إنّ من سنن الله تعالى تقدير المصائب على العباد، فما يكاد واحد منا يزعم أنه بمنأى عن المصائب بكل أجناسها، وما تكاد بقعة من الدنيا هي في معزل عن المصائب بمختلف أشكالها، فالمصائب تجول في البلاد وتحور وتكور على العباد، تمتد وتتلون وتكبر وتصغر من همّ وغمّ يقبع في صدرك، إلى قطع ونزف يعمل بجسدك ومالك، ومن ألمٍ يئنّ له طفلك إلى موت يجهز على حبيبك ..
إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد:
ثمانية لا بد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرورٌ وهمّ واجتماع وفرقة *** ويسر وعسر ثم سقم وعافية
أيها المؤمنون: إنّ من سنن الله تعالى تقدير المصائب على العباد، فما يكاد واحد منا يزعم أنه بمنأى عن المصائب بكل أجناسها، وما تكاد بقعة من الدنيا هي في معزل عن المصائب بمختلف أشكالها، فالمصائب تجول في البلاد وتحور وتكور على العباد، تمتد وتتلون وتكبر وتصغر من همّ وغمّ يقبع في صدرك، إلى قطع ونزف يعمل بجسدك ومالك، ومن ألمٍ يئنّ له طفلك إلى موت يجهز على حبيبك، ومن حادث يخدش مركبة تسير إلى كارثة تسحق أمة تمور ودولة تصول وأنفسًا تجور: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [آل عمران:186].
أيها المؤمنون: إن بعض الناس إذا حلت به مصيبة، لا يكتفي بمجرد التأثر والحزن، بل ينتكس ويسلم نفسه للشيطان ويرتكس، وإذا به يتسخّط على الرحمن، ويسخط من قدر الله ويسخط على الله ثم يسيء الظن بالله العظيم: (فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلا) [الفجر:15-17]، ثم يتردى فيتفوه بكلام يتطاول فيه على مقام الربوبية، ثم ينقلب على عقبه بردة فعل شنيئة على هذه المصيبة فيعصي الله بسببها، فيترك الصلاة، ويلجأ إلى المحرمات، إلى دخان أو خمر لعله يريحه، إلى شلة أو سهرة لعلها تسليه، يمسي مكفهرًا، وينام جزعًا، ويصبح ساخطًا، ويظل ناقمًا جزعًا: (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا) [المعارج:20].
لقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الإنكار على أمثال هؤلاء، فقد مرّ ذات يوم بامرأة تبكي صبيًا لها عند قبره، فقال لها: "اتقي الله واصبري". فقالت -ولم تكن تعرفه-: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي.
ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم على رجل كبير مصاب بالحمى فقال له: "لا بأس طهور إن شاء الله"، ولكنه كان جزعًا، فقال: ومن أين؟! بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور. فقال له النبي: "فلتكن إذن كذلك". فكانت القاصمة.
نعم، إنه موقف التسخّط عند حلول المصائب، إنه موقف إساءة الظن بالله والقنوط والنكير: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) [الحجر: 56]، ولكن العبد المؤمن العارف بالله تعالى يطمئن بقول الله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا) [التوبة:51]، ولكن المسلم المقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يردد ما علمه رسوله؛ إذ يقول كما في الحديث الصحيح: "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ اؤجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا".
ولكن المسلم المتبع لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بدل الجزع والسخط فإنه يصبر لأجل الله ويحتسب عند الله، ففي الحديث الصحيح أن زينب بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلت إليه بأن ابنها قد قبض فَاحْضُرْنا، فأرسل إليها يقرئها السلام، ويقول لها: "إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ". أين هذا الصبر والاحتساب والرضا والطمأنينة والاسترجاع واليقين من ذاك الجزع والسخط والقنوط والإساءة؟!
أيها المؤمنون: لماذا تحدث المصيبة للطائع وللعاصي، للعالم العامل وللعازف العاطل؟! لماذا تقع المصيبة للضعيف وللقوي، للصغير وللكبير، للأمة الموحدة وللأمم المشركة، للأقوام المتدينين وللأقوام المحاربين؟!
أيها المؤمنون: ما من شك أن طعم المصائب مرّ وعلقم، وأنها موجعة ومؤلمة، وأنها مكروهة للنفس وممجوجة، وأنها ليست محمودة لذاتها، وأنه لا أحد يتمناها، ولا عاقل يستزيد منها، ولكن هذه المصائب ما تبرح تقيل معنا وتبيت بيننا، وما تفتأ تنطحنا وتفْجأنا بكرة وعشيًّا، فكيف ينظر المؤمن العارف بالله الفقيه بدين الله إلى هذه المصائب، صغرت أم عظمت، وخصّت أم عمّت؟!
أيها العبد المؤمن: إن المصائب التي تقع لك أو تحلّ بأمتك، قد يراد منها تربيتك، واختبار عقيدتك وإيمانك ومدى ثقتك بربك سبحانه، وقد يراد من ورائها أن تتعلم الأمة من أخطائها وسوابقها، كما تلهمنا ذلك إحدى دروس غزوة أحد؛ إذ يقول فيها ربنا الحكيم: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165]، فكان مراده سبحانه تربية الصحابة -رضوان الله عليهم- ومراجعة موقفهم في غزوة أحد حتى لا يتكرر الخطأ ذاته لاحقًا، وهذا درس ما زالت أمتنا اليوم -أفرادًا ودولاً وجماعات وأسرًا ومؤسسات وأحزابًا- لا تحسنه ولا تتقنه، بل ولا تريد أن تلتفت إليه، هذا إن تنبهت له، ولذلك يقول ربنا سبحانه: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنعام:43].
أيها العبد المؤمن: إنّ المصائب التي تصيبك، وتُقلقك، وتهمك وتَغمك وتُبكيك وتُؤْلمك، قد تكون كفارة لسيئاتك التي تراكمت في أيامك، وماحية لخطاياك التي تكاثرت في حياتك، ما علمت منها وما لم تعلم، وفي ذلك من الخير لك ما الله به عليم؛ يقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث المتفق عليه: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصيبُهُ أذىً، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا، إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بهَا سَيِّئَاتِهِ، وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا". ما أرحمك يا رب!! وما أعظم إحسانك إلى عبادك!!
ويا أيها المؤمن: قد تتنوع عليك المصائب، وقد يطول زمانها، وقد تشب وتهرم معك، وقد تقوى وتزداد وتراوح مكانها، وما ذلك إلا ليعظم تكفير ربك وغفرانه لسيئاتك، يقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "مَا يَزَالُ البَلاَءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ"، وهكذا تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المصائب الواقعة، وهكذا نظر إليها وربى الأمة عليها، فعن جابر -رضي الله عنه- كما في صحيح مسلم، أنَّ رسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- دخلَ على أُمِّ السَّائِبِ، فَقَالَ لها: "مَا لَكِ -يَا أُمَّ السَّائِبِ- تُزَفْزِفِينَ؟!"، قَالَتْ: الحُمَّى، لاَ بَارَكَ اللهُ فِيهَا! فَقَالَ: "لاَ تَسُبِّي الحُمَّى؛ فَإنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الكِيْرُ خَبَثَ الحَدِيدِ".
أيها المسلمون: ولكن المصائب التي تصيب المسلم، وتلك التي تصيب الأمة، قد تكون عقوبة.
نعم، إنّ المصائب التي تصيبك قد تكون عقوبة يعاقبك الله -عز وجل- بها على ما أسلفت من ذنوب مضت، ومن خطايا خلت، ومن معاصٍ حلّت، فأين يذهب أكل الحرام والربا والغش؟! أين يذهب الظلم لعباد الله والتسلط على أهل بيتك؟! أين تذهب خيانتك لزوجتك وخيانتك لوظيفتك؟! أين يذهب عقوقك وقطعك لرحمك ونميمتك؟! أين يذهب ترك الصلوات والتبرج وارتكاب الحرام في السهرات؟! قال ربك سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى:30]، قال ابن كثير: "وقوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، أي: مهما أصابكم -أيها الناس- من المصائب فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم: (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، أي: من السيئات، فلا يجازيكم عليها، بل يعفو عنها".
ولذلك كان من مواقف الفقيهة العابدة أسماء بنت الصديق -رضي الله عنهما- أنها كانت ذات يوم تصدع، فكانت تضع يدها على رأسها، وتقول: "بذنبي، وما يغفره الله تعالى أكثر".
نعم، وكذلك المصائب الكبرى التي تحلّ بالأمم والدول والشعوب؛ من زلازل وخسوف وإهلاك ودمار، وزوال للملك وضنك في العيش، وانتشار للمرض وظهور للذل والهوان، فإن ذلك كله قد يكون انتقامًا ينتقمه العزيز الجبار من تلك الأمة أو الدولة، أو من ذاك الجمع أو النفر: مسلمين كانوا أم غير مسلمين، فالطغيان مجلبة للمصائب، والفساد مدعاة للفواجع، قال ربك سبحانه: (فإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) [المائدة:49].
ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يفقه هذه السنة الربانية جيدًا، ويدرك مداخلها ومخارجها، ففي سنن البيهقي عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَتْ: زُلْزِلَتِ الأَرْضُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى اصْطَفَقَتِ السُّرُرُ، وَابْنُ عُمَرَ يُصَلِّى فَلَمْ يَدْرِ بِهَا، وَلَمْ يُوَافِقْ أَحَدًا يُصَلِّي فَدَرَى بِهَا، فَخَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ: "أَحْدَثْتُمْ، لَقَدْ عَجِلْتُمْ"، قَالَتْ: وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: "لَئِنْ عَادَتْ لأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانَيْكُمْ".
ومن هنا وجّه النبي -صلى الله عليه وسلم- رسالة تحذير قاسية، تخص أصحاب النوادي والمهرجانات والفنادق والصالات الذين يحيون ليلهم ويمضون مساءهم في اللهو والطرب والرقص والشرب، أولئك الذين يجلبون على مجتمعاتهم المصائب ويتسببون بالويلات لهم وسوء المنقلب، كأنهم إلى ربهم لا يرجعون، فقال فيهم وفي أمثالهم -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في الحديث: "ليكوننّ في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف".
أيها المؤمن: ومن عجيب فقه المصائب، ومن عجيب شأن المصائب، أن الله تعالى قد لا يصيبك بها ليكفر بها سيئاتك فقط، ولا ليكتب لك حسنات فقط، ولا بسبب ذنوب سلفت منك، ولا انتقامًا منك، بل لأمر جليل لا يقدر عليه إلا الجليل سبحانه، أتعرفون ما هو هذا الأمر؟!
أيها المؤمن: إن ربك الجليل سبحانه قد يصيبك بالمصيبة ويشدد عليك فيها لأن لك مقامًا في الآخرة قد ادخره الله لك؛ لأن لك منزلة في الآخرة لا يمكن أن تبلغها بأعمالك وحدها لا أنت ولا غيرك، لا بصلاة ولا بصوم ولا بزكاة، إلا بتلك المصيبة التي أصابك الله تعالى بها، فصبرت واحتسبت، فكتب الله لك أن تصل إلى هذه المنزلة، التي لا تدركها بعباداتك وحدها، ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنَ الله الْمَنْزِلَةُ لَمْ يَبْلُغْهَا عَمَلَهُ ابْتَلاَهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يَنَالَ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-". قال شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره.
وأما أنتم أيها العلماء، أما مصائبكم أنتم أيها العلماء العاملون، أيها الدعاة المخلصون، أما مصائبكم يا طلبة العلم، ويا حملة الإسلام، ويا أنصار رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- فلها طعمها الخاص؛ ألستم ورثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فمن مصاب رسولكم قلة ذات اليد، حتى كان يضطره الأمر إلى أن يبيت طاويًا.
ألستم ورثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فمن مصاب رسولكم إيذاء أعداء الله له حيًّا كما فعلت قريش ويهود، وميتًا كما يفعل اليوم ورثة قريش وأتباع يهود من أبناء الغرب الصليبي.
ألستم ورثة رسول الله؟! فمن مصاب رسولكم فقد الأحباب والأصحاب والأنصار، فتلك خديجة تموت، وهذا حمزة يقتل، وأولئك أصحابه يستشهدون، وهؤلاء أولاده يفارقون.
ألستم ورثة رسول الله؟! فمن مصاب رسولكم عيش الأوجاع ومصارعة الآلام، ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ". قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَجَلْ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا".
ألستم ورثة رسول الله؟! فما يصيبكم إنما هو في سبيل الله ولأجل الله؛ ففي الحديث الصحيح عن جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ: "هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ"، فكن كذلك وردد قول مولاك سبحانه: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:146].
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
قال بعض السلف: "لولا المصائب لوردنا الآخرة مفاليس".
وقال القاضي شريح: "إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أنها لم تكن أعظم مما هي، وأن الله رزقني الصبر عليها، وأن الله وفقني للاسترجاع عندها، وأنها لم تكن في ديني".
وإذا اشتدت عليك مصيبتك فأكثر من قراءة الآية الثانية والعشرين من سورة الحديد: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) [الحديد:22-23].
هكذا ينظر المؤمن العارف بالله الفقيه لدين الله إلى المصائب، فيجعل منها سلمًا ليرتقي به في مدارج الهدى والصلاح في دنياه وفي منازل الأبرار ودرجات الأطهار في أخراه.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي