أصحاب الجنة وأصحاب النار

أحمد بن عبد العزيز القطان
عناصر الخطبة
  1. وصف أهل الجنة .
  2. الذرية الصالحة تتبع بعضها إلى الجنة .
  3. الحرص على صلاح الآباء والأبناء .
  4. صفات أهل النار .
  5. وصف عذاب أهل النار .
  6. بين أهل الجنة وأهل النار . .
اهداف الخطبة
  1. التشويق إلى الجنة و وصف أهلها
  2. التحذير من النار وبيان صفة أهلها.

اقتباس

اللحظة الحاسمة يوم تصفر الوجوه، وتزيغ العيون، وتلتف الساق، وترتجف الأوصال، وتبرد العروق والأصابع، ويشحب الوجه، ويعصر الإنسان قلبه، ودمعه يرى أن شفتيه لا يستطيع أن يفتحها بأخف كلمة لا إله إلا الله.

إن الترهيب والترغيب في كتاب الله يحتاج إلى قلوب حية، قلوب واعية، فوالذي نفسي بيده لو كانت لنا تلك القلوب لتفطرت من الحزن وهي تسمع إلى أحوال أهل النار. ولو كان لنا تلك القلوب لطارت أمام ثواب الله أسألك اللهم لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

استمعوا معي إلى كلام ربكم وهو يُتلى عليكم في يوم عيدكم هذا، استمعوا إليه بآذان قلوبكم وهو يتكلم عن أصحاب الجنة وعن أصحاب النار.

قال تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:20-22].

وما عقبى الدار؟ استمعوا وهو يصفها ويصف الذين يتلاحقون إليها:

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) [الرعد: من الآية23].

فقف معي عند قوله ومن صلح هذا هو المحك (وَمَنْ صَلَحَ).

فيا أيها الوالد ابك على ابنك الطالح الفاسد إن لم يتب لن تراه في جنات النعيم إن كنت من أهلها أي سعادة يوم يبعث الإنسان يبحث عن والديه فلا يجدهم عن زوجته عن بناته، فإذا هن كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، نعم والذي نفسي بيده هذا هو الشرط وتلك هي الصفة (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) [الرعد: من الآية23].

يأتي الخليل إبراهيم خليل الرحمن الذي ألقي في النار من أجل ربه الذي طُرد من بلده من أجل دينه حطم الأصنام بيمينه الذي رزقه الله ذرية من الأنبياء الصالحين.

إبراهيم يأتي يوم القيامة يجر أباه أزر يقول أي ربي: هذا أبي أزر وقد وعدتني وأنت لا تخلف الميعاد (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [الشعراء:87] وأي خزي من أن يلقى أبي في النار من أن يلقي أبي الأبعد في النار عند ذلك يقول الله له "يا إبراهيم لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة".

انظر تحت قدميك فيحيل الله والده آزر إلى ضبع ذبيح ملطخ بالدماء فتحمله الزبانية من أقدامه ثم يلقى على رأسه في النار.

ومن صلح من آبائهم وهذه هي الفرصة، فإذا رأيت أحد أبويك يأكل الحرام فاذهب إليه وقبل أن ينتقل إلى دار الجزاء والقرار فقل له: يا أبتاه رفقاً بنفسك فهذا هو الوعيد المنتظر أصلحوا البنات، أصلحوا الزوجات، أصلحوا الأرحام صلوهم ذكرهم مروهم وانهوهم عن المنكر فإن الأمر جد وليس هزل. فإذا تم التلاحق العجيب تشاهد والديك زوجتك أبناءك أقاربك أصدقاءك يُصعدهم الله درجة ويُدخلهم قصر بعد قصر أي سرور وبهجة وأي أنس وأنت ترى أمك تبتسم في وجهك في الفردوس الأعلى ويشير إليك محمد صلى الله عليه وسلم إشارة الذي وفىّ بعهده وأنقذ أهله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم: من الآية6].

هناك في جنات النعيم استمعوا إلى وصف الرحيم: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:23-24].

الصبر على الطاعة، الصبر عن المعاصي والحرام صبر على الناس (والَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) [البقرة: من الآية27].

قد يكون الفساد محلى في جزء من الأرض في مقال يكتب في مُؤلف في شخص في همس، في لمز، أو إغراء لكنه محسوب عليه الفساد في الأرض لأنها نية مظلمة سيئة لو تمكن من إفساد الناس جميعاً لفعل ذلك، هذه هي الصفة تتبع تلك النية (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: من الآية25] .

وهنا تنقلنا آيات سورة الرعد إلى ذلك المقر العجيب، أما إلى رحمة الله، وأما إلى اللعنة إلى سورة الأعراف التي فصلت تفسيراً دقيقاً عميقاً عن الصنفين من الناس ولينظر أحدكم مع أي الفريقين سيكون إنها الفرصة أنت اليوم هنا وغداً هناك.

مقدمات الحدث الرهيب إعلان إلهي موجز (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34].

إعلان: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف:35].

كلمة  "أصلح" .. جهز نفسك للإصلاح, وكن مع أهل الإصلاح, أعقد النية .. لا ينتهي هذا الإعلان عند باب المسجد فقط .

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الأعراف:36].

تفصيل هذا الموجز القرآني الخطير (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) [الأعراف: من الآية37].

حظهم من الدنيا يأكلون يتمتعون يقضون عمرهم كله لن يظلمهم الله قطرة ماء ولا لقمة غذاء ولا نسمة هواء ولا قطعة كساء وبعد ذلك يقضون من الكتاب ما يُختم لهم به وتأتي اللحظة الحاسمة والسؤال الخطير: (حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [الأعراف:37].

اللحظة الحاسمة يوم تصفر الوجوه، وتزيغ العيون، وتلتف الساق، وترتجف الأوصال، وتبرد العروق والأصابع، ويشحب الوجه، ويعصر الإنسان قلبه، ودمعه يرى أن شفتيه لا يستطيع أن يفتحها بأخف كلمة لا إله إلا الله، وهي أثقل كلمة في الميزان وأخف كلمة على اللسان الناس حوله يتبادلون (قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [الأعراف:37] ، يتأهب الجميع لهذا السؤال، آلهة الشجر، والبقر، والحجر، والبشر أتباع الشهوة والهوى (قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا).

بئس العابد والمعبود.. الإحباط اليأس التمزق الأخير.. أين أنت يوم أن كنت تلتصق بهم... ضيعوك... ضيعو عنك كل شيء (وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) [الأنعام:130].

هذه هي شهادته وليس شهادة غيره.. لم يحتاج ملك الموت إلى شهود، يشهد على نفسه أنه كافر ولو قيل له هذا في الدنيا لرفض وغضب.

شهد على نفسه في وقت هم فيه في أشد الحاجة لحسنة واحدة , وهنا يكون الزحف الرهيب نتوقع في هذه النهاية الأليمة أن تُنقلنا الآيات إلى عالم البرزخ ثم علام البعث و النشور ثم المحشر خمسين ألف سنة أيامٌ طوال وإذا بالآيات فجاءه يختمون عمرهم وإنهم كافرين بحرف النون، وإذا بالقرآن ينقلنا في قعر الجحيم كأنهم لم يمروا على مشاهد القيامة.

(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:38].

وهكذا يتمنى كل واحد منهم مضاعفة العذاب للآخر، من هو مثلك على الحياة أن يكون أهل الكفر والعصيان، إذن ألحق بهم وانضم إلى ركبهم لن تفلحك أقلام الكتاب ولا أفلام المصورين ولا مدح المادحين، نعم منهم وإليهم وسيأتيك اليوم الذي تذكر الله للمرة الأولى والأخيرة.

شماتة الآخرين تظهر... (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأعراف:41] تفرش من تحتهم النار ويُلحفون بها وكل له غطاء يغشاه من فوقه يتشوى به يتغلى به أبد الأبد... .

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الأعراف:42].

ماذا طلب الله منك؟

شق البحار ونقل الجبال وتحطيم الصخور؟!

يوم أن تسعى إلى بيته تمشي منكوساً على قدميك، اختار لك أحسن الأديان واختار لك أمين السماء جبريل فأرسله إلى محمد صلى الله عليه وسلم وجعلك من أبوين مسلمين ثم تأبى إلا أن تكون من أتباع العاصين والمجرمين !

نعود إلى أهل النور والإيمان (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ) [الأعراف: من الآية43] بشرها محمد صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه مغمور يقطرُ ماء الوضوء من لحيته ثلاثة أيام متتالية هذا الرجل من أهل الجنة.

قال صلى الله عليه وسلم: "ينزع الغل من صدور الرجال على أبواب الجنة كمبارك الإبل" وصلوا عند أبواب الجنة وبعض الغل ما يزال في صدورهم ما هذا؟

 
ما أثر البرزخ؟! ما أثر المحشر؟! ما أثرت مشاهد القيامة؟!  كل ذلك والغل في صدورهم وقلوبهم أي بشر وأي أُناسٌ حتى يلتصقوا بأبواب الجنة والغل ملتصق في قلوبهم حتى ينزعه الله من قلوبهم نزعاً، سبحان الله.

(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ ) [الأعراف: من الآية44].

كلمة واحدة الصدور ضيقة، الأنفس متحرجة متحشرجة فالعذاب يُصب عليهم صباً (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ) [الحج: من الآية19] (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف: من الآية44].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي