لا عِزَّ إلا بالشريعة، ولا قِوام للشريعة إلا بالمُلك والسلطان، ولا قِوام للمُلك والسلطان إلا بالرجال، ولا قِوام للرجال إلا بالمال، ولا مال إلا بالاستثمار والاتِّجار، ولا تجارةَ إلا بالأمن، ولا أمن إلا بالعدل، والعدل هو الميزان المنصوب بين الخليقة، وليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والعدوان، ولا يكون العُمران حيث يظهر الطُّغيان؛ لأن الظلم جالِبُ الإِحَن، ومُسبِّبُ المِحَن، والجور مسلبةٌ للنعم، ومجلبةٌ للنِّقَم ..
الحمد لله ناصر الحق ومُتَّبِعه، وداحِض الباطل ومُبتدِعه، أحمده والتوفيق للحمد من نعمه، وأشكره والشكر كفيلٌ بالمزيد من فضله وكرمه وقِسَمه، وأستغفره مما يُوجِبُ زوال نِعمه وحلول نِقَمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تمَّت على العباد نعماؤه، وعظُمَت على الخلق آلاؤه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، ترك أمته على المحجة البيضاء، والطريقة الواضحة الغرَّاء، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما انزاحَ شكٌّ بيقين، وما قامت على الحق الحِجَج والبراهين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فقد نجا من اتقى، وضلَّ من قادَه الهوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون: بلاد الإسلام بلادٌ محسودة، وبالأذى مقصودة، لا تسلمُ من تِرَة مُعادٍ وحاقِد، واشتطاط مُناوِئٍ وحاسد، وأعداء الأمة لا يألون إقدامًا، ولا ينكِصون إحجامًا في التخطيط لإشاعة الفوضى، وإثارة البلبلة، وإذاعة السوء، وزرع بذور الفُرقة والفتنة في أرض الإسلام، يُغرُون قريشًا بتميم، وزيدًا بعمرو، وبعضًا بضعف، ليُحكِموا السيطرة، ويفرِضوا الهيمَنة، ولتكون أرض الإسلام بلادًا متناثرة، وطوائف مُتناحرة، وأحزابًا مُتصارعة، يسهل تطويعها، ويمكن تعويقُها.
عداوةٌ كامنة أظهَرت المساعدة بمكنون بغضة وخيانة، وشرَعت في معاونة شعوب بمُستسرّ عداوةٍ ومناوَأة، وأبانَت عن مسانَدة أوطان بمُضمر غدرٍ ومكرٍ وخِداع وإجرام.
وللعدو صولة، وللمُتربِّص جولة، ولكنها صولةٌ آفِنة، وجولةٌ خاسرة، وأهل الإسلام على وعيٍ بالعواقب، وإدراكٍ للمآلات، وهم قادرون -بحول الله وقوته، ثم بتضافُرهم وتناصُرهم وتحاورهم- على حماية أوطانهم، وإدارة شؤونهم، ومُعالجة مشكلاتهم، دون إملاءات الحاقدين، وتدخُّلات الشامتين، وخطابات الشانئين، ولن تُحمَى الأوطان إلا برجالها، ولن تُصان الذِّمارُ إلا بأهلها.
أيها المسلمون: لا عيش لمن يُضاجِع الخوف، ولا حياة لمن يُبدِّده الهلَع، ولا قرار لمن يلُفُّه الفزع، والأمنُ نعمةٌ عُظمى، ومنَّةٌ كبرى؛ فعن سلمة بن عُبيد الله بن مِحصَن الخطْمي، عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنًا في سِربه، مُعافى في جسده، عنده قُوت يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا". أخرجه الترمذي.
فلا حياة ولا بقاء، ولا رِفعة ولا بناء، ولا قوة ولا نماء إلا بأرض السِّلم والأمن، سنةٌ ماضيةٌ، وحقيقةٌ قاضية، فاحفظوا أمنكم ووحدتكم، وصُونوا أوطانكم واستقراركم، وابتعِدوا عن مُلتَطَم الغوائِل، وآثِروا السلامة عند الفتن والنوازل، واسلكوا المسالك الرشيدة، وقِفوا المواقف السديدة، وراعُوا المصالح، وانظروا في المناجِح، ووازِنوا بين حسنات ما يُدفَع، وسيئات ما يُتوقَّع، وارتادُوا الأنفع والأنجَع، واحقِنوا الدماء في أُهبها، وإِدُوا الفتنة في مهدها، فالفتنة راتِعة تطأُ في خِطامها؛ من أخذ بها وطِئته، ومن فتح بابها صرَعَته، ومن أدار راحتها أهلَكَته.
أيها المسلمون: لا عِزَّ إلا بالشريعة، ولا قِوام للشريعة إلا بالمُلك والسلطان، ولا قِوام للمُلك والسلطان إلا بالرجال، ولا قِوام للرجال إلا بالمال، ولا مال إلا بالاستثمار والاتِّجار، ولا تجارةَ إلا بالأمن، ولا أمن إلا بالعدل، والعدل هو الميزان المنصوب بين الخليقة، وليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والعدوان، ولا يكون العُمران حيث يظهر الطُّغيان؛ لأن الظلم جالِبُ الإِحَن، ومُسبِّبُ المِحَن، والجور مسلبةٌ للنعم، ومجلبةٌ للنِّقَم، وقد قيل: "الأمن أهنأُ عيش، والعدل أقوى جيش، ومن فعل ما شاء لقِيَ ما ساء، ومن أصلحَ فاسِدَه أهلَك حاسِده". ومتى كانت المصالح فوق المبادئ، والأطماع فوق القِيَم، والقسوة قبل الرحمة ثارَت الفتنة، وصار العَمار خرابًا، والأمن سرابًا.
أيها المسلمون: الأمن بالدين يبقَى، والدين بالأمن يقوَى، ومن رامَ هدًى في غير الإسلام ضلَّ، ومن رامَ إصلاحًا بغير الإسلام زلَّ، ومن رامَ عزًّا في غير الإسلام ذلَّ، ومن رامَ أمنًا بغير الإسلام ضاع أمنُه واختلَّ.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والعِظات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم، مُبدِع البدائِع، وشارِع الشرائع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمده وقد أسبغ البرَّ الجزيل، وأسبلَ الستر الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ قد آمنَ بربه، ورجا العفو والغفران لذنبه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون: بالعَزَمات الصِّحاح يُشرِقُ صباحُ الفلاح، وما حصلت الأماني بالتواني، ولا ظفَر بالأمل من استوطَن الكسل، والدنيا مناطُ ارتحال، وتأمين الإقامة فيها فرضُ مُحال، (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33].
وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، وكن للمُستضعفين والمظلومين، ودمِّر الطُّغاة والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين، اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل مصر وأهلها في ضمانك وأمانك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل لأهلنا في مصر من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافية.
اللهم أنت ملاذُنا، وأنت عِياذُنا، وعليك اتِّكالُنا، اللهم احفظ أهلنا في مصر من كل سوءٍ ومكروهٍ وفتنة يا كريم يا رحيم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، واحفظ أموالهم، وأمنَهم واستقرارَهم ووحدتهم يا أرحم الراحمين.
اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، وأطفِئ جمرة الفتنة، وشرارة الفوضى ونار الاصطدام يا رب العالمين.
اللهم اجعل مصر آمنةً مطمئنةً، ساكنةً مستقرةً، محفوظةً مصونةً، عزيزةً بعزِّ الإسلام يا أرحم الراحمين.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم قاتِل الكفرة الذين يصُدُّون عن سبيلك ويُعادون أولياءَك، واجعل عليهم عذابَك ورِجزَك، إله الحق يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي