الوالِدان هما مدَدُ الأولاد بالعاطِفة والمُساعَدة في مسارات الحياة، ولا سيَّما في سنوات التنشِئة والتربية والتعليم، وبالانفِصال يفقِدُ الأولادُ التوجيهَ المُتَّزِن، ناهِيكم لما يتعرَّضُ له هؤلاء الأولاد من احتِمال انحرافِ وسقوط في أحضان قُرناء السوء والضياع، وهي مُشكلاتٌ خطيرةٌ، وآثارٌ مُتعدِّيةٌ على المُجتمع كله.
الْحَمْدُ لِلَّهِ نحمده ونَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شرك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: ١٠٢].
أما بعد: وقفت على إحصائية بالأمس مؤلمة، إي والله إحصائية رسمية تحكي خطراً كبيراً، مخيفاً عن حالات الطلاق في بلادنا.. أتدرون متى يفرح إبليس؟ عندما يفرّق بين زوجين، ويشتّت شمل أسرتين، ويمزّق رباطاً مقدّساً، وميثاقاً غليظاً.
في صحيح مسلم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ"؛ قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: "فَيَلْتَزِمُهُ".
الطلاق اليوم يغزو البيوت غزواً غريباً، فقلّ أن ترى أسرةً إلا ورأيت الطلاق يعشعش على بعض أفرادها.
يا كرام نحن اليوم نعيش مرحلةً أصبح الزواج فيها ليس رابطاً قوياً، ولا ميثاقاً غليظاً، ففي أضعف المواقف تنقلب الحياة إلى شقاقٍ وفراق.
الطلاقُ المُتسرِّعُ زلزالٌ يُهدِّدُ كيانَ الأُسرة، ويهدِمُ أركانَ البيت، الزوج والزوجة، والأبُ والأُمُّ؟!
الأولادُ في أُسرة الطليقين ينتمون إلى أُسرةٍ مُفكَّكةٍ مُتفرِّقة، الحنانُ فيها ضعيفٌ، يفقِدون معه الأمن والاستِقرار.
الوالِدان هما مدَدُ الأولاد بالعاطِفة والمُساعَدة في مسارات الحياة، ولا سيَّما في سنوات التنشِئة والتربية والتعليم، وبالانفِصال يفقِدُ الأولادُ التوجيهَ المُتَّزِن، ناهِيكم لما يتعرَّضُ له هؤلاء الأولاد من احتِمال انحرافِ وسقوط في أحضان قُرناء السوء والضياع، وهي مُشكلاتٌ خطيرةٌ، وآثارٌ مُتعدِّيةٌ على المُجتمع كله.
أيها الزوج: الطلاق كلمة لا ينازع أحد في جدواها وحاجة الزوجين لها، لكن متى؟ حينما يتعذر العيش، عندما يبلغ النفور مداه، ويضيق العيش فهنا شرع الشارع الكريم أن يتفرقا بالمعروف، قال -تعالى-: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)[النساء:١٣٠]، وقال -سبحانه-: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: ٢٢٩].
لكنَّ القضية الكبرى يوم ترتفع نِسَب الطلاق ويظن الزوج أنَّ التهديد بالطلاق هو الحل الصحيح للمشاكل الزوجية والخلافات الأسرية، فعند أدنى خطأ وزلل يتهجم على زوجته بالطلاق، فيطلق عند كلّ صغيرةٍ وكبيرة، بل إنّ البعض جعل الحلف بالطلاق ديدنه، "عَلَيَّ الطَلَاقُ"، "عَلَيَّ الحرام"؛ فارتفعت نسب الطلاق وامتلأت البيوت بالمطلقات.
كثر الطلاق اليوم عندما أساء الرجل وأساءت المرأة اختيار شريك الحياة. كثر الطلاق عندما رغب الزوجان في مظاهر تزول وتفنى، وأعرضوا عن صفات تدوم وتبقى، فقام الاختيار على خصال الحسب والنسب، والمال والجمال، وأعرض الزوجان عن الدين والأخلاق وحسن الخلال، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"(متفق عليه).
وأوصى -صلى الله عليه وسلم- باختيار الزوج الصالح؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.(رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ).
كثر الطلاق لما ضاعت قوامة الرجل في البيت وأصبحت المرأة هي السيدة المطاعة، ولا أدري والله كيف تستقيم الحياة إذا أصبحت القوامة للزوجين والسفينة بقائدين، والله -عزّ وجل- يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النساء: ٣٤].
لقد لعبت وسائل الإعلام والتقنية في عقول الزوجين فأفسدت الزوجَ ودمّرت الزوجة. وسائل الإعلام والتقنية -ولو أقسمت لصدّقتموني- دمّرت البيوت تدميراً، وجعلت البيت شرّاً مستطيراً. وسائل التقنية أصبحت تصوغ الأسرة صياغةً جديدةً، فتغيرت الأفكار وقل الاحترام وفشا الخلاف والخصام.
كثر الطلاق اليوم عندما أصبح بعض الأزواج لا يغفرون الزلّة، ولا يقيلون العثرة. كثر الطلاق عندما فقدت الزوجة العناية بزوجها وبيتها وأولادها.
لنكن صرحاء فقدت البيوت اليوم الزوجة الصالحة المربيّة القائمة بحقّ زوجها وأولادها. أين الزوجة التي إذا أمرها زوجها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا نظر إليها أسرته؟
كثر الطلاق اليوم عندما ضيّع الزوج حقّ زوجته، استراحاتٌ وسهرات وضياعٌ عن الصلوات، ناهيكم عن التقصير في النفقة والحقوق والأشنع من ذلك كله عندما تكشف الزوجة زوجها في علاقات وفتيات؛ فتلك قاصمة الظهر.
كثر الطلاق عندما فقدنا زوجًا يرعى الذمم، ويتحلى بالأخلاق والشِّيَم، قبل الزواج كان يتشفّع بهذا ويتوسّل بذاك حتى يزوّجوه، فإذا تم عقد النكاح رأت منه الويل والثبور، والشتم والضرب والفجور، ثم يقلبها إلى أهلها تحمل صكّ طلاقها وكسرها.
كثر الطلاق يوم أصبحت المرأة طليقة اللسان على زوجها، كلامها وعيد، صوتها شديد، تخرج متى شاءت، وتدخل متى شاءت، مضيّعة لحقوق زوجها وأولادها وبيتها.
ونسيت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ"(رواه أصحاب السنن وصححه الألباني في المشكاة، حديث 3254).
أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيماً لشأنه، وأشهد أنّ سيدنا ونبينا محمداً الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
كثر الطلاق يوم كثرت النعم إي والله، أصبحت النعم ترفرف على الزوجين فاستغنى كل واحد منهما عن صاحبه (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)[العلق ٦-٧].
كثر الطلاق يوم ضيعت الصلاة، نعم والله، فالصلاة والمحافظة عليها من أعظم أسباب صلاح البيوت، قال -تعالى- في سياق حديثه عن المشاكل الزوجية والحياة الأسرية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة:٢٣٨].
ختامًا: أقول الوفاء يا معاشر الرجال، والطاعة الطاعة يا أيتها الزوجات، فحافظا على حسن الصحبة وتحصنا بالصبر والإيمان، وتذكّرا أن لكل واحد منكما حقوقًا على الآخر قال -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة:٢٢٨].
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق عبدك خادم الحرمين الشريفين، اللهم اجعله سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك.
اللهم وفقه وولي عهده لكل ما تحبّه وترضاه، أرهم الحق حقّاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي