الباقيات الصالحات

د عبدالله بن محمد حفني
عناصر الخطبة
  1. الغفلة عن ذكر الله .
  2. ذكر خير من الدنيا وما فيها .
  3. وصية ونصيحة عظيمة النفع .
  4. الإكثار من الباقيات الصالحات .
  5. من أعظم فرص الحياة. .

اقتباس

يا رجل ماذا دهى عقولنا؟ أعندك ريبٌ في البعث بعد الموت؟ أعندك شكٌّ في وعد الله؟ والله إن وعد الله حق. والله إن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها. والله ستقرأ كتابك.. والله إن الأجهزة أخذت بأعمارنا، وهجرنا ذِكْر الله؛ فقلّ ذكرنا لربّنا، فكم من ساعات، وأوقات تمرّ بنا ونحن في غفلة عن التسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي يرحم العيون إذا دمعت، والقلوب إذا خشعت، والنفوس إذا خضعت، فسبحان من وسعت رحمته كلّ شيء، أحمده سبحانه على صفاتٍ بهرت، ونعمٍ توالت وظهرت.

وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له شهادة عن اليقين صدرت، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بعثه ربه والساعة اقتربت، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر ١٨].

طلعت الشمس في صبيحة هذا اليوم الجمعة، والسؤال على ماذا طلعت الشمس اليوم؟ طلعت الشمس على القارات السبع، والبحار، والمحيطات. طلعت الشمس على أفخم الأبراج، وأعظم المباني.

طلعت الشمس على عروق الذهب، ومعادن الجوهر، وكنوز قارون، وثروات العالم القديم. طلعت الشمس على القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام والحرث. طلعت الشمس على ملك الملوك، وثروات الأغنياء، وخيرات الدنيا الظاهرة والباطنة.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحدثنا وهو الصادق المصدوق عن خيرٍ من هذا كلّه فيقول: "لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"، وَفِي رِوَايَة "هِيَ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(رواه مسلم).

لا إله إلا الله.. نعوذ بالله من الحرمان والغفلة. أرأيتم ماذا فعلت الغفلة في قلوبنا؟ بالله عليك كم وردك من هذه الكلمات؟ أرأيتم كيف أشغلتنا الدنيا الملعونة عن ذكر الله؟ هل أدركتم حجم الحرمان الذي نعيشه؟

"سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"؛ خير من كل شيء.. خير من أحلامك، وأهدافك، وتقنياتك. خير من خططك، وطموحك، وشهاداتك.

خير من قيل وقال، ولغو الكلام "سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ"؛ يقول -صلى الله عليه وسلم- : "لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ، يُكْثِرُ تَكْبِيرَهُ، وَتَسْبِيحَهُ، وَتَهْلِيلَهُ، وَتَحْمِيدَهُ"(رواه النسائي وصححه الألباني في السلسلة 654).

بالله عليك استمع إلى وصية الخليل إبراهيم -عليه السلام- وهو يقول: "يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"(رواه الترمذي وحسنه الألباني في السلسلة: 105).

هذه وصية من؟ هذه نصيحة من خليل الله إبراهيم –عليه السلام- يحدثنا من جوار ربه عن الجنة وغراسها، فيقول: "الجَنَّة طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ -لا نبات فيها- وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"(رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع).

خليل الله إبراهيم -عليه السلام-- يدعونا إلى فرص تمرّ بنا كمرّ السحاب؛ فالعبد الموفق من يغتنمها في الإكثار من الباقيات الصالحات.

ورحم الله ابن القيم وهو يقول:

أَوَ مَا سمعتَ بأنَّها القِيعانُ فاغرسْ *** ما تشاءُ بذا الزمانِ الفاني

وغراسُها التسبيحُ والتكبيرُ ***  والتحميدُ والتوحيدُ للرحمنِ

تَبَّاً لتاركِ غَرْسِهِ ماذا الذي *** قدْ فاتَهُ في مدةِ الإمكانِ

يا مَنْ يُقِرُّ بذا ولا يَسعَى لَه ***  باللهِ قلْ لي كيفَ يجتمعانِ؟

أرأيتَ لو عَطَّلْتَ أرضَكَ مِن غِراسٍ ***  ما الذي تجني مِن البستانِ

والله يا كرام،، إن هذه الباقيات الصالحات من أعظم فرص الحياة.

يا أخي قريباً والله سيقف كل واحد منّا في غمرات الموت ولحظات السكرات والفوت ويوقن عندها حقًّا أن الحياة كانت فرصة لا تُعوَّض؛ إي والله لا تعوض عندها (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[الفجر ٢٣-٢٤].

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَا مِنْ سَاعَةٍ تَمُرُّ بِابْنِ آدَمَ لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهَا إِلَّا تَحَسَّرَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه البيهقي وصححه الألباني في الجامع 5718).

يا رجل ماذا دهى عقولنا؟ أعندك ريبٌ في البعث بعد الموت؟ أعندك شكٌّ في وعد الله؟ والله إن وعد الله حق. والله إن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها . والله ستقرأ كتابك (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الإسراء ١٤].

والله إن الأجهزة أخذت بأعمارنا، وهجرنا ذِكْر الله؛ فقلّ ذكرنا لربّنا، فكم من ساعات، وأوقات تمرّ بنا ونحن في غفلة عن التسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل؟ (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)[الزخرف ٣٦-٣٧].

أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

"يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُِ"(متفق عليه).

والله إن هذا الحديث لا يحتاج لمثلي أن يُعلّق عليه، كفى والله شرفاً وفخراً أن الله يذكر العبد إذا ذكره.

والقاعدة أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مَنْ ذِكْرِهِ

وَأَكثِر ذِكرَهُ في الأَرضِ دَأباً *** لِتُذكَرَ في السَماءِ إِذا ذَكَرتا

جَمَعتُ لَكَ النَصائِحَ فَاِمتَثِلها *** حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما اِمتَثَلتا

فَلا تَأخُذ بِتَقصيري وَسَهوي *** وَخُذ بِوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتا

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق عبدك خادم الحرمين الشريفين، اللهم اجعله سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك.

اللهم وفقه وولي عهده لكل ما تحبّه وترضاه، أرهم الحق حقّاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي