وقلَّ من يحرص على ولايات الدنيا بطلبها فيوفق، بل يوكل إلى نفسه كما قال لعبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه-: "يا عبد الرحمن: لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها". رواه البخاري ومسلم. قال بعض السلف: "ما حرص أحد على ولاية فعدل فيها". والولاية هي كل ما يتوكل به على أمر من أمور المسلمين الخاصة والعامة ..
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ إذ لا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيمن سمعها أن لا يعمل بها، فتقوى الله -عز وجل- طريق الفلاح، وعنوان الصلاح (فَتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِى الاْلْبَـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:100].
عباد الله: قال الله -عز وجل-: (عْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الأَمْولِ وَلأَوْلْـادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مّنَ اللَّهِ وَرِضْونٌ وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20].
أيها المسلمون: هذا هو مثل الدنيا في القرآن، يعرف من خلاله استنكار الضراعة، التي تظهر على بعض الناس، حين يتطلعون إلى الدنيا، فيبكون ما فقدوا من حطام، وتؤثر فيهم المعاني النفسية التي تعلو بعرض من الدنيا، وتهبط بعرض، وكلما أحدثت خلة من خلالهم هدمًا في الحياة أو شرخًا في الدين، ظنوا أن المال يرممها، وأن الشرف والتفاخر يرأب الصدع فيها.
أيها الأحبة في الله: لو راجع الإنسان نفسه، وأصغى لمناجاة نفسه، لوجد في وجدانه ميلاً قويًّا، وحرصًا شديدًا، يدفعه إلى طلب الشرف والرفعة، وعلو المنزلة في أبناء جنسه، ولو رفعت بصرك -أيها المسلم- إلى سواد أمة بتمامها، لوجدت مثل ذلك في مجموعها، كما هو حاصل في أفرادها، تبتغي شرف المكانة في نفوس الأمم سواها، ذلك كله أمر جبليّ، جَبَل الله عليه بني الإنسان مجتمعين ومنفردين.
فعلى مستوى الأفراد، يتفق العقلاء من البشر وذوو الفطر السليمة، على أن الإنسان إذا طلب الشرف من طريق مزيفة تشبه تفنن المتسولين، فهو بشر شاذ المسلك، مريض يستحق العقاب، وطالب الشرف من أمثال هذا، إما غني فيه طمع، أو فقير عنده قلق، غني لم يكتفِ حين استوفى، ولم يشكر حين قدر، فوقعت مآسي الترف والفسق وحب الشرف، وفقير أخرجه فقره عن رشاده، ولم يرضَ بقسمة الله ورزقه، فاعترى الغنى والفقر مرضان: مرض شهوة، ومرض شبهة.
ومن هنا أسرف الغني على نفسه فكان حيوانًا، واضطرب الفقير بقلقه فكان شيطانًا.
وعلى مستوى المجتمعات، فإن المجتمع الذي يملك ثروة هائلة، ولديه تراث ديني خصب، يعد مجتمعًا ساذجًا إذا نسي ما لديه من كنوز، وما يقتني من مصادر الشرف والضلال، أو يصطبغ بلون من ألوانها، سيرًا في ركاب التقدم، المفضي إلى الانحراف، بعد أن شرفه الله بصبغة واحدة: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَـابِدونَ) [البقرة: 138].
ومن هنا، اختلفت نظرات الناس وتوجهاتهم حول ما يثيرونه من معاني الشرف، ففئة من الناس ترى الشرف تشييد القصور، والتعالي في البنيان، ووفرة الخدم والحشم. وفئة أخرى تتوهم أن الشرف يكمن في وفرة الفاخر من الثياب والحلي وأشباهها. وفئة ثالثة تتخيل الشرف في الألقاب الرفيعة، أو في رتب الوظيفة وعلو أسمائها. وفئام من الناس، يرون الشرف، في أن يسلب الرجل مال أخيه، وينهب ثروات أقاربه وذويه، أو بني ملته وأهل دينه؛ ليشيد بما يصيب من السحت بيتًا، ويرفع بناءً، ويظن بذلك أنه نال مجدًا أبديًّا، وفخارًا سَرْمَدِيًّا، وراق لهؤلاء أن يعنونوا لحالهم بعنوان الشرف.
وآخر من الناس، يسهر ليله، ويقطع نهاره بالفكر، في وسيلة ينال بها لقبًا من الألقاب، أو يحصل بها على وسام، أو يستفيد وشاحًا، وسواء عنده الوسائل يطلبها، أيًّا كان نوعها، وإن أفضت إلى خراب بيته، أو تذليل نفسه وأهله، أو تمزيق دينه، انطلاقًا من قاعدة، قعدها شياطين من البشر، في جثمان إنس، يقولون: "الغاية تبرر الوسيلة"، فكل ما ترى أنه غاية لك -أيها الإنسان-، فإن الوسائل المؤدية إلى تلك الغاية لك أن تسلك منها ما تشاء ولو كان على حساب الآخرين، أو بالغدر والفتك والحسد.
ويا للأسف الشديد! إنك تجد بعضًا ممن ينتسبون إلى الدعوة والتعليم يقعون في هذه الأوحال تعصبًا لحزب، أو طمعًا في منصب، أو كرهًا لمستقيم صادق، فهؤلاء يعيشون ويحيون على هذه القاعدة، ويتمرغون بأخلاقهم فيها، ينقلب على المجتمع من صنع تلك القاعدة ناس دودًا كطبع الدود، لا يقع في شيء إلا أفسده أو قذَّره، أو سوسًا كطبع السوس، لا ينال شيئًا إلا نخره أو عابه، فهم يوقعون الخلل في أنفسهم وفي نظام مجتمعهم.
وصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
فهذا مثل عظيم جدًّا، ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس أقل من فساد الغنم بذئبين جائعين ضاريين باتا في الغنم قد غاب عنها رعاؤها ليلاً، فهما يأكلان في الغنم ويفترسان فيها، ومن المعلوم بداهة، أنه لا ينجو من الغنم -والحالة هذه- إلا قليل.
عباد الله: الحرص على الشرف صفة ملازمة لكثير من الناس على اختلاف طبقاتهم وتوجهاتهم، كل ينافس أهل طبقته في أسباب الكرامة بينهم، ويأنف من احتقارهم له، فيحرص أشد الحرص على ما يحله من قلوبهم محل الاعتبار، حتى إذا بلغ الغاية مما به الرفعة عندهم تخطى حدود تلك الطبقة، ودخل في طبقة أخرى، ونافس أهلها في المال والجاه، ويظل يتبع سيره ما دام حيًّا، حتى لا يستطيع أن يقنع نفسه أنه بلغ من الكمال الزائف حدًّا ليست بعده غاية.
سبحان الله! ماذا أخذت محبة الشرف من قلب الإنسان؟! وماذا ملكت من أهوائه ورغباته؟! يعد الشرف ثمرة حياته، وغاية وجوده، حتى إنه يحقر الحياة عند فقده والعجز عن دركه، يتجشم المصاعب للوصول إليه، ويبلغ من محبة الشرف حدًّا لا يراه غذاءً لروحه فقط، بل يعده من مادة النماء لبدنه، فهو يفرق خوفًا إذا عرض وهم لفواته، خشية من هلاكه وذهاب حياته، كل هذا يحتمله، طلبًا لشرف يكسبه لذاته، أو ابتغاء مجد يحصله لشهوة نفسه.
ماذا يشعر به المفاخر بنفسه وجاهه، أو علمه وماله، إذا تجرد وخلى بنفسه؟! إن لم يكن لذاته حلية من الفضيلة، وزينة من السمو، ألا يكون هو وعراة الفقراء سواءً؟!
أولا يجد من سره عند المفاخرة أنه يجول مع الغانيات وربات الخدور في ميدان واحد؟! ماذا يتصور الزاهي برتبته، المعجب بوسامه، إن لم يكن قبل أوسمته، أو الصعود لرتبته على حال تجلٍّ، أو علو يبجل، أليس يشعر أنه لو سلب الوسام، أو نزع منه الوشاح، يعود إلى منزلته من الاحتقار؟! فإن نال الكرامة عند بعض السذج، واللقب معلق عليه، أليس ذلك تعظيمًا للقب لا للملقب به؟! ألا تكون هذه الكرامة عارضًا سريع الزوال، بل رسمًا ظاهرًا، لا يمس بواطن القلوب؟! (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأرْضِ) [الرعد:17].
نعم -أيها المسلمون-، لهذه الألقاب الرفيعة شأن، يرتفع به نظر الناس، إذا سبق بعمل يعترف عموم الناس بشرفه، وكان اللقب دليلاً عليه أو مشيرًا إليه، كما يكون لمثلها حال يسقط به الاعتبار، إذا تقدمها فعلة يمقتها العقلاء من بني الإسلام.
عباد الله: ذكر بعض أهل العلم أن طلب الشرف تشتد خطورته إذا حرص عليه من طريقين:
الطريقة الأولى: طلب الشرف بالولاية والرياسة والمال، وهذا خطر جدًّا، وهو في الغالب، يمنع خير الآخرة، وشرفها وكرامتها، قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَلْعَـاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83].
وقلَّ من يحرص على ولايات الدنيا بطلبها فيوفق، بل يوكل إلى نفسه كما قال لعبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه-: "يا عبد الرحمن: لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها". رواه البخاري ومسلم.
قال بعض السلف: "ما حرص أحد على ولاية فعدل فيها".
والولاية هي كل ما يتوكل به على أمر من أمور المسلمين الخاصة والعامة.
وثبت أن رجلين قالا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله: أمِّرنا، قال: "إنا لا نولي أمرنا هذا من سأله ولا من حرص عليه". رواه البخاري.
وحب الشرف بالولاية إذا قصد به الحرص على نفوذ الأمر والنهي، وتدبير أمور الناس، وعلو المنزلة عليهم، والتعاظم على الخلق، وإظهار حاجة الناس وافتقارهم إليه وذلهم له في طلب حوائجهم منه، فهذا نفسه مزاحمة لربوبية الله وإلاهيته، وهو لا يصلح إلا لله وحده لا شريك له.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني فيهما عذبته". رواه أحمد وأبو داود.
فمن هنا كان خلفاء الرسل وأتباعهم، من أمراء العدل وأتباعهم وقضاتهم، لا يدعون إلى تعظيم نفوسهم البتة، بل إلى تعظيم الله وحده، وإفراده بالعبودية والربوبية.
الطريقة الثانية: طلب الشرف والعلو على الناس بالأمور الدينية، كالعلم والعمل والدعوة والإرشاد والتوجيه، فهذا أفحش من الأول، وأقبح وأشد فسادًا وخطرًا؛ فإن العلم والعمل والدعوة، إنما يطلب به ما عند الله، فإذا طلب به المال فقد طلبه بالأسباب المحرمة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تعلَّم علمًا مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا في الدنيا، لم يجد رائحة الجنة يوم القيامة". رواه أحمد وغيره.
وسبب هذا هو أن العلم يدل على الجنة، ولهذا كان أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه، حيث كان معه آلة يتوصل بها إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، فلم يستعملها إلا في أخس الأمور وأحقرها.
كتب وهب بن منبه إلى مكحول: "أما بعد: فإنك أصبت بظاهر علمك عند الناس شرفًا ومنزلة، فاطلب بباطن علمك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تنازع الأخرى".
وبكل حال -أيها المسلمون- فإن طلب شرف الآخرة يحصل معه شرف الدنيا وإن لم يرده صاحبه ولم يطلبه، وطلب شرف الدنيا لا يجامع شرف الآخرة ولا يجتمع معه، والسعيد من آثر الباقي على الفاني، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـانُ وُدّاً) [مريم:96] أي في قلوب عباده.
وفي الحديث عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله إذا أحب عبدًا، نادى: يا جبريل: أحب فلانًا، فيحبه جبريل، ثم يحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض". رواه البخاري ومسلم.
(ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَـارَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْولِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـارُ وَمَسَـاكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّـاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الصف:10-13].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الشرف الحقيقي، ليس هو الأمنية والتشهي اللذين تطلبهما النفس تارة بعد أخرى، ويعبر عنها الإنسان بليت لي كذا وكذا من المال والفضل، لا وكلا، إنما الشرف دين يتبعه عمل، ويصحبه حمل النفس على المكاره، وجبلها على المشاق والمتاعب، وتوطينها لملاقاة البلاء بالصبر، والشدائد بالجلد.
والشريف هو كل مؤمن بالله، صادق الإيمان، صحيح العقيدة، وفَّى لربه وأدى ما عليه وأبى الدنية في دينه، ولم يرضخ لوساوس الشيطان وألاعيبه، فدينه الإسلام ومصدر الحكم عنده كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع السلف الصالح، فلا يرضى لدينه أن يدنس، ولا لماله أن يستباح، ولا لأهله أن تنتهك حرماتهم، وحمى شعائر الله ومقدساته: (ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
الشرف بهذا المفهوم بهاء للشخص، يحوم عليه بالأنظار، ويوجه إليه الخواطر والأفكار، ومشرق ذلك البهاء عمل يأتيه طالبه، يكون له أثر حسن في أمته أو بني ملته، كإنقاذ من تَهْلُكة، أو كشف لجهالة، أو تنبيه لحق سلف، أو إيقاظ من غفلة، أو جمع كلمة، أو تجديد رابطة، أو إعادة قوة وانتشال من ضعف، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر.
من أتى عملاً من هذه الأعمال وهو مؤمن بالله إيمانًا صادقًا، فهو الشرف الحق، وإن سكن غياهب الجبال، ولبس الرث من الثياب، وبات على تراب الفقر، هذا له حلية من عمله، وزينة من فضله، وبهاء من جده، يهدي إليه ضالة الألباب، وتائهة الأفئدة، تعرفه المشاعر الحساسة ولا تنكره، وله معزة مشرقة، في جباه الصالحين من المسلمين (وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَـافِسُونَ) [المطففين:26].
وأما الشرف الزائف فيمكن علاجه بدوام النظر في سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن فيها تحذيرًا شديدًا من سؤال الولاية أو تعلق القلب بها، وبدوام التعويد على الطاعة وهضم النفس، فإن ذلك له أثره الظاهر في كبت جماح النفس وتطلعاتها المشبوهة، وخلع تلك الأمراض من القلب والرضا بالحال التي يوضع فيها المسلم؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع". رواه البخاري.
كما ينبغي للعبد أن يتذكر منزلة الدنيا والآخرة على نحو ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، (قُلْ مَتَـاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَلاْخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ اتَّقَى) [النساء:77]، (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) [التوبة:38]، (ياقَوْمِ إِنَّمَا هَـاذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا مَتَـاعٌ وَإِنَّ الاْخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَـرَارِ) [غافر:39]، وغير ذلك من الآيات الكريمات.
هذا، وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وأفضل البشرية...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي