دروس لنا من الأحداث

أحمد عبدالرحمن الزومان
عناصر الخطبة
  1. الاعتبار بأحداث الثورات الجارية .
  2. ما كشفت عنه الأحداث .
  3. واجباتنا حتى لا نصل للحال الذي وصلت إليه تلك الشعوب .

اقتباس

بيَّنت الأحداث أنه يجب عدم الاغترار بالحال، والركون إلى قدرة الشخص وما حباه الله به من مال وسلطة؛ فالدنيا سريعة التقلُّب، فيمسي الشخص عزيزا ويصبح ذليلا، يصبح غنيا ويمسي فقيرا، يصبح آمنا ويمسي طريدا خائفا، يصبح سجانا ويمسي سجينا؛ فالملك كله لله! والأمر أمره! (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء، وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء، وَتُعِزُّ مَن تَشَاء، وَتُذِلُّ مَن تَشَاء، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

أَمَّا بعد: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّه، وَخَيْرَ الهدي هدي مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكل بدعة ضلالة.

منذ أسابيع والأحداث تعصف في بعض البلاد العربية، فزعماء سقطوا، وآخرون يترنحون، وهم مع شعوبهم في حال كرٍّ وفَرٍّ، فلا غَرْوَ أن تكون هذه الأحداث محل حديث الناس العامة والخاصة, ومعرفةُ الأحداث أمر مُهِمٌّ، لكن الأهم أن نأخذ منها العظة والعبرة؛ حتى لا يصيبنا -معاشرَ الشعوب- مثل ما أصابهم من ذل وهوان دنيوي، كأني بك -أخي- تقول: ما شأني وشأن هؤلاء؟ فليس لي رياسة على الناس، ولا أمر ولا نهي! والأمر كما ذكرتَ، لكنك قد تشاركهم ببعض صفاتهم التي أوصلتهم لذلك؛ فيصيبك ما أصابهم.

فإياكم والظلمَ! فإنه مرتع وخيم يدرك صاحبه في الدنيا قبل الآخرة، فإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فلا تغتروا بإمهال الله لكم، وعدم معاجلتكم بالعقوبة.

إياك -أخي- وظلمَ الضعفاء ممن لا ناصر لهم إلا الله! تذكَّرْ قدرة الله عليك وأنك ضعيف، فعن أبي مسعود البدري: كنت أضرب غلاما لي بالسَّوط، فسمعت صوتا من خلفي: "اعلم أبا مسعود". فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود". قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام". قال: فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا. رواه مسلم.

من ثارت عليهم شعوبهم طلبوا رضا الناس بسخط الله، فأرضوا الغرب؛ ظنا منهم أن في ذلك ضمانا لبقاء سلطتهم، وعدم التأليب عليهم، فكانوا أول من تخلى عنهم. فإياك -أخي- أن تطلب رضا المخلوقين، القريب منهم والبعيد، بسخط الخالق، فعن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن التمس رضا الله بسخط الناس رضِيَ الله تعالى عنه وأرضى الناس عنه، ومَن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" رواه ابن حبان ورواته محتج بهم. فلا تعصي الله طلبا لرضا رئيسك في العمل، وطمعا في البقاء بمكانك، أو تطلُّعا للترقي في المنصب.

إخوتي ممَّن لهم ولاية بسبب وظيفتهم: كما تعلمون أنه يندر من يتولى في هذا الزمن مسؤولية إلا ويقع في محاذير تنفيذا للتعليمات، فإذا درأتم من المنكرات ما استطعتم، وخفَّفْتُم الشر على قدر وسعكم، فأنتم على خير، ومأجورون، وبقاؤكم في وظائفكم خير للمسلمين من ترككم إياها لغيركم، ففرق بين شخص ينفذ كل ما يُطلب منه تقربا للمسؤولين، وبين من يمنع الشر أو يخففه على قدر وسعه.

على من عليه حقوق للآخرين القريبين والبعيدين أن يؤدي هذه الحقوق لأهلها، أو يصالحهم عليها؛ فالمكابرة والمماطلة لا تزيد أصحاب الحقوق إلا إصرارا على أخذ حقوقهم كاملة، فما يتنازل عنه صاحب الحق أول الأمر قد لا يقبل بالتنازل عنه عند المماطلة، ويصر على أخذ حقه كاملا.

بيَّنَت الأحداث حقارة الدنيا وهوانها، فما من أحد يحب أن يكون مكان هؤلاء المخلوعين الآن، مع أن الكثير قبل أسابيع معدودة يتمنون لو كانوا مكانهم، فالدنيا -مهما تكن- فهي حقيرة لا تدوم لصاحبها! (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ! لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص:82].

فعلينا أن نهتم بالنعيم الباقي، فعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُنادي منادٍ: إنَّ لكم أن تصِحُّوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيَوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا؛ فذلك قوله -عز وجل-: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" رواه مسلم. فهذا هو العز الحقيقي، وهو الجاه الذي ما بعده جاه، وليس هذا تزهيدا في الولايات إذا كان فيها مصلحة للمسلمين، فما ضرت الولاية الخلفاء الأربعة -رضي الله عنهم- وغيرهم، بل زادتهم رفعة في الدنيا والآخرة.

بينت الأحداث أنه يجب عدم الاغترار بالحال، والركون إلى قدرة الشخص وما حباه الله به من مال وسلطة؛ فالدنيا سريعة التقلب، فيمسي الشخص عزيزا ويصبح ذليلا، يصبح غنيا ويمسي فقيرا، يصبح آمنا ويمسي طريدا خائفا، يصبح سجانا ويمسي سجينا، فالملك كله لله! والأمر أمره! (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء، وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء، وَتُعِزُّ مَن تَشَاء، وَتُذِلُّ مَن تَشَاء، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].

فالمحظوظ الحقيقي هو من جعله ربه محظوظا، وقد شرع ربنا لنا من الذكر ما يجعلنا متذكرين كل وقت هذه الحقيقة، فمما نقوله بعد رفعنا من الركوع: لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ونقول بعد السلام من الصلاة المكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. "فلا ينفع ذا الجدِّ" أي: الغنى والحظ غناه وحظه، بل الغنى الحقيقي والحظ الحقيقي هو من الله.

لنحرص على المكسب الحلال ولو كان قليلا، فليست المسألة مسألة كثرة الكسب، إنما البركة في الكسب، فالمال الحلال يبارك الله لصاحبه فيه، والمال الحرام وبال على صاحبه في الدنيا، فيجمعه من غير حله، ثم يحال بينه وبين هذا المال فلا ينتفع به في الدنيا؛ ووبال على صاحبه في الآخرة. فعن خولة الأنصارية -رضي الله عنها- قالت سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة" رواه البخاري. فما بيدك وتحت أمرك من أموال المسلمين -ولو كان قليلا- أمانة بعنقك سوف تحاسب عنها يوم القيامة؛ فلا تكن سببا في هلاكك!.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

بينت الأحداث أنه يجب عدم الاغترار بالأسباب المادية من رضا بعض المخلوقين، وبالقوة الحسية من عسكر وغيره، فإذا جاء أمره زال ذلك بلمح البصر ولم يغن عن صاحبه شيئا، فلا نعتمد على أنفسنا ونغتر بذلك، بل نبتهل لربنا دائما بالإعانة والتوفيق وتيسير الأمور، ونفوض أمرنا إليه، مع بذل الأسباب، (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ، وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ؟ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160].

وتأملوا حينما يدعونا المؤذن للصلاة بقوله: حي على الصلاة! حي على الفلاح! شرع لنا ربنا على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن نجيبه بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فلا تحوُّلَ للعبد من حال إلى حال، ولا قدرة له على ذلك، إلا بإعانة الله له، فالعبد لا يملك من أمره شيئا، وليست له حيلة في دفع شر، ولا قوة في جلب خير، إلا بإرادة الله تعالى، فلا نغفل عن هذه الحقيقة، ولتخرج "لا حول ولا قوة إلا بالله" من قلوبنا قبل أن تخرج من ألسنتنا.

علينا أن لا نمدح أحدا بما ليس فيه، فلا نقول إلا ما نعتقده، وعلينا أن نتجنب المبالغة في المدح، فالصدق من تقوَى الله الواجبة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119]. فمدح مَن حولنا ممن يرجى أو يخاف بما ليس فيهم خيانة لهم، وتغرير بهم، فربما بسبب كثرة المادحين ظنوا صدقهم، وأنهم على الحق، وعلى أقل الأحوال الحرج الذي يصيب المادح الكذاب حين تغير الأحوال، وتبدل الظروف، فأمس يمدح واليوم يذم! فيسقط قدره عند الناس، ولا يثقون به مستقبلا.

كشفت الأحداث الزيف والكذب والفساد، فعلى الواحد منا أن يكون يقظا متفطنا، فلا يقبل كل ما يقال ويصدقه، ولا ينساق مع كلام مَن لا يوثق به، فأكثر وسائل الإعلام بعيدة عن الصدق، لها مشاريع تسعى لتحقيقها، بغض النظر عن الوسيلة هل هي حق أو باطلة، صادقة أو كاذبة، فالتثبت في خبر أكثر وسائل الإعلام واجب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].

كشفت الأحداث أهمية رد الأمور إلى مَن يوثق به من صالحي هذه الأمة من علماء ودعاة، وساسة وإعلاميين، وعدم الانقياد لشخص لم يجرَّب، وليس له قدم صدق في البذل والعطاء والنصح للأمة: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:83]. فالانتهازيون كثير، يتطفلون في أوقات الأزمات، ويتصدرون الناس لتحقيق مكاسبهم الخاصة، فيظهرون بمظهر الناصح للأمة، المتبرئ من الظلم وأهله؛ وقبل فترة يسيرة كانوا في ركاب الظالمين!.

كشفت الأحداث ضعف البشر، وقلة علمهم، فأكثرهم غافل عن معرفة سنن الله الكونية، فهذه الأحداث فاجأت العالم، ولم يتوقعوها، مع ما عندهم من مراكزَ بحثيَّةٍ مُتخصِّصةٍ لاستشراف المستقبل؛ فأسقط في أيدي كثير من المحللين السياسيين!.

في الختام: إن الله كره لنا قيل وقال، وسوف يحاسبنا الله على ما نقول، سواء تفوهنا به بألسنتنا، أو خطته أصابعنا، أو كتبناه بأناملنا على لوحة المفاتيح، فالله محاسبنا على أقوالنا، فلا نكتب أمرا لا يرضي ربنا، ولنقدم مخافة الله على مخافة المخلوقين، فلو تسمى الكاتب باسم وهمي ولم يعرف فإن الله مطلع عليه: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء:108].

وحتى لو كان ما يقال ويكتب حق وصدق فلا يقال ولا ينشر إلا ما فيه مصلحة وخير، وما فيه ضرر يُتجنب، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت.

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي