بعد رمضان

عبدالله بن حسن القعود
عناصر الخطبة
  1. الحمد والثناء لله على التوفيق .
  2. مواصلة الطاعة بعد رمضان .
  3. تقوى الله والاستعداد للموت .

اقتباس

وتذكروا يوم أن استقبل المسلمون قبل شهرهم الكريم وموسمهم العظيم فرحين مستبشرين، يتبادلون التهاني بإدراك موسم الخيرات ومضاعفة الحسنات، وأمس يوم أن ودعوه غير قالين ولا سئمين، يوم أن ودعه المسارعون فيه للخيرات بعبرات حشرجت بها الصدور، ودمعات أسالتها لوعة الفراق أو خوف عدم القبول أو التلاق، وكأنكم بأحدهم يقول ..

 

 

 

 

الحمد لله الكبير المتعال، ذي الحول والطول، والجبروت والملكوت، والكبرياء والجلال، نحمدك اللهم ونشكرك من إله عظيم جليل كبير متعال، ونشهد أنك أنت الله وحدك لا شريك لك، قلتَ وقولك الحق: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]

نسألك اللهم بكل اسم هو لك أن تعيننا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك، ونشهد أن محمداً عبدك ورسولك، وخليلك ومصطفاك ومجتباك، أفضل وأكرم خلقك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وذرياته، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه واحمدوه على نعمه واشكروه، احمدوا الله واشكروه على ما وفقكم له من إكمال شهر الصيام والقيام، واسألوا الله كثيراً في مظان الاستجابة أن يتقبل منكم، قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]

وأن يجعلكم من الفائزين الفوز الذي عناه تعالى في قوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران:185] وقوله: (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [الحشر:20] وقوله: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر:61]

وتذكروا يوم أن استقبل المسلمون قبل شهرهم الكريم وموسمهم العظيم فرحين مستبشرين، يتبادلون التهاني بإدراك موسم الخيرات ومضاعفة الحسنات، وأمس يوم أن ودعوه غير قالين ولا سئمين، يوم أن ودعه المسارعون فيه للخيرات بعبرات حشرجت بها الصدور، ودمعات أسالتها لوعة الفراق أو خوف عدم القبول أو التلاق، وكأنكم بأحدهم يقول: "ليت شعري من سيستقبله منا بعد، ويخرج منه بطهر ونقاء وصفاء كيوم ولدته أمه، ومن ستضمه اللحود وتخلوا منه ثغر الإصلاح ومواطن الركوع والسجود ليت.. ليت بروح وحال تحكي روح وحال القائل:

تذكرت أياماً مضت وليالياً خلت *** فجرت من ذكرهـن دمـوع
ألا هل لها يوماً من الدهر عـودة *** وهل لبذور قد أفلـن طلـوع

عباد الله: ما أجمل الطاعة إذا اتبعت بطاعة وما أجمل الحسنة تتلوها الحسنة بعدها، ما أحسن الإحسان يتلوه الإحسان، والمعروف يتلوه المعروف، والخير يتلوه الخير، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد:17] وقال: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) [مريم:76] وقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) [يونس:9] وقال العلماء: "إن من علامة قبول الحسنة أن تتلى بشكر صادق على التوفيق لها وبعمل صالح مماثل لها".

فيا إخوتي في الله الذين أكرمكم الله بأنواع الطاعات وتقربتم إلى الله في أيام رمضان ولياليه بأنواع القربات، محلقة بذلك نفوسكم مع عالم السماء الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون صياماً وصلاة وتلاوة وبراً وصلة وإحساناً واستغفاراً وذكراً وربما مشاركة في من عنوا بقول الله سبحانه: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26]

واصلوا سيركم إلى الله تعاهدوا زرعكم.

فمن زرع الحبوب وما سقاها *** تأوه نادماً يوم الحصاد

حافظوا على ما وفقتم له من طاعة الله والتأهل به للفوز بمرضاة الله وحسن الوفادة عليه، يوم أن تغادروا عالم هذه الحياة إلى عالم الأموات وذلك بلزوم طاعته، والبعد كل البعد عن الاغترار بالعمل أو رؤية استكثاره، فما هذا نهج عباد الرحمن الراجين الفوز برضى الله وحسن الوفادة عليه؛ بل نهجهم في قول الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ) [البقرة:218] وقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:60-61]

أيها الأخوة المؤمنون: لئن كان فعل السيئة قبيحاً؛ فإنه يعظم قبحه وتشتد شناعته وبشاعته إذا جاء بعد فعل الحسنة، فلئن كانت الحسنات يذهبن السيئات، فإن السيئات قد يبطلن صالح الأعمال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة:264]

فحذار -أيها الأخوة-، حذار يا من سمت نفوسهم في رمضان إلى درجات الصالحين نعمت بلذة المناجاة والانضمام في سلك الطائعين أن تهدموا ما بنيتم وتبددوا ما جمعتم، حذار حذار تصدوا قلوباً ونفوساً خلصت لله، ونقيت وصفيت من لوثة العصيان بإعادتها، فما أقبح النكوص على الأعقاب، والالتفات عن الله بعد أن أقبلت عليه تائباً من ذنبك، راغباً في رحمته، خائفاً من نقمته.

حذار بعد أن كنت في عداد الطائعين وحزب الرحمن وأهلت للباس العفو والغفران أن تخلعه بالمعصية؛ فتكون من حزب الشيطان، قال تعالى والعبرة بعموم الألفاظ: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً) [النحل:92] وقال في المرابين: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:275]

قيل لبشر الحافي: "إن قوماً يتعبدون في رمضان، فإذا انسلخ تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان"، وقال الحسن: "لا يكون لعمل المؤمن أجل دون الموت"، وقرأ: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99] وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل" رواه مسلم، وقال جل من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف:13]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

 

أيها الإخوة: بالأمس دخلنا في رمضان وفي تجديد تعاهد وتلاوة وسماع القرآن وخرجنا منه فماذا خرجنا به، أبطهر ونقاء وصفاء وعزم صادق على الاستمرار والوفاء؟ أو بحال من ذموا في قول الله سبحانه -والعبرة بعموم الألفاظ-: (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) [المائدة:61] أي أن حالهم قبل رمضان وزواجر القرآن هي حالهم بعد عياذاً بالله من هذه الحال.

فلنتق الله -أيها الأخوة- شيباً وشباباً، ذكوراً وإناثاً، أفراداً أو جماعات، حكاماً ومحكومين إعلاميين أو اقتصاديين -بلغة القوم- ثقافيين أو عسكرين أو أو، ولننظر ماذا خرجنا به وماذا نحن عليه، فمن وجد خيراً فليحمد الله وليزدد من الخير.

ومن وجد غير ذلك، فليتذكر أن المنون آتية في أي لحظة قد لا يسبقها مقدمات، وجهنم آتية، قال تعالى عنها فيما تستقبل به أهلها: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً * قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً) [الفرقان:12-16]

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي