معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

إسماعيل القاسم
عناصر الخطبة
  1. الخلفاء الراشدون وعام الجماعة .
  2. فضائل معاوية بن أبي سفيان .
  3. مناقب معاوية وأعماله .
  4. فقه معاوية وصفاته .
  5. ثقة الخلفاء الراشدين به وبإدارته وضبطه. .

اقتباس

صحابي جليل، من كُتاب الوحي، خليفة ملك، كان حليمًا وقورًا، كريمًا عادلاً، شهمًا قائدًا محنكًا، داهية زمانه، صاحب الفتوحات الإسلامية. أخته أم حبيبة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، تأخَّر إسلامه إلى عام الفتح وشهد حنين وأعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغنائم.

الخطبة الأولى:

للصحابة -رضي الله عنهم- سِيَر عَطِرَة، فقد صحبوا خير خلق الله محمد بن عبد الله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.

فقد سار الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم- على الهدى المستنير في الخلافة والإمارة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أولهم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين فعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، ثم أتم الخلافة بعد مقتل علي -رضي الله عنه- ابنه الحسن -رضي الله عنه-، وتنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، وسمي ذلك العام عام الجماعة.

وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فضل الحسن -رضي الله عنه- وهو إلى جنبه والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل على الناس مرة وعلى الحسن عليه أخرى، وهو يقول: "إن ابني هذا سيّد، ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"(رواه البخاري).

وبعد تنازل الحسن -رضي الله عنه- عن الخلافة لمعاوية -رضي الله عنه- تولاها عشرين عامًا تقريبًا، وقبلها عشرين عامًا في ولاية الشام، ومع كل هذه الحياة السياسة وإدارته أمور المسلمين قلَّ الحديث عنه وعن فضائله وأعماله.

اشتهر اسمه بمعاوية بن أبي سفيان، وأما نسبه فهو: معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، يلتقي مع نَسب النبي -صلى الله عليه وسلم- في عبد مناف.

صحابي جليل، من كُتاب الوحي، خليفة ملك، كان حليمًا وقورًا، كريمًا عادلاً، شهمًا قائدًا محنكًا، داهية زمانه، صاحب الفتوحات الإسلامية.

 أخته أم حبيبة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، تأخَّر إسلامه إلى عام الفتح وشهد حنين وأعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغنائم.

روى أحاديث كثيرة، في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين.

دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اللهم اجعله هاديًا مهديًا"، وقال له: "اللهم عَلِّم معاوية الكتاب والحساب وَقِهِ العذاب"(رواهما أحمد).

قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنْ وُلِّيت فأحسن"؛ قال معاوية: فما زلت أطمع في الخلافة مذ قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

رآه بعض متفرسي العرب وهو صغير فقال: "إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه"، فقالت أمه هند: "ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه".

كان عمر -رضي الله عنه- إذا نظر إلى معاوية قال: "هذا كسرى العرب".

شهد له الصحابة -رضي الله عنهم- بعِلْمه وفقه، قيل لابن عباس -رضي الله عنهما-: هل لك في أمير المؤمنين معاوية ما أوتر إلا واحدة؟ قال: "أصاب إنه فقيه".

معاوية فقيه. وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه- لأهل الشام: ما رأيت احد أشبه صلاة بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إمامكم هذا - يعني معاوية -.

ومن صفاته -رضي الله عنه- التي اشتهر بها: التواضع؛ فقد خطب مرة بعد تولي الخلافة وذكر بأن في الناس من هو خير منه؛ فقال: "أيها الناس ما أنا بخيركم, وإن منكم لمن هو خير مني, عبد الله بن عمر, وعبد الله بن عمرو, وغيرهما من الأفاضل, ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية, وأنكاكم في عدوكم, وأدرككم حلبًا".

وأما كرمه -رضي الله عنه-؛ فقد بعث إلى عائشة -رضي الله عنها- بطوق قيمته مائة ألف فقبلته، وقضى عنها ثمانية عشر ألف دينار.

وقال جابر -رضي الله عنه-: "صحبت معاوية، فما رأيت رجلاً أثقل حلمًا ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناة منه".

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية"، وقال الذهبي -رحمه الله-: "معاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم".

 وأما إدارته ومُلكه فشهد بها الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم، قال الإمام الذهبي -رحمه الله-: "حسبك بمن يُؤمِّرهُ عمر، ثم عثمان على إقليم- وهو ثغر- فيضبطه، ويقوم به أتمّ قيام، ويرضى الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم قد تألم مرة منه، وكذلك فليكن الملك".

وفَّقه الله لاختيار الرجال والأعوان بولايتهم وخبرتهم الإدارية والعسكرية، مع حكمتهم ودهائهم. كعمرو بن العاص السهمي، وكالمغيرة بن شعبة الثقفي، وزياد بن أبيه الثقفي، ويزيد بن الحر العبسي، والضحاك بن قيس الفهري، وعبد الله بن عامر بن كريز، وبالقادة المقاتلين كالمهلب بن أبي صفرة، وعقبة بن نافع الفهري، ومالك بن هبيرة، وجنادة بن أمية الأزدي وآخرين، فنجح في إدارة الخلافة وانتشار الفتوحات وتوطين الأمن.

ولاه عمر -رضي الله عنه- الشام حتى قُتِلَ، ثم في خلافة عثمان -رضي الله عنه- اثنتي عشرة سنة حتى قُتِلَ، وأربع سنين في خلافة علي -رضي الله عنه- حتى قُتِلَ، وستة أشهر في خلافة الحسن -رضي الله عنه- حتى تنازل، مما يدل على ثقة الخلفاء الراشدين به وبإدارته وضبطه لمصالح العباد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في فضله والثناء عليه -رضي الله عنه-: اتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة؛ فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك فقد كان ملكه ملك ورحمة. وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكًا".

كان -رضي الله عنه- حكيمًا حازمًا، فمن حكمته ودهائه أنه قال عن نفسه: "لو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"، قيل كيف يا أمير المؤمنين؟ قال: "إن جبذوها أرسلتها وإن خلوها جبذتها".

الخطبة الثانية:

على قِصَر فترة الدولة الأموية البالغة واحدًا وتسعين عامًا تقريبًا، إلا أنها هي أكثر الدول فتحًا ونشرًا للإسلام، فيحدها الدولة الأموية من شرقها أطراف الصين، وحتى جنوب فرنسا غربًا مرورًا بالدول العربية والإسلامية وغيرها، بمساحات شاسعة بما يقارب في وقتنا ست وأربعين دولة.

وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوحات في البحر والتي لم تعرف إلا زمن عثمان -رضي الله عنه- قالت أم حرام بنت ملحان نام النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا قريبًا منّي ثم استيقظ يبتسم فقلت ما أضحكك؟ قال: "أناس من أمتي عُرضوا عليَّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأَسِرَّة".

قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت مثل قولها فأجابها مثلها، فقالت ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "أنت من الأولين". فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.

مآثر معاوية -رضي الله عنه- عديدة منها: اهتمامه بالمسجد الحرام، فقد أمر بتوسعته وأجرى له القناديل والزيت من بيت المال، وأضاء المصابيح فيه لأهل الطواف.

 واهتم بالمسجد الأقصى، وزاد في المسجد الجامع بالفُسطاط عام 53هـ وطلا جدرانه بالجص، وزخرف بنيانه، وبنى له أربع منارات شامخة وفرشه بالحصير.

 ووسع المسجد الجامع بالكوفة، وبنى في البصرة المساجد الكثيرة.

 وحرص على توفير مياه الشرب في المدينة، وأجرى في الحرم المكي عيونًا، وأنشأ آبار المياه على الطرقات، فربط بين أجزاء مملكته ربطًا محكمًا.

وجعل بمكة دار المراجل وقفًا في سبيل الله، والتي كان يُطبخ فيها طعام الحجاج وطعام الصائمين من الفقراء في شهر رمضان المبارك.

لمعاوية أفضال ومآثر كثيرة قال ابن الجوزي: "قد تعصّب قوم ممن يدّعي السنة، فوضعوا في فضل معاوية أحاديث ليغيظوا الرافضة، وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمِّه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح".

هذه ملامح سريعة من حياة صحابي جليل، الغرض منها ذكر فضائله ومناقبه وجهوده وأعماله حيث لم تذكر في السير إلا قليلاً أو ذمًّا، والواجب في الصحابة عمومًا كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "الواجب الثناء عليهم والاستغفار لهم، والترحم عليهم، والترضي عنهم واعتقاد محبتهم وموالاتهم، وعقوبة من أساء فيهم القول".

والواجب علينا نحن كذلك سلامة قلوبنا لهم وألسنتنا وحفظ فضائلهم والاعتراف لهم بسبقهم ونشر مناقبهم لقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].

رضي الله عن صحابة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي