موت في الحياة

صالح بن عبد الرحمن الخضيري

عناصر الخطبة

  1. العقل من أعظم النعم على العباد
  2. شارب الخمر والمخدرات مفرط في عقله
  3. أضرار الخمور والمخدرات على العقل البشري
  4. تحريم الخمر ولعن شاربها وساقيها
  5. الخمور والمخدرات مفتاح البلاء
  6. عواقبها على الأفراد والمجتمعات
  7. مسؤولية الآباء في حفظ أبنائهم من الخمر

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وخلفائه الراشدين وزوجاته وصحابته الأكرمين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عزّ وجل- والحذر مما يغضبه ويسخطه.

إخواني في الله: إن من نعمِ الله -عزّ وجل- على عباده نعمة العقل الذي هو من أشرف أوصاف الإنسان، وبه يتميز عن سائر الحيوان، وعن طريق العقل المستنير بنور الإيمان يتمكن المرء من إدراك العلم ويميز الضار من النافع والحق من الباطل.

وحينما يفقد المرء عقله يفقد قيمته في الحياة، فيكون موجودًا كالمعدوم وحيًا كالأموات، بل لربما صار الموت خيرًا له من الحياة.

هذا العقل النفيس الذي هو محل التكليف يوجد من الناس من لا يهتم بشأنه ولا يحفظه ويرعاه، بل يطؤه بقدميه متبعًا في ذلك شهوته، مطيعًا لشيطانه وهواه.

تأمّل -عافاك الله- في حال من ابتُلي بشرب الخمر أو تناول المسكرات والمخدرات، هذه السموم التي ابتُليت بها المجتمعات في هذا العصر، والتي اغتالت بعض العقول وأفسدت الأديان والأبدان، عياذًا بالله من الهوى.

ولئن كانت الخمر في الجاهلية مشروبًا معتمدًا لديهم يفتخرون به ويسارعون إليه، إلا أن من عقلائهم من امتنع من شربها وحرمها على نفسه في ذلك العصر، حتى قال بعضهم: "ما كنت لآخذ جهلي بيدي وأدخله بجوفي، ما كنت لأصبح رئيس القوم وأمسي سفيههم".

أيها المسلمون: الخمر والمسكرات والمخدرات شرر وضرر ورجس من عمل الشيطان، تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتوقع في الفواحش والموبقات والبغضاء والعداوات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ(91)﴾.

لما نزلت هذه الآية تلاها -صلى الله عليه وسلم- على الناس فقالوا: "انتهينا انتهيا"، ولقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريم كل مسكر فقال: "كل مسكر حرام".

إن على الله -عز وجل- عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: وما طينة الخبال يا رسول الله؟! قال: "عرق أو عصارة أهل النار، من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب منها حُرمها في الآخرة فلم يسقها". روى هذه الأحاديث الإمام مسلم في الصحيح.

وروى أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه".

ونهى -عليه الصلاة والسلام- عن التداوي بها وقال: "إنها ليست بدواء ولكنها داء". رواه مسلم.

أيها المسلمون: المخدرات والخمور هي مفتاح الشر والبلاء، وباب الفواحش والآثام، وطريق الاقتراف والإجرام، فكم بسببها من نفوس أزهقت!! وكم من أعراض انتهكت!! وكم من أسر تفرقت!! وكم جرّت على الناس من ويلات ومصائب!! قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: "اجتنبوا الخمر؛ فإنها أم الخبائث".

إنه كان رجل فيمن قبلكم احتالت عليه امرأة فطلبت منه أن يحضر إلى بيتها ليشهد شهادة، فلما دخل أغلقت عليه الباب وقالت: والله ما دعوتك لشهادة ولكن لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر، فشرب الخمر ووقع عليها وقتل الغلام.

نعم إن السكير لا يبالي بالمحرمات ولا بارتكاب الجرائم والموبقات، فهو ممسوخ الإنسانية، يروع الآمنين، ويرتكب الفواحش، ويزهق الأرواح البريئة.

وفي هذا الموضوع قصص كثيرة ووقائع صحيحة تدمي القلب وتؤلم كل عاقل.

لقد أجلب أعداء الإسلام وأشياعهم من ضعاف النفوس وعديمي المروءة ومشيعي الفساد في الأرض الذين يحاربون الله ورسوله ويؤذون عباده المؤمنين، فروجوا لآفة المخدرات المدمرة والخمور، تلك الجرائم الخطيرة التي تمثل مشكلة العصر الحاضر وكفى؛ لأن من ورائها همّ دعاة الجريمة، وهم المفسدون في الأرض الذين أشاعوا هذا السم الزعاف والوباء الفتاك، وسقوه أبناء المسلمين بملء أفواههم.

لقد فشت المخدرات في المجتمعات فشوًا عظيمًا، وحطّمت الأرقام القياسية والإحصاءات المذهلة من المدمنين، وتطالعنا الإحصاءات أن نصف شباب المجتمع في بعض البلدان يتعاطون الخمور والمخدرات، وقد دعت هذه الإحصاءات المذهلة دول العالم بأسرها بمنع التعامل بالمخدرات تعاطيًا وبيعًا وتناولاً وترويجًا، زراعة وإنتاجًا، وضعت لذلك العقوبات الرادعة لحماية مجتمعها من هذا الوباء الفتاك وهذا البلاء المدمر.

أيها المسلمون: تفنَّن أعداء الإسلام بتصدير هذا الوباء إلى مجتمعات المسلمين، فألبسوه شتى الألبسة، وسمّوه الأسماء البراقة، ونوعوه أنواعًا مختلفة جذابة، ومهما كان الأمر فالطريق والهدف واحد.

الكل له آثاره وعواقبه السيئة على الأفراد والمجتمعات، وكم كانت المسكرات والمخدرات سببًا لأمراض القلب وتصلب الشرايين واعتلال الجهاز الهضمي والتنفّسي وإتلاف خلايا المخ وتدمير المراكز العصبية لدى الإنسان، فيصبح شخصًا معتلاً شبحًا مخيفًا مرتبك التفكير قلقًا غير متوازن.

ولقد أثبتت الدراسات أنه كلما زادت ظاهرة استعمال المخدرات في مجتمع من المجتمعات ارتفعت معدلات أخطر الجرائم الأمنية والأخلاقية وسواها.

كما ثبت أن نسبة أكثر من خمسين بالمائة من حوادث السيارات التي يذهب بسببها الأبرياء وتخلف وراءها العديد من المآسي يرجع السبب في وقوعها إلى استعمال السائقين للمخدرات والمسكرات؛ حيث تسبب لهم الرعونة والتهور وعدم التركيز.

وعلى الذين يظنون أن ذلك من المبالغة عليهم أن يتعرفوا على من يملؤون السجون، ومن يعرضون في المحاكم، ومن يعالجون في المستشفيات النفسية، عليهم أن يراجعوا الجهات المعنية، ويقرؤوا الإحصاءات التي تهدد البشرية، فكم من ملايين الحبوب والمخدرات تجلب يوميًا للفتك بأجيال المسلمين، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

يا أمة الإسلام: احذروا وحذّروا من هذه السموم القاتلة، من هذه الخمرة الخبيثة، من هذه المخدرات بأنواعها من مأكول ومشروب ومشموم، وما يؤخذ عن طريق الإبر، فكلها شر وبلاء محرم وإن سميت بغير اسمها.

وحذّروا أولادكم من جلساء السوء بألا يقعوا في شركهم وشرهم وإدمانهم، وتعانوا مع الجهات المسؤولة، تعاونوا على البر والتقوى بكشف هؤلاء المجرمين الذين يصنعون الخمر ويروجون للمخدرات، وأبلغوا عنهم فإنهم بلاء على الأمة، يتلفون الثروة، ويقضون على الدين والخلق، ويغتالون الشرف والعرض، ويعرّضون الآمنين للخطر.

نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتذكّروا بأن شباب المسلمين على وجه الخصوص قد استهدفوا من أعدائهم وممن لا خلاق لهم، فروجوا لهم هذه السموم من خمر ومخدرات متنوعة، فيفقدوهم عن معنى الحياة، ويصرفوهم عما خلقوا من أجله.

وإنه لمن الواجب على الآباء أولاً أن يعتنوا بأولادهم وأن يلاحظوهم، وأن ينصحوا لهم وأن يعرفوا مع من يجلسون، وإلى أين يذهبون، مع تذكيرهم بمراقبة الله -عز وجل-، وأن الله مطلع عليهم لا تخفى عليه خافية.

عليهم أن يحذّروهم من هذه السموم القاتلة، وأن يسوقوا لهم من القصص والوقائع ما يكفي لكل معتبر.

فكفانا -عباد الله-، كفانا ما فعلت هذه السموم بمجتمعاتنا من تفكك وضياع لعدد من الأسر، يكفي ما حل بنا من جرائم القتل وانتهاك الأعراض من جراء المدمنين والمتعاطين.

وإننا لنقف بالدعاء بالتوفيق والشكر لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجال مكافحة المخدرات، وكل من شاركهم وأعانهم على بذلهم وتضحيتهم لمحاربة هذه الأدواء والأمراض الخطيرة.

نسأل الله لهم التوفيق والإعانة والسداد، ونسأل الله أن يحفظ شبابنا وفتياتنا وجميع المسلمين من هذه الأدواء، إنه جواد كريم.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعبادك الصالحين، اللهم اجعل لكل مسلم ومسلمة من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية، ومن كل مرض شفاءً، ومن كل فقر غنى.


تم تحميل المحتوى من موقع