قدرة الله.. زلزال اليابان

سعد بن ناصر الغنام
عناصر الخطبة
  1. حضارة اليابان تتهاوى في لحظة واحدة .
  2. الكوارث تذكير بعظمة الله تعالى وقدرته على خلقه .
  3. ضرورة التأمل في الكون من حولنا .
  4. الزلازل تذكرة بقرب الآخرة .

اقتباس

انهارت تقنية اليابان وصناعة اليابان في لحظة واحدة، وأصبحت تستنجد بالدول للوقوف معها. هذه الحضارة المادية لها منجزات مشهودة يستفاد منها، لكن من سوءات هذه الحضارة ومنجزاتها نسيان الرب تعالى، فأصبح الناس ينبهرون بالمنجزات المادية والصناعات الحربية والتقنيات الإلكترونية، ولكن خفت عندهم عظمة الخالق العظيم، من هنا تأتي هذه الكوارث لتذكرهم بعظمة خالقهم وقدرته -سبحانه وتعالى- ..

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: الحمد لله العظيم الجلال الكبير المتعالي، الواحد الأحد الفرد الصمد، القهار الذي قهر كل شيء، فهو الواحد القهار الذي لا يطاق انتقامه وبطشه، مذل الجبابرة، وقاصم ظهور الأكاسرة، الذي تتضاءل كل قوة أمام قوته، ويتضاءل كل عظيم أمام عظمته، فهو على كل شيء قدير، (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران: 28].

انهارت تقنية اليابان وصناعة اليابان في لحظة واحدة، وأصبحت تستنجد بالدول للوقوف معها.

إخوة الإسلام: هذه الحضارة المادية لها منجزات مشهودة يستفاد منها، لكن من سوءات هذه الحضارة ومنجزاتها نسيان الرب تعالى، فأصبح الناس ينبهرون بالمنجزات المادية والصناعات الحربية والتقنيات الإلكترونية، ولكن خفت عندهم عظمة الخالق العظيم، من هنا تأتي هذه الكوارث لتذكرهم بعظمة خالقهم وقدرته -سبحانه وتعالى-، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "قد يأذن الله تعالى في بعض الأحيان للأرض أن تتنفس، فتحدث فيها الزلازل العظام؛ لتذكير بني آدم وإنذارهم، وتحذيرهم من عواقب انحرافهم ومعاصيهم".

قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأنعام: 91].

ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- هذا الباب في آخر كتاب التوحيد تتويجًا لهذا الكتاب، وتذكيرًا بعظمة الخالق -سبحانه وتعالى-؛ قال في آخر الكتاب: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وساق الآثار والأحاديث الصحاح تحت هذه الآية، من ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يمسك يوم القيامة الجبال بإصبع، والشجر على إصبع، والبحر على إصبع...". إلى آخره. ويهزهم ويقول: "أنا الملك، أين المتجبرون؟! أين المتكبرون؟! لمن الملك اليوم؟! لله الواحد القهار".

(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس: 83]. (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الزمر: 62، 63].

لذلك في نفس الكتاب قبل هذا الباب في آخر الكتاب يذكر بابًا -أي محمد عبد الوهاب رحمه الله-: "لا يستشفع بالله على خلقه"، ويسوق فيه حديث الرجل الأعرابي الذي أتى للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "سبحان الله، سبحان الله، ويحك!! أيستشفع بالله على أحد؟! الله أعظم من ذلك؛ فالله أجل من كل شيء، فهو على كل شيء قدير".

إخوة الإسلام: أسمع الزلزالُ صوتَه بلا مكبرات، صوت عظيم بلا ضجيج، ولكنه كان حديثًا قويًا استمعت له البشرية بإنصات، كان أول المستمعين بالآلاف، بل بالعشرات الآلاف قضوا نحبهم وماتوا، ولكن لعل موتهم يوقظ آخرين، في غيهم يعمهون، في غمرة ساهون. صدق الله: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبياء: 1-3].

أسمع الزلزالُ صوتَه، لكن يا ترى هل أسمع بعض الغافلين؟! بعض النائمين عن قدرة أرحم الراحمين؟! بعكس المؤمنين الصادقين الذين ترق قلوبهم عند كل حدث، وعند كل آية: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191].

قال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 21، 22].

ماذا قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره؟! قال: "الخالق لهذه الأشياء والمستحق للعبادة هو الذي يستأهل، الخالق لهذه الأكوان، لتلك المخلوقات: (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، ألم تعلم بأن الله يرى!! ألم تعلم بأن الله خالق كل شيء!! ألم تعلم بأن الله مدبر كل شيء!!

لذلك للاستقراء والتتبع قال علماء الدين: لم ترد كلمة العلماء مُعرفة بـ"أل" تعريف إلا في سياق الحديث عن الأمور الكونية الطبيعية التي خلقها الله -سبحانه وتعالى-؛ ليلفت النظر لعظمته من خلفها، فقال -سبحانه وتعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 27، 28]، العلماء بهذه المخلوقات، والعلماء بالشريعة، الذين يعلمون أن الله مدبر كل شيء، يعلمون استحقاقه للعبادة لأنه (إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82].

لذلك لفت النظر إلى أشياء مألوفة، إلى أنفسنا وإلى أطفالنا، كأنها أصبحت من مكتسباتنا اليومية؛ فقال -سبحانه وتعالى-: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا) [المرسلات: 25، 26]، أَمَا تتأمل هذه الأرض التي تمشي عليها كيف جعلها -عز وجل- لنا كفاتًا أحياءً وأمواتًا؟! وقال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15]، وقال: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا) [النمل: 61]، وقال: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [لقمان: 10]، هذه الجبال الرواسي لا تضطرب ولا تتحرك إلا بإذنه -سبحانه وتعالى-، بل أمرنا أن ننظر في نفوسنا قبل أن ننظر في الكون من حولنا فقال: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21].

يحدثني -كنت وإياه في الكويت- الشيخ الدكتور عبد المحسن الأحمد -عافاه الله وشفاه- بقصة عجيبة، وحدث بها الإخوة في الكويت، عايشها بنفسه، يقول: "أتتنا حالة غربية في المستشفى، ونقلوه من الإسعاف إلى العناية المركزة مباشرة، والدكتور كان في ذلك الوقت في العناية المركزة، ولا أدري ما زال يعمل في العناية المركزة أما لا، إغماء شديد، أتى فريق طبي مختص بالأعصاب والقلب، وفني المختبر، وأخذ عينة من الدم، وأتي التحليل مباشرة: نقص عنصر البوتاسيوم، نقص في الأملاح المعدنية، ويأتي الطبيب المختص ويصرف له جرعة من البوتاسيوم تضخ في دمه، فينهض كأن لم يكن به شيء، وينصرف الفريق الطبي، يقول: ما هي إلا دقيقة أو ربما أقل فإذا بالنداء يتكرر للفريق الطبي، حالة إغفاءة شديدة، ويأتي فني المختبر ويأخذ عينة الدم، والنتيجة زيادة في البوتاسيوم في الدورة الدموية، عجزنا لمدة شهرين أن نقوم بتثبيت البوتاسيوم، مرةً يزيد ومرة ينقص، وفي جسمك تحولات، السكر يتحول من بسيط إلى معقد، ثم يتحول مرة أخرى، منظومة علمية معقدة تعجز أجهزة التقنية أن تحل هذه الخلية فضلاً عما في هذا الجسم: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21]، أمور مألوفة يظنها البعض أصبحت من مكتسباته؛ لذلك يلفت النظر مرة أخرى، فيقول: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ) [القصص: 71]، هذا الليل لو شاء أن يجعله سرمدًا إلى يوم القيامة من يأتيني بضياء؟! (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [القصص: 71]، (أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 63].

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رأينا في السماء علامات، وفي الأرض علامات، وفي الأنفس والجبال: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 68-70]، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك: 30]، (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك: 16، 17].

لذلك لفت النظر إلى السماء وما صنعها من إبداع وتناسق، لعل الناس يصدرون من هذا السقف الذي جعله محفوظًا يحفظ هذه الأرض، لعله يكون عبرة فيحد من سقف سفورهم وتعديهم على خالقهم؛ فقال -سبحانه وتعالى- في سورة تبارك المباركة: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك: 2، 3]، ما النتيجة؟! (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)، منكسر لا يرى عيبًا، ينظر مرة وثانية ليتأكد فلا يرى شقوقًا، لا يرى عيوبًا، ليطأطئ برأسه معترفًا بعظمة خالقه، معظمًا له، ساجدًا بين يديه، للمزيد حول عظمة الله -سبحانه تعالى- انظر في كتاب الله، وفي سنة رسول الله، وانظر إلى هذا الكتاب المفتوح في نفسك، وانظر إلى كتاب العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني -رحمه الله-؛ فقد جمع مادة رائقة لمن أراد أن يتذكر.

إخوة الإسلام: وما هذه الزلازل إلا تذكرة لقرب الآخرة؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه وهنا رواية مسلم: "لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل". وقد كثرت وصدق الله: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد: 18]، أي علاماتها المؤذنة بقربها، فهذه الآيات نذر لمن أراد أن يتذكر ويتعظ: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) بعد زلزال الدنيا يذكرنا بزلزال الآخرة -(فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا)-، فإذا كان هذا الزلزال أثار العقول وبيَّن عظمة الخالق وتطاول المساكن والناقلات والمباني والمنجزات والسيارات، فإن هناك زلزلة أخرى أشد وقعًا وأكثر صريخًا، قال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1-2].

(كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ) نكرة، فهو يعلق في الأسبوع الأول، أو امتلأ بطنها، وعلى وشك السقوط، (تَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا)، تذهل المرأة الرحيمة عن رضيعها، يسقط جنينها، (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى)، ما شربوا خمرًا أطاح بعقولهم وأضاع أفكارهم، (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) ترى عليهم من الذهول والخوف ما يشبه السكارى (وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)؛ لذلك قال: (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)، وقال: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا) [الواقعة: 4، 5]، الجبال الرواسي التي جعلها عنوان القوة تتحول إلى كثيب مهيل، يبسها تصبح كثيبًا تذروه الرياح: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)، أصناف ثلاثة: المسابقون، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، أصحاب العورات والفضائح والخزي: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [الشعراء: 87]، وقال في سورة الزلزلة التي هي من عظائم سور القرآن: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة].

هذا، وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله كما أمرتم بالصلاة عليه حيث قال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".

اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، اللهم ارض عن الأئمة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تعبهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين المجاهدين.

اللهم يا من زلزلت أرض اليابان: زلزل الأرض من تحت القذافي يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كما أريتنا عجائب قدرتك باليابان أرنا عجائب قدرتك بالقذافي ومن عاونه يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احقن دماء إخواننا في ليبيا وفي كل مكان يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذه خاصة وعن سائر بلاد المسلمين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي