كانت مدة الزلزال دقيقتين ونصفًا تقريبًا، وقد تبع الزلزال مد تسونامي بحري وصل ارتفاع الموج فيه إلى عشرة أمتار، ودمر مُدُنًا بأكملها، كما أحدث عدة انفجارات في المفاعلات النووية؛ ما أدى إلى الحرائق والكوارث، وعندما تتأمل الخسائر التي كشفها الزلزال القصير في وقته تدرك بجلاء قوة القهار العزيز الجبار وضعف الإنسان الخصيم: (وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)...
الحمد لله القاهر القوي القادر، ذي العظمة والملكوت، والكبرياء والجبروت، حي لا يموت، قيوم لا يفوت، الأرض أرضه والسماء سماؤه والخلق خلقه: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44]، والصلاة والسلام على النبي الإمام الذي قدر خالقه حق قدره، فرفع الله له ذكره وأعلى قدره وشرح صدره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وصالحي أمته.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله؛ فإنها السبيل للنجاة من النار دار البوار: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم: 71، 72]، وإنها مفتاح الجنان في دار القرار: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) [مريم: 63].
عباد الله: تعالى من خلق الخلق فأبدعه، تعالى من رفع السماء بلا عمد، تعالى من بسط الأرض وذللها، ونصب الجبال وأرساها.
نقل فؤادك إبصارًا ترى عجبًا *** في كل شيء دليل أنه الله
إن ربكم -جل في علاه- خلق عباده وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، بسط لهم الأرض ليمشوا في مناكبها وأرساها بالجبال لئلا تميد، ورفع الشمس لئلا تحرق، كل ذلك تسخيرًا منه لعباده ليعبدوه ولا يعصوه، ويشكروه ولا يكفروه؛ يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- عن نعمة الله على عباده بأن جعل الأرض قرارًا لا تميد كما في الذكر المجيد: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا) [غافر: 64]، قال -رحمه الله-: "ثم تأمل خلق الأرض على ما هي عليه حين خلقها واقفة ساكنة؛ لتكون مهادًا ومستقرًا للحيوان والنبات والأمتعة، وليتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربها والجلوس لراحتهم والنوم لهدوئهم والتمكن من أعمالهم، ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قرارًا ولا هدوءًا، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولأمكنهم عليها صناعة ولا تجارة ولا حراثة ولا مصلحة، وكيف كانوا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم، واعتبروا ذلك بما يصيبهم من الزلازل على قلة وقتها كيف تضطرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها".
عباد الله: إن قرار الأرض نعمة جليلة، وقلّ أن تذكر النعم إلا إذا فقدت، فتأملوا كيف هرع الناس وهجروا مدنهم ومنازلهم في هزات ضربت قلب المحيط الهادئ، ثارت على إثرها أمواج كالجبال شلت شرق اليابان في الأسبوع المنصرم.
وإذا قلتُ: اليابان، فإنها قبلة المخترعين، وعاصمة المثقفين، بلد الأجهزة المتقدمة، والتقنيات السباقة، ولكن أمست هذه النعوت كلها هباءً منثورًا، أما قول الملك الحق المبين كن، فكان ما كان.
كانت مدة الزلزال دقيقتين ونصفًا تقريبًا، وقد تبع الزلزال مد تسونامي بحري وصل ارتفاع الموج فيه إلى عشرة أمتار، ودمر مُدُنًا بأكملها، كما أحدث عدة انفجارات في المفاعلات النووية؛ ما أدى إلى الحرائق والكوارث، وعندما تتأمل الخسائر التي كشفها الزلزال القصير في وقته تدرك بجلاء قوة القهار العزيز الجبار وضعف الإنسان الخصيم: (وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) [الرعد: 13]، وبين يدي الخسائر ألفت أنظاركم إلى أن اليابان تعتبر من أكثر دول العالم استعدادًا للزلازل؛ حيث تعتمد على آلية دقيقة في البناء تخفف من تأثير الزلازل، ولكن لم تغن هذه التقنيات من شيء لما جاء أمر ربك: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].
خذوا شيئًا من نتائج زلزال البحر لدقيقتين ونصف فقط: قالت المؤسسة الأمريكية لرصد المخاطر: إن خسائر الزلزال الذي ضرب اليابان قد تصل إلى أربعة وثلاثين مليار دولار، ولك أن تتأمل في مدة الزلزال -دقيقتين ونصف- والخسائر المالية أربعة وثلاثون مليار دولار، فما الظن لو كان الزلزال نصف ساعة؟! سبحانك ربنا ما أحلمك على من عصاك!! تجاوز عدد القتلى عشرة آلاف قتيل، والظن أن يتضاعف العدد عدة مرات، بلغ عدد المشردين أكثر من نصف مليون مشرد يعيشون في الملاجئ بلا مأوى، فقدت الكهرباء في نحو أربعة ملايين منزل.
تلك تقنية الخلق أمست هشة أمام قدرة الخالق العظيم، ألا ما أهون الخلق على الله إذا خالفوا أمره.
عباد الله: إن الزلازل آية من آيات الله، والله يخوف عباده بآياته: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، وإنّ من تتبع النصوص الواردة في الزلازل يدرك أن لها حِكمًا: (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد: 41]، فقد تكون الزلازل عقوبة من الله لمن عصاه، حين يأمر الله أرضه فتهتز، أو بحره فيرتجف، فيذر النفوس الغاوية كالنخل الخاوية، وقد أهلك الله بالرجفة بعض الأمم، وفي الذكر الحكيم قال سبحانه عن قوم شعيب -عليه السلام-: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [العنكبوت:37]، وقد تكون الزلازل عتابًا من الله لعباده، وتذكيرًا ليؤوبوا إليه ويرجعوا عما كانوا عليه من العصيان والتمرد.
ولما رجفت الأرض في الكوفة، قال ابن مسعود: "أيها الناس: إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه"، أي يطلبكم الرجوع عن الإساءة واسترضاءه فافعلوا، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كانت الريح الشديدة عرف ذلك في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الحافظ ابن حجر: "لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخويف المفضي إلى الخشوع والإنابة، كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك". قال ابن القيم: "ومن تأثير المعاصي في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها".
وقد تزلزلت الأرض على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "أيها الناس: ما كانت هذه الزلزلة إلا عند شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده إن عادت لا أساكنكم فيها أبدًا". رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.
عباد الله: وإنه مع ما في الزلازل منَ الرّزايا والبلايا والآلام النّاشئة عن نقصِ الأموال والأنفسِ والثّمرات وخرابِ العمران، فإنها لا تخلُو مع ذلك من آثارِ رحمةِ الله بعباده المؤمنين وإن أصابهم شيء من أضرارها، وقد جاءَ بيان هذه الحقيقةِ وإيضاحُ هذا المعنى في الحديثِ الذي أخرجه الإمام أحمدُ في مسنده وأبو داودَ في سننه عن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أمّتي هذه أمّةٌ مرحومة، ليس عليها عذابٌ في الآخرة، عذابُها في الدنيا الفِتَن والزّلازل والقتل".
عباد الله: وإن كثرة الزلازل من أشراط الساعة، ومذكرة بزلزلة الساعة، أما كونها من أشراط الساعة، فقد روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج -وهو القتل- وحتى يكثر فيكم المال فيفيض".
وأما كونها مذكرة بالساعة فإن اللبيب من عباد الله يتذكر بهول زلزال الدنيا عظمة زلزلة يوم الدين: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) [الواقعة: 1-6]، (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) [النازعات: 1-9]، (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا) [المزمل: 14]، (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) [الزلزلة: 1، 2].
ومن تأمل أحوال الناس مع زلازل الدنيا يجد كل أب يسعى لإنقاذ أسرته، وكل أم تهتم بأطفالها، لكن زلزلة الساعة أكبر من هذا وأفظع: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1، 2].
فاعتبروا يا أولي الأبصار، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]، ولن ينقذك في ذلك اليوم العصيب منقذ سوى رحمة أرحم الراحمين، التي تُستجلَب بصالح العمل، و"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني".
بارك الله لي ولكم...
الحمد لله...
وبعد: ففي الجوار زلزال من نوع آخر، إنه زلزال صفوي مجوسي، أطل برأسه الماكر مستغلاً اضطرابات العالم العربي؛ ليكشف عن ولائه وانتمائه، أعني عصبة الروافض في البحرين، الذين خرجوا على دولتهم باسم الإصلاح ظاهرًا وخدمة لإيران باطنًا، نعم إن المتابع للتظاهرات في البحرين يجد أنها تخرج عن دائرة المطالبة بالحقوق، إلى دائرة تنفيذ مخططات مشبوهة، تمثل طليعةً لمدٍّ صفوي مجوسي يحلم بالاستيلاء على الخليج العربي وتكوين هلال فارسي طالما نادوا به وسعوا لتحقيقه، ومصداق ذلك أنه بمراجعة مراكز الإحصاء العالمية يتبين أن مملكة البحرين من أقل بلدان العالم بطالة مع قلة مواردها المادية، وأن جملة كبيرة من المتظاهرين هم أصحاب وظائف وأعمال، ودعاوى المطالبة بإطلاق الحريات المزعومة مقصودها الحقيقي تغيير هوية الحكم، وتمكين المد الصفوي منه لا قدر الله، فعلى العقلاء أن يبصروا هذا الخطر، وأن لا يكونوا عونًا لهذا المد الصفوي في المنطقة، وليأخذوا العبرة من العراق الذي سلب أمنه واستقلاله وخيراته، وإن الوصية لكل متابع أن يدرك البعد العقدي في هذه التظاهرات الآثمة، فقد رفع ربانها راية الولاء للمعممين وشيوخ الرفض الباطنية.
ثم إن المتأمل لموقف بلدنا المشرف من كف شر الروافض الخارجين بإرسال القوات إلى البحرين للتصدي للمد الصفوي ليُسَرُّ بهذا الوعي، ومن تأمل من الناحية الأخرى غضبة إيران لهذه الخطوة يأخذ به العجب مأخذًا من خبث الصفويين، فإذا كانوا يزعمون أن شيعة البحرين أو الخليج عمومًا يتعرضون للتضييق عليهم في معتقداتهم، وأنها لن تقف حيال ذلك مكتوفة اليدين، فمال بال أهل السنة في إيران وما حالهم؟! إنهم في حال شديدة، يكفي أن تعلموا أن طهران لا يوجد بها مسجد واحد، رغم أن أهل السنة في إيران فاقوا عشرين مليونًا، يعني أن عددهم يفوق عدد شيعة الخليج مجتمعين عدة مرات، ألا فاتقوا الله -يا مسلمون- وتبصروا بما يكيده الكائدون، فمبتغى الروافض هلال شيعي يضم المنطقة الشرقية ويصل إلى مكة والمدينة -حرسهما الله- من كيد الفجار، وعليه فإن مقاومتهم والتصدي لهم وإبطال مخططاتهم من أعظم الجهاد وأجل القربات، إنه الحفاظ على التوحيد والمقدسات من رجس أرباب البدعة وأحفاد المجوس.
اللهم احفظ أهل السنة في البحرين من كيد المعتدين الرافضة يا رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي