رمضان وحفظ اللسان

أسامة بن عبدالله خياط
عناصر الخطبة
  1. أثر الصيام في ترويض اللسان .
  2. من آفات اللسان .
  3. رسالتنا في رمضان إلى العالم . .
اهداف الخطبة
  1. الحث على حفظ اللسان خاصة في شهر رمضان .

اقتباس

وفي هذا البيان النبوي الرفيع ـ يا عباد الله ـ من الحسم على كبح جِمَاح النفس بكفِّها عن مقابلة السنة بمثلها، ومن لجم اللسان عن التردِّي في وَهدة الجهل والسفَه والمخاصمة المورِثة للعداوة والبغضاء وفساد ذات البين ما لا مزيدَ عليه، وفيه أيضاً أن فريضةَ الصيام فرصةٌ كبرى لاعتياد هذه المجاهدة، واعتماد هذه التزكية، يأخذ بها المسلم نفسَه في أيام هذا الشهر ولياليه، ويحثّ إخوانَه على الأخذ بها رفيقاً بهم غيرَ معنِّفٍ لهم؛ لتكون عدةً وزاداً لهم في مستقبل الأيام، وآيةً بينة على بلوغ الصوم غايتَه في تحقيق التقوى.

أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله فقد أظلَّكم شهرٌ عظيم مبارك، تفتَّح فيه أبواب الجنة، وتغلَّق فيه أبواب النيران، وينظر الله إلى تنافسكم فيه، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فالسعيد من مسَّته رحمة الله تعالى فحظي بالغفران والرضوان، والشقيُّ من حُرم رحمةَ الله عز وجل في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.

أيها المسلمون، بين تفريط المفرِّط وتضييعه، وبين لهوه ولغوه، وبين غفلة الغافل وسهوه، يدأب المؤمن الصادق اليقِظ على اغتنام فُرَص العمر التي منَّ الله بها على عباده، وفي الطليعة منها فرصةُ الصيام في شهر الصيام، ويجهَد في استثمار زمانها أملاً في بلوغ ما تصبو إليه نفسه، ويطيب به عيشه، وتحسن به عاقبته في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

وإنَّ منافعَ الصيام وجميلَ آثاره لتربو على الحصر، وتجلّ على العدّ، غيرَ أن الأثر البيِّن لهذه الفريضة المباركة في ترويض الألسنة الجامحة وتقويمها وتطهيرها من مقبوح القول ومنكور الحديث؛ لتتحقَّق بها صفةُ المؤمن الكامل التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"  أخرجه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه بإسناد صحيح.

إن هذا الأثرَ التربويَّ البارز ـ يا عباد الله ـ لهو من أظهر ما تجب العناية به بتوجيه الأنظار إليه وكمالِ الحرص عليه، فذلك شأن أولي النهى وديدنُ أولي الألباب ونهجُ أولي الأبصار. فآفاتُ اللسان وأوضارُه هي من أعظم ما يُخشى ضررُه وتُحذر عاقبته؛ إذ بها يعظم الخطب، ويُحْدق الخطر، ويعمُّ البلاء، وتستحكم العلل، ويعزّ الدواء فيعسر البرء، وقد يتبدَّد الأملُ بعد ذلك في الشفاء، وحسبكم في بيان ذلك ـ يا عباد الله ـ قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين سأله متعجِّباً: وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال صلى الله عليه وسلم: " ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم ـ أو قال: على مناخرهم ـ إلا حصائدُ ألسنتهم" أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي في سننهما بإسناد حسن.

ولذا فإن على المسلم الصائم ابتغاءَ وجهِ ربه الأعلى وأملاً في الظفر بموعود الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في قوله: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " أخرجه الشيخان في صحيحيهما، إن عليه أن يذكر على الدوام أن سِبابَ المسلم فسوق، كما صحَّ بذلك الحديث عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، والمرادُ أنه خروجٌ على أوامر الله، وتعدٍّ لحدوده، يظلم به المرء نفسَه ظلماً مبيناً من جهة إدخال النقص عليها في إيمانها، حين يوردها مواردَ الطعن واللعن والفُحش والبذاء، وهو لا يحلُّ له، ولا يجمُل به، ومن جهة التنكُّر أيضاً لحقوق الأخوة التي بارك الله فيها، ووصف بها المؤمنين بقوله عزّ اسمه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]  وشدَّد النكيرَ على كلِّ من أراد الانتقاصَ منها، أو تعكير صفوها، أو توهين عُراها. ثم عليه أن يذكر أيضاً أن تلوُّثَ الألسنة بأرجاس هذا السوء في حال الصيام أعظمُ قبحاً، وأشدُّ نكراً، وآكد حرمة، ولذا جاء التوجيهُ النبوي الكريم بالتحذير من ذلك بقوله صلوات الله وسلامه عليه: " الصيام جنة، فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يسخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم " أخرجه الشيخان في صحيحيهما، والمراد أن يذكِّر المسلم الصائمُ نفسَه بذلك؛ ليقمعَ به سورةَ الشر في أقطارها، ويذكِّر أخاه أيضاً لعلَّه أن تمسَّه رحمةٌ من ربِّه فيقلع عما أراد من سوء، ويُحجم عما أوضع فيه من عدوان. وفي هذا البيان النبوي الرفيع ـ يا عباد الله ـ من الحسم على كبح جِمَاح النفس بكفِّها عن مقابلة السنة بمثلها، ومن لجم اللسان عن التردِّي في وَهدة الجهل والسفَه والمخاصمة المورِثة للعداوة والبغضاء وفساد ذات البين ما لا مزيدَ عليه، وفيه أيضاً أن فريضةَ الصيام فرصةٌ كبرى لاعتياد هذه المجاهدة، واعتماد هذه التزكية، يأخذ بها المسلم نفسَه في أيام هذا الشهر ولياليه، ويحثّ إخوانَه على الأخذ بها رفيقاً بهم غيرَ معنِّفٍ لهم؛ لتكون عدةً وزاداً لهم في مستقبل الأيام، وآيةً بينة على بلوغ الصوم غايتَه في تحقيق التقوى.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:183، 184].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وليِّ الصالحين، أحمده سبحانه يحبّ من عباده المتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله، إنَّ صيام هذا الشهر المبارك على ما أمر الله وبيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بمثابة رسالةٍ بالغة التأثير في الأفئدة والألباب، فمن حقِّ الأمة ومن واجبِها أن تقدِّم هذه الرسالةَ للعالمين برهاناً واضحاً على كمالِ الانقياد لله تعالى وتمام الإذعان لأمره ونهيه، وتقديمهما على كل المحبوبات، وعلى تزكية النفوس والترقي بها في مدارج الكمالات، وعلى توثيق عرى الأخوة بالشدِّ على الروابط، وإشاعة التراحم والتعاطف بين أبناء الأمة الواحدة.

فاتقوا الله عباد الله، واعملوا على كلِّ أسبابِ الصيانة والسلامة لهذه الرسالة، حتى تبلغ الآفاقَ حيةً فاعلة مؤثِّرة، يهدي الله بها من يشاء من عباده وهو الحكيم الخبير.

ألا وصلوا وسلموا على خاتم النبيين وإمام المتقين ورحمة الله للعالمين، فقد أمركم بذلك الربّ الكريم، فقال في كتابه المبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي