إِيَّاكُمْ وَهَجْرَ الزَّوْجَاتِ بِلا سَبَبٍ، أَوْ إِيَذَاءَهُنَّ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُوحِشٌ لِقُلُوبِهِنَّ وَمُنْبِتٌ لِلْعَدَاوَةِ فِي نُفُوسِهِنَّ: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).
الْحَمْدُ لله كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ؛ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ كُلاًّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ سَكَنًا لِصَاحِبِهِ، يُفْضِي وَيُسِرُّ وَيَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ مِنْ تَوْفِيقِ أَهْلِ الْبَيْتِ حُسْنَ الْعِشْرَةِ فِيهِ وَالأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ، مَعَ أَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَشَرُّ الْبُيُوتِ مَا سَاءَتْ فِيهِ الأَخْلَاقُ، وَتَقَطَّعَتْ بَيْنَ أَفْرَادِهِ الصِّلاتُ، مَعَ تَرْكِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الرُّومِ: 21].
عِبَادَ الله: حُسْنُ الْعِشْرَةِ يَحْصُلُ بِمُرَاعَاةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ حَقَّ صَاحِبِهِ، وَإِخْلاصِهِ فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ، فَلِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا حُقُوقٌ ثَبَتَتْ لَهَا بِقَوْلِ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [الْبَقَرَةِ: 228].
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الأَحْوَصِ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ -بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ وَوَعَظَ- ثُمَّ قَالَ: "أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ -أَيْ: أَسِيرَاتٌ- عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً. أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا...". الْحَدِيثَ. [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ].
عِبَادَ الله: الأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ: الإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَكِسْوَةٍ وَسَكَنٍ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ: "أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ". [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ]. وَلِحَدِيثِ: "أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ: أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ". [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]. وَلِحَدِيثِ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
الثَّانِي مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ: الْمَبِيتُ عِنْدَهَا؛ لأَنَّ السَّهَرَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ إِلَى سَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ مُمِلٌّ لِقُلُوبِهِنَّ، وَأَدْعَى لارْتِيَابِهِنَّ، وَمُحَرِّكٌ لِلْفِتْنَةِ فِي نُفُوسِهِنَّ، وَقَدْ يُسَوِّلُ لَهُنَّ الشَّيْطَانُ مَا لاَ تُحِبُّونَ، وَلِبَنَاتِكُمْ مَا لاَ تَوَدُّونَ، فَاعْمُرُوا بُيُوتَكُمْ بِحُضُورِكُمْ، وَآنِسُوا أَهْلَكُمْ بِحَدِيثِكُمْ، وَامْلَئُوا عُيُونَهُنَّ بِأَعْيَانِكُمْ، وَالسَّهَرُ بَعْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ مَكْرُوهٌ، وَمِنْهِيٌّ عَنْهُ، إِذَا كَانَ فِي كَلاَمٍ مُبَاحٍ، إِلاَّ لِمُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ السَّهَرُ عَلَى حَرَامٍ؛ كَغِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَلَهْوٍ، فَهَذَا أَشَدُّ تَحْرِيمًا وَأَعْظَمُ إِثْمًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- نَائِمًا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَلا لاَغِيًا بَعْدَهَا، إِمَّا ذَاكِرًا فَيَغْنَمُ، وَإِمَّا نَائِمًا فَيَسْلَمُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: السَّمَرُ لِثَلاَثَةٍ: لِعَرُوسٍ، أَوْ مُسَافِرٍ، أَوْ مُتَهَجِّدٍ بِاللَّيْلِ....
وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: لاَ سَمَرَ بَعْدَ الصَّلاَةِ، يَعْنِي عِشَاءَ الآخِرَةِ، إلا لأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ، أَوْ مُسَافِرٍ. [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالأَوْسَطِ].
الثَّالِثُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ: الِاسْتِمْتَاعُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الْبَقَرَةِ: 226].
الرَّابِعُ: الْقَسْمُ لَهَا بِالْعَدْلِ إِنْ كَانَ لِزَوْجِهَا نِسَاءٌ غَيْرُهَا؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لإِحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجُرُّ أَحَدَ شِقَّيْهِ سَاقِطًا أَوْ مَائِلاً". [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا- فِي خُرُوجِهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ الله عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟!".
الْخَامِسُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ: عَدَمُ إِفْشَاءِ سِرِّهَا؛ لأَنَّ إِفْشَاءَ سِرِّ الزَّوْجَةِ فِي الْفِرَاشِ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ التَّحَدُّثُ عَنْ عُيُوبِهَا عِنْدَمَا يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ بَعْدَ طَلاقِهَا؛ لأَنَّ ذَلِكَ صَدٌّ لِلنَّاسِ عَنِ التَّزَوُّجِ بِهَا؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ الله مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ -مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلاً عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ... ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الرِّجَالِ، فَقَالَ: "هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ الله؟!". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا، فَعَلْتُ كَذَا". قَالَ: فَسَكَتُوا. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: "هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟!". فَسَكَتْنَ. فَجَثَتْ فَتَاةٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا. وَتَطَاوَلَتْ لِيَرَاهَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وَيَسْمَعَ كَلاَمَهَا. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله: إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهُ. فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟! إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ...". الْحَدِيثَ.
السَّادِسُ: يُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لِزَوْجَتِهِ فِي تَمْرِيضِ أَحَدٍ مِنْ مَحَارِمِهَا، وَزِيَارَةِ أَقَارِبِهَا زِيَارَةً لا تَضُرُّ بِمَصَالِحِ الزَّوْجِ.
فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ الله- وَاحْذَرُوا أَنْ تُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ فِي حُقُوقِهِنَّ الْمَشْرُوعَةِ، أَرْشِدُوهُنَّ إِلَى كُلِّ مَعْرُوفٍ، وَاسْلُكُوا بِهِنَّ طَرِيقَ الأَخْلَاقِ الطَّيِّبَةِ، وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَحَذِّرُوهُنَّ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَقْتَرِفْنَهُ، وَمِنَ الإِثْمِ أَنْ يُخَالِطْنَهُ، وَمِنْ دُورِ اللَّهْوِ أَنْ يَذْهَبْنَ إِلَيْهَا؛ قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ الله هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الْبَقَرَةِ: 231].
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقًا طَيِّبًا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.
بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لله ذِي الْعِزَّةِ شَدِيدِ الْعِقَابِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ، الْغَفُورِ الرَّحِيمِ التَّوَّابِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِيَّاكُمْ وَهَجْرَ الزَّوْجَاتِ بِلا سَبَبٍ، أَوْ إِيَذَاءَهُنَّ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُوحِشٌ لِقُلُوبِهِنَّ وَمُنْبِتٌ لِلْعَدَاوَةِ فِي نُفُوسِهِنَّ: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النِّسَاءِ: 34].
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ مَا فِي الضِّلْعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".
عِبَادَ الله: وَأَمَّا السَّابِعُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: فَهُوَ أَنْ لاَ يُجَامِعَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ حَتَّى تَطْهُرَ؛ لِقَوْلِ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [النِّسَاءِ: 222].
وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ -وَغَيْرُهُمَا- عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ...) الآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ..." الْحَدِيثَ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا وَأَرَادَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَأْتَزِرَ بِإِزَارٍ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرَهَا، وَأَيُّكُمْ كَانَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَمْلِكُ إِرْبَهُ.
الثَّامِنُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ: أَنْ لاَ يَأْتِيَهَا فِي دُبُرِهَا، لأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَمُنَافٍ لِلْفِطْرَةِ وَشُذُوذٌ فِي الطَّبْعِ، وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ".
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا"، وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا لاَ يَنْظُرُ الله إِلَيْهِ". [رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ].
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- قَالَ: أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ...) الآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 223]. أَقْبِلْ، وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ. [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَةَ].
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، فَأَكْثِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلاَةِ يُعْظِمْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِهَا أَجْرًا، فَقَدْ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي