قراءة في بيان هيئة كبار العلماء في حكم التظاهرات

محمد بن عدنان السمان
عناصر الخطبة
  1. أهمية نعمة الأمن والأمان .
  2. بيان هيئة كبار العلماء بخصوص المظاهرات .
  3. نظرة تأملية في محتوى البيان .
  4. ضرورة المحافظة على الجماعة .
  5. اتباع الطرق الشرعية في النصح والإصلاح .

اقتباس

فالأمن مطلب ضروري من مطالب الإنسان، وهو جزءٌ عظيم أيضًا لا يتجزّأ من الإسلام، فالأمنُ من تمام الدين، ولا يتحقَّق الإسلام إلاّ بالأمن، ولا يُعمل بشعائر الدين إلا في ظلِّ الأمن، ولهذا كان من موعود الله لعباده المؤمنين، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا...

 

 

 

 

الحمد لله نعمه لا تعد ولا تحصى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [إبراهيم: 34]، نحمده -جل جلاله- ونشكره ونثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه. 

أما بعد: فقد جاء أمر الله -سبحانه وتعالى- للمسلمين بتقواه، والاعتصام به -جل جلاله-، والأمر بجمع الكلمة وعدم التفرق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 102-103]، وهذا أمر لازم على كل مسلم في كل وقت، لكن يتأكد في أوقات الفتن والأزمات.

أيها المسلمون: لا يخفى على شريف علمكم، ما يجري في هذه الأيام من أحداث واضطرابات وفتن في أنحاء مُتفرِّقة من العالم، التي نسأل الله لعموم المسلمين العافية والاستقرار والاجتماع على الحق حكّامًا ومحكومين.

أيها الأكارم: هناك أمور لا يكتفى فيها بالتلميح، بل التصريح فيها هو عين الحق والصواب، وخاصة إذا كان هذا الأمر يتعلق بنعمة من أهم النعم ألا وهي نعمة الأمن، فالأمن مطلب ضروري من مطالب الإنسان، وهو جزءٌ عظيم أيضًا لا يتجزّأ من الإسلام، فالأمنُ من تمام الدين، ولا يتحقَّق الإسلام إلاّ بالأمن، ولا يُعمل بشعائر الدين إلا في ظلِّ الأمن، ولهذا كان من موعود الله لعباده المؤمنين، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55]، وقد امتنّ الله تعالى بالأمن على أهل حَرَمه فقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت:67].

ثم إن الله أيضًا امتنَّ على قريش بهذه النعمة الكبيرة فقال سبحانه: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش: 4]؛ قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "فرغد الرزق والأمن من الخوف من أكبر النعم الدنيوية الموجبة لشكر الله تعالى".

ولهذا فإن من ينادي في هذه البلاد للتظاهرات والاعتصامات وأمثالها يرتكب جرمًا كبيرًا؛ لما يتمتع به هذا البلد -ولله الحمد- من وحدة المجتمع وتماسكه، وبيعته الشرعية، وتحكيمه للشريعة، وخدمته للحرمين الشريفين، ورعايته للمصالح العامة، وقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها مما يستوجب الشكر لله -عزَّ وجلَّ- على هذه النعم لتستمر، ولا يعني هذا عدم الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو النصيحة أو محاسبة المقصر، بل هي واجبة، وبأسلوبها الشرعي، وآدابها المرعية.

إخوة الإسلام: ولما يوليه الواجب الشرعي ثم الوطني فقد صدر بيانان يؤكدان على ذلك؛ أحدهما من وزارة الداخلية، والآخر من هيئة كبار العلماء، وإنني في هذه الخطبة -إن شاء الله- سأستعرض طرفًا من ذلك:

أول ما يؤكد عليه في هذا المقام: أن الوصية باجتماع الكلمة ووحدة الصف لما يترتّب على ذلك من مصالح كبرى، وفي مقابل ذلك لما يترتّب على فقدها من مفاسد عظمى، يعرفها العقلاء، ولها شواهدها في القديم والحديث.

إن المحافظة على الجماعة من أعظم أصول الإسلام؛ قال سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105].

وهذا الأصل الذي هو المحافظة على الجماعة مما عظَّمت وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- به في مواطن عامة وخاصة، مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". رواه مسلم.

وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "إنه ستكون هنّات وهنّات، فمن أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان". رواه مسلم.

إن استشعار هذه النعمة -نعمة اجتماع الكلمة على هدي من الكتاب والسنة في ظل قيادة حكيمة- يدعونا جميعًا إلى بذل كل الأسباب التي تزيد من اللحمة، وتوثِّق الألفة، وعلينا أن نحذر مما يؤدي إلى ضد ذلك.

عباد الله: لقد بيّن كبار العلماء أن من لزوم الجماعة أن للإصلاح والنصيحة أسلوبها الشرعي الذي يجلب المصلحة، ويدرأ المفسدة، فالنصيحة الصادقة من قِبل أهل العلم، وأهل الحل والعَقد من العقلاء واجب شرعي، مع الاعتراف بعدم الكمال، ووجود الخطأ وأهمية الإصلاح على كل حال وفي كل وقت.

إخوة الإسلام: إن الأسلوب الشرعي الذي يحقِّق المصلحة، ولا يكون معه مفسدة، هو المناصحة، وهي التي سنّها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسار عليها صحابته الكرام وأتباعهم بإحسان.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة". قيل: لمن يا رسول الله؟! قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". رواه مسلم.

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا، وأن تناصحوا مَن ولاَّه الله أمركم". رواه الإمام أحمد.

ولهذا مما أكد عليه بيان هيئة كبار العلماء وفقهم الله أنه ليس من الإصلاح الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة؛ فهي خلاف اجتماع الكلمة ووحدة الصف المأمور بها شرعًا.

وليس من الأسلوب الشرعي في النصيحة إصدار بيانات فيها تهويل وإثارة فتن وأخذ التواقيع عليها؛ لمخالفة ذلك ما أمر الله -عز وجل- به في قوله -جل وعلا-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83].

وليس من الإصلاح الدعوة إلى التظاهرات في هذه البلاد؛ لما تجره من مفاسد عظمى من فوضى وإخلال بالأمن وتفريق للكلمة وإثارة للفتنة.

والخلاصة -أيها المسلمون- أننا في نعم عظيمة نحمد الله عليها، ونسأل الله أن يحفظ علينا أمننا وإيماننا، وأن يرد كيد من أراد بنا شرًّا في نحره.

أقول ما سمعتم ..

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واشكروه على نعمه يزدكم من فضله وكرمه.

أيها المسلمون: بلادنا أمانة في أعناقنا، والحفاظ على أنظمتها من الواجبات الشرعية والمرعية؛ ولهذا فإن الالتواء على هذا الأنظمة والخروج عليها كما قدمنا في الخطبة الأولى من تظاهرات أو اعتصامات أو انضمام إلى أفكار أو أحزاب مشبوهة ومنحرفة، كل ذلك من إضرار باجتماع الكلمة ووحدة الصف، ولن يكون نافعًا إلا لأعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر، ويريدون الإخلال بأمننا ليفسدوا علينا ديننا ودنيانا.

لهذا ينبغي علينا جميعًا بل يجب أن نكون يدًا واحدة مع ولاة أمرنا وعلمائنا.

واللهَ تعالى نسأل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يصلح ذات بيننا، ويهدينا سبل السلام، وأن يرينا الحق حقًّا، ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، وأن يهدي ضال المسلمين، وهو المسؤول سبحانه أن يوفِّق ولاة الأمر لما فيه صلاح العباد والبلاد.
 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي