عَمَلٌ يَسِيرٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

عبدالله بن محمد حفني
عناصر الخطبة
  1. تهافت الناس على نعيم الدنيا .
  2. من الأعمال ذات الأجور العظيمة .
  3. التحذير من الغفلة والاغترار بالدنيا .

اقتباس

"لَأنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَاللهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"(رواه مسلم), يا رجل: بالله على ماذا طلعت الشمس اليوم؟؛ طلعت الشمس اليوم على الصّقور والنّوق, والجمادات التي بلغت الملايين من الريالات!, طلعت الشمس اليوم...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ, نحمده ونَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شرك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

هل سمعتم بصقرٍ يباع بأكثر من مليوني ريال؟! هل قرأتم عن ناقةٍ تباع بأكثر من خمسة ملايين ريال؟! هل بلغكم عن لوحة سيارةٍ تباع بأكثر من نصف مليون ريال؟! هل قرأتم عن صفقةٍ للاعبٍ بلغت قيمته أكثر من مائتي مليون يورو؟!.

أموالٌ وأرقامٌ فلكيّة, وأسعارٌ خياليّة تأخذ بمجامع العقول والقلوب, فربّما يقول السامع والمشاهد: "يا ليت لنا مثل ما أوتي هؤلاء", هذه حقائق -والله- لشيءٍ من حطام الدنيا, ولكنني جئت اليوم مذكّراً لأهل التوحيد والإيمان.

جئت مذكّراً لعمّار المساجد, ومن يرجو ما عند الله, جئت مذكّراً للذين يؤمنون بالغيب ويعلمون أن وعد الله حقّ, يعلمون أن الله -تعالى- يقول: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)[القصص: 60، 61].

بالله عليك تعال معي أحدّثك عن أعمالٍ من البرّ, هي -والله- أعظم أجراً من الدنيا وما فيها!, أعظم من ثروات الدنيا بحذافيرها!.

عَمَلٌ يَسِيرٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ, استمع إلى نبيّك -صلى الله عليه وسلم- وهو يحدّثك عن أعمال من البرّ والخير, هي -والله- خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَمِ, يقول -صلى الله عليه وسلم-: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(رواه مسلم), وفي رواية: "لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ"(رواه أحمد).

لا إله إلاّ الله!, بالله عليكم هذا كلام من؟, هذا وعدُ من؟, أليس هذا بوعدٍ من الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-؟, ركعتان قبيل الفجر يصليهما العبد بقصار السور, ويوجز فيهما خيرٌ من الدنيا وما عليها, لا إله إلا الله!, فقل لي بربك: ماذا أعد الله لعبدٍ ترك فراشه الوفير, ونومه العميق, وأسبغ وضوءه، ثم خرج في ظلمة الليل يحثّ الخطى إلى أين؟ إلى دنيا يصيبها؟,  إلى امرأة ينكحها؟, لا وربّ الكعبة؛ خرج هذا العبد في هدوءٍ وسكينةٍ إلى بيوتٍ أَذِن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

غدا هذا العبد التقي إلى بيت الله يبتغي فضل الله، وماء الوضوء يتقاطر برداً وسلاماً على وجهه, تحفّه الملائكة, تشهد له الأرض, ينظر الله إليه وهو يرفع قدماً ويضع أخرى, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ, فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ؛ كُتِبَتْ صَلَاتُهُ يَوْمَئِذٍ فِي صَلَاةِ الْأَبْرَارِ، وَكُتِبَ فِي وَفْدِ الرَّحْمَنِ"(رواه الطبراني في الكبير والمنذري في الترغيب والترهيب), عَمَلٌ يَسِيرٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ, صلاة ركعتين, إي والله ركعتان!, يتقرّب بها المرء لربّه في أي وقتٍ شاء من الأوقات المشروعة.

استمع إلى ثوابها يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا فَقَالَ: "رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ, يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ؛ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ"(رواه ابن مبارك وصححه الألباني).

عَمَلٌ يَسِيرٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ, تلاوةُ آياتٍ يسيراتٍ من كتاب الله؛ كسور العصر والكوثر والإخلاص, يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟", قُلْنَا: نَعَمْ, قَالَ: "فَثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ"(رواه مسلم).

عَمَلٌ يَسِيرٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ, الغدو إلى بيوت الله, والجلوس في حلقات القرآن؛ فتلك -والله- مجالس لا تعدلها الدنيا وما فيها, إي والله, يقولُ عُقْبَةُ بْن عَامِرٍ -رضي الله عنه-: إنّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خرج على أهل الصُّفَّةِ، فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟", فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! نُحِبُّ ذَلِكَ, قَالَ: "أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ"(رواه مسلم)؛ قال صاحب عون المعبود: "أَرَادَ -صلى الله عليه وسلم- تَرْغِيبَ أصحابه فِي الْبَاقِيَاتِ, وَتَزْهِيدَهُمْ عَنِ الْفَانِيَاتِ، فَذِكْرُهُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَالتَّقْرِيبِ إِلَى فَهْمِ الْعَلِيلِ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّنْيَا أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُقَابَلَ بِمَعْرِفَةِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ -تعالى-, أَوْ بِثَوَابِهَا مِنَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى".

أقول قولي هذا, وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تعظيماً لشأنه، وأشهد أنّ سيدنا ونبينا محمداً الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].

عَمَلٌ يَسِيرٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ, التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل, يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَأنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَاللهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"(رواه مسلم), يا رجل: بالله على ماذا طلعت الشمس اليوم؟؛ طلعت الشمس اليوم على الصّقور والنّوق, والجمادات التي بلغت الملايين من الريالات!, طلعت الشمس اليوم على ثروات الأغنياء, ومعادن الذهب والفضة, وخيرات الدنيا الظاهرة والباطنة!.

والصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ", وَفِي رِوَايَة: "هِيَ خيرٌ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(رواه مسلم), بالله أعندك شك أو ريب في هذه الأجور؟!  متى نتيقن أن وعد الله حق؟!.

يا قوم: إذا نظرنا بعين البصر والبصيرة علمنا حقّاً وصدقاً أن الدنيا أخذت بنا في وادٍ سحيق, وغفلةٍ شديدةٍ, إي والله؛ الحديث والجدال, والحبُّ والبغض, والاجتماع والافتراق, والتقييم والتقديم, يدور مع الدنيا ومتاعها, والله -تعالى- يقول: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[العنكبوت: 64], ويقول -سبحانه-: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غافر: 39], ويقول -سبحانه-: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر: 5].

فحذاري ثم حذاري أن ننشغل بالخسيس عن النفيس, حذاري ثم حذاري أن نلهو بالفاني عن الباقي, حذاري ثم حذاري أن نتباغض ونتعادى ونتدابر ونتقاتل لأجلها, حذاري ثم حذاري أن نتباهى بحطامها ولهوها عن الآخرة ونعيمها وأهوالها؛ (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[غافر: 44].

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق عبدك خادم الحرمين الشريفين، اللهم اجعله سلماً لأوليائك، حربا على أعدائك، اللهم وفقه وولي عهده لكل ما تحبّه وترضاه، أرهم الحق حقّاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي