغناء والغيبية والنميمة وكل الأقوال التي فيها معصية الله -عز وجل-.
واسم الله البصير اسم من أسماء الله -عز وجل- فتؤمن أنه بصير بالمخلوقات، ولا يخفى عليه شيء؛ فعليك أن تعمل بمقتضاها، وهو أن تعمل بما يرضيه من أوامره، ولا تعمل المحرمات؛ فإن الله يراك ويبصرك: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[العلق:14].
ومن أسماء الله -تعالى-: الرحمن الرحيم؛ فتؤمن أن الله أرحم بك من نفسك، وأرحم بك من الوالدة بولدها، وعليك أن تأخذ من هذه الصفة الرحمة؛ فترحم عباد الله كما عليك أن تدعو بأسماء الله -تعالى-؛ (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف: 18]؛ فنقول يا رحمن ارحمني، يا رزاق ارزقني.
وهكذا من أسماء الله -تعالى- اللطيف؛ أي أنه يلطف بعباده؛ حيث يعرف -سبحانه- ما في صدور العباد، ثم يهديهم الله إلى الخير المناسب لهم، ويحقّق لهم ما تكنّه صدورهم؛ فمن استقام على الدين فقد لطف الله به، ومن نجا من حادث فقط لطف الله به، ومن هيَّأ الله له ناصحًا فنصحه أو أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر؛ فقد لطف الله به، وأنجاه من الشر. ومن أنعم الله عليه بصلاح أهله وذريته فقد لطف الله به.
فعليك أخي المسلم أن تعلم معاني أسماء الله -تعالى- وصفاته، وتؤمن بها، وتعمل بها، وتدعو بها؛ فهي من أشرف العلوم الشرعية التي تزيد من إيمانك وتعلقك بالله -تعالى-؛ لأنك توقن أنك تدعو وتعبد إلهًا سميعًا بصيرًا رحيمًا عليمًا خبيرًا -سبحانه-.
نسأل الله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
ذكرنا بعض أسماء الله -تعالى- وصفاته، وأنه يجب الإيمان بها كاملة على الوجه اللائق به -سبحانه وتعالى-، وهي لا تشبه صفات البشر، ومن الأسماء نشتق ونأخذ منها الصفات؛ فاسمه -سبحانه وتعالى- السميع وله صفة السمع، واسمه بصير وله صفة البصر، وله صفات غير مشتقة من الأسماء مثل الوجه (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرحمن:27].
وكذلك له يدان، لا نعلم كيفيتها (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)[المائدة: 64]، وله عينان -سبحانه وتعالى- تليق به كما في الحديث: "ما من نبي إلا وقد أنذر أُمّته الأعور الكذاب؛ ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه ك ف ر"(رواه البخاري ومسلم).
ومن صفات الله -عز وجل- أنه يحب ويكره، ويغضب ويضحك؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيُستشهد"(رواه البخاري ومسلم).
فالمقصود أننا نؤمن بأسماء الله -تعالى- وصفاته لكن على وجه يليق به -سبحانه وتعالى-.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله --عز وجل--: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي