الهم والحزن يُضْعِف البدن، ويُوهِن القلب، وقد يَجْلب الأمراض، والهم له آثار ضارة على البدن، قال الحافظ ابن حبان -رحمه الله-: "لا ينبغي للعاقل أن يحزن؛ لأن الحزن لا يرد المصيبة، ودوام الحزن يُنْقِص العقل".
يعيش المرء في هذه الحياة بين أفراح وأتراح وسعادة وحزن؛ فيوم علينا ويوم لنا، ويوم نُسَاء ويوم نُسَرّ؛ ولذا جعل الله من نعيم أهل الجنة أنهم لا يحزنون (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر:34].
فأهل الإيمان ذكّرهم الله بقوله: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)[آل عمران: 139]. وفي الآخرة: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:277]، وقال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)[النحل: 127]؛ أي: لا تحزن على من خالفك.
والحزن يصيب البشر أجمعين حتى صفوة الخلق -عليهم السلام-، قال الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ)[الحجر:97]، وحين سألت عائشة -رضي الله عنها- النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحُد؟ قال: "لقد لقيتُ من قومك ما لقيتُ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت؛ فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب"(متفق عليه).
وقد سلَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر وهو في الغار حين قال: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التبوة:40].
ويعقوب -عليه السلام- حَزِنَ حزنًا شديدًا على فراق ابنه يوسف، قال الله في وصف هذا الأمر: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يوسف:84].
الهم والحزن معناهما متقارب؛ فالهم هو المكروه المؤلم على القلب على أمر مستقبل يتوقعه، والحزن: هو المكروه المؤلم على القلب على أمر قد مضى، وقد استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- منهما بقوله: "اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن"(رواه البخاري).
وكان من دعائه -عليه الصلاة والسلام- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزَنٌ فقال اللَّهمَّ إنِّي عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أمتِك ناصيتي بيدِك ماضٍ فيَّ حكمُك عدلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيْتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندك أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حزَني وذهابَ همِّي إلّا أذهب اللهُ -عزَّ وجلَّ- همَّه وأبدله مكانَ حزَنِه فرحًا. قالوا: يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أن نتعلَّمَ هؤلاء الكلماتِ. قال: "أجل ينبغي لمن سمِعهنَّ أن يتعلَّمَهنَّ"(رواه أحمد).
ثم يعلم المسلم أن ما يصيبه من المشاق والصعاب هي سُنَّة الله في خلقه، قال -سبحانه-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)[البلد:4]. وأن ما يصيبه مأجور على قليله وكثيرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المسلم من نَصَب ولا وَصَب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"(رواه البخاري).
والاستعانة بالصبر والصلاة دواء للأرواح قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة:153]، وتلاوة كلام الله -تعالى- فيه شفاء وطمأنينة وسكون، قال -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الإسراء:83]. وتفريج الكربات ومساعدة الضعفاء سبب للسعادة وزوال الهم.
الهم والحزن يُضْعِف البدن، ويُوهِن القلب، وقد يَجْلب الأمراض، وعلاج الهمّ كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
والهم له آثار ضارة على البدن، قال الحافظ ابن حبان -رحمه الله-: "لا ينبغي للعاقل أن يحزن؛ لأن الحزن لا يرد المصيبة، ودوام الحزن يُنْقِص العقل".
وقد سُئِلَ عليّ -رضي الله عنه-: من أشد جند الله؟ قال: الجبال، والجبال يقطعها الحديد فالحديد أقوى، والنار تذيب الحديد فالنار أقوى، والماء يُطفئ النار فالماء أقوى، والسحاب يحمل الماء فالسحاب أقوى، والريح تعبث بالسحاب فالسحاب أقوى، والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه فالإنسان أقوى، والنوم يغلب الإنسان فالنوم أقوى، والهم يغلب النوم فأقوى جند الله هو الهم يُسلطه على من يشاء من عباده.
فعلى المسلم أن يعمر حياته بالعبادة والطاعة، وأن يحفظ وقته من الضياع، وأن يشتغل بالمفيد، ويلزم صحبة الأخيار، ويتقرب إلى الله بالعبادات كأداء العمرة وزيارة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزيارة الأرحام والأصحاب، والدعوة إلى الله، وقضاء حوائج المسلمين.
وصلوا وسلموا....
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي