ونحن في هذه البلاد -ولله الفضل والمنة- نعيش هذه النعم العظيمة، نعيش هذا الأمن العظيم، من تطبيق شريعة الإسلام، وتحكيم شريعة الإسلام، فعيشة هذه البلاد أمان واستقرار ورغد، جلبت لها خيرات الدنيا، واستغلت أرضها وخيراتها، وعاش هذا البلد آمنًا مطمئنًا ..
الحمدُ لله حمدًا لم يزَل مِدرارًا وكَّافًا، ونشكرُه سبحانه على ترادُف نعمائه شكرًا يتوالَى أضعافًا:
لك الحمدُ اللهم حمدًا مُخلَّدًا *** على نعمٍ لم تُحصَ عدًّا فتنفَدَ
ونسألك التوفيق للشكر إنـه *** يـكون لنعمـاء الإله مُقيِّدًا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تقدَّس أسماءً وجلَّ أوصافًا، شهادةً نُحقِّقُ بها تآزُرًا وائتلافًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، خيرُ من ألَّف الأشتات إيلافًا، صلَّى الله وبارَك عليه وعلى آله المُوطَّئين أكنافًا، وصحابته الأُلَى كانوا في التلاحُم أحلافًا، وعن التنازُع صُدَّافًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ من المُقتفين أسلافًا، وسلِّم يا رب تسليمًا عديدًا مديدًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: أنفسُ ما يُوصَى به دوامًا لمن رامَ اجتماعًا والتئامًا، وهفَا للحق اعتصامًا به والتِزامًا، وقصدًا للوحدة الإسلامية واعتِزامًا: تقوى الله دوامًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، فاتقوا الله تعالى واذكروه، وارعوا نعمة الله التي أنعم بها عليكم، وأخبركم أنكم لا تستطيعون عدها ولا حصرها، فإن النعم تتقيد بشكرها، وإن الله تعالى قد وعدكم بالزيادة إن شكرتم، وتوعدكم بالعذاب إن كفرتم، فقال -جل وعلا-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
وإن النعم تترادف علينا ترادفًا يعجز اللسان عن وصفها، فنحن -ولله الحمد والمنة- ندخل في نعم عظيمة، قلّ أن ينعم بها وطن أو بلد، بل هي الحقيقة ساطعة تقول: انظر حولك؛ لترى عظيم نعمة الله عليك؛ إذ إنك في بلد الإسلام، وهي من أجلّ نعم الله علينا نعمة الإسلام والتوحيد، التي لا يوازيها نعمة، وأعظمُ الشكر الإيمانُ بالله تعالى، وأداء فرائضه وواجباته، والبعدُ عن محرماته، ثمَّ شكر بقية النعم إجمالاً وتفصيلاً، كما أن أعظمَ كفران النعم الكفرُ بالرسالة بالإعراض عن الإيمان بالله تعالى، وترك فرائض الله وواجباته، وفعل المعاصي، ثم كفرانُ بقية النعم.
وان من أعظم نعم الله علينا بعد الإسلام: ما منّ الله به علينا من أمان واستقرار ورغد العيش، فإن نعمة الأمن في الأوطان نعمة عظيمة، وتأتي كل النعم بعدها، ولهذا ذكر الله في كتابه العزيز في دعاء الخليل -عليه السلام- لأهل مكة لما دعا لهم بتلك الدعوات: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)[البقرة: 126]، فبدأ الخليل بالدعوة لهم بالأمن؛ لأن الأمن يمكن بواسطته تحقق الخير والمصلحة، ويسأل عباده في مصالح دينهم ودنياهم، ولكن إذا حرموا الأمن فمن باب أولى أن تضطرب حياتهم ومعايشهم، ويُصابوا بالعلل والبلاء العظيم.
فنعمة الأمن أصل كل نعمة بعدها، فبالأمن تتحقق المصالح، بالأمن يحصل الخير، بالأمن تطمئن القلوب، بالأمن يعيش العباد آمنين على دينهم ودنياهم ومحارمهم، وإذا انعدم الأمن -والعياذ بالله- فكل شر وكل بلاء منتظر في أي مجتمع فَقَدَ الأمن، فيجب علينا أن نشكر الله عليها، ونثني على الله بها، ونسأله أن يديمها علينا فضلاً وكرمًا، فلو نظرنا إلى وضع الكثير من دول العالم لرأينا العجب العُجاب، نرى بلادًا تشقها الأنهار من جوانبها، عذبة الماء، خصبة طيبة الأرض والتربة، ولكن لما فقد أهلها الأمن والاستقرار صاروا عالة على غيرهم، وصارت حياتهم حياة شقاء وبلاء، تهددهم المجاعة كل عام، وحين يخلصون من بلية وقعوا في بلية أخرى، والعياذ بالله، فهم دائمًا في شقاء، يرون النعمة ولا يستطيعون أن يعملوا شيئًا، تربة طيبة، وماء عذب، وخيرات متوافرة، لكن الأمن مفقود، وتحولت بلادهم بعد الرغد والأمن والاستقرار، إلى شقاء وانقسام، طوائف وأحزاب، كلٌّ ضد صاحبه، هكذا أوضاعهم لما فقدوا نعمة الإسلام، والأمان والاستقرار، وصاروا لعبة بيد غيرهم، وصاروا ضحية بمؤامرة أعداءهم.
ونحن في هذه البلاد -ولله الفضل والمنة- نعيش هذه النعم العظيمة، نعيش هذا الأمن العظيم، من تطبيق شريعة الإسلام، وتحكيم شريعة الإسلام، فعيشة هذه البلاد أمان واستقرار ورغد، جلبت لها خيرات الدنيا، واستغلت أرضها وخيراتها، وعاش هذا البلد آمنًا مطمئنًا.
ومن تلك النعم: الصحة في الأبدان، وهذه الأموال التي تتضاعف وتتوفر بغير مثالٍ لها في بلادٍ أخرى، فنحن نعيش اليوم راحة في جميع متطلبات الحياة الدنيا، جعلتنا ننعم بسائر نعم الله من مخترعاتٍ حديثة، قربت لنا البعيد، وأتتنا بكل جديد، لبسنا بها فاخر الثياب، وركبنا أفخم المراكب، ونزلنا المساكن المريحة، وتعليم مستمر حتى كافح الأمية، بلادنا كانت صحراء قاحلة، تحولت مروجًا خضراء، وسار عبر صحرائها الماء الزلال، لم يقف رملُ الصحاري عقبة دونه، وخضعت لعزيمة الرجال الجبال. ولست بمستطيع أن أعدد أو أحصر، ولكن أذكركم أن أسواقنا تلقي بسائر أنواع الملذات، لا تكاد تنقطع عنا في الصيف ولا في الشتاء: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 18]، ثم بعد ذلك بما وفق الله هذه البلاد من اجتماع الصف، وتوحيد الكلمة على ما يحب الله ويرضاه، هيّأ الله لها رجالاً مخلصين بذلوا كل جهد في سبيل ما يصلح هذا البلد ويؤمِّنه ويحفظه بتوفيق الله من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، فاشكروا الله -عباد الله- على هذه النعم التي يتمناها غيرنا.
ولا شك أننا محسودون على ما نحن فيه، يحسدنا أعداؤنا على نعمة الإسلام وعلى الأمن الذي نعيش فيه مطمئنين آمنين على ديننا، آمنين على أموالنا، وعلى محارمنا حاقدين على ما منَّ الله به على هذه البلاد التي لم تستطع قوتهم المادية -مهما بلغت- أن تحقّق لهم شيئًا من ذلك، إنهم يسعون جاهدين أن يجدوا بيننا شيئًا مما يسبب زوال شيء من هذه النعم. نسأل الله أن يديم علينا نعمة الإسلام والأمن والاستقرار.
عباد الله: إن تذكيرنا لكم ببعض نعم الله التي تترادف عليكم في هذا البلد الأمين، إنما هو امتثال لأمر رب العالمين في كتابه المبين: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11]، فواجب عليكم التحدث بتلك النعم التي جعلت الصديق يحسدكم، فما بالكم بالعدو ولله الحمد من قبلُ ومن بعد، أقول: إننا نذكّر بها؛ لأن النعم إنما تترادف وتدوم وتزداد إذا شكرت، وأدى الناس حقوقها، فيجدر بنا -أيها الإخوة- أن نتحدث ونلهج بذكر الله وشكره ودعائه واستغفاره، ونطلب المزيد من فضله، ونستجلب رضاه ونعمه بطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر؛ لتدوم هذه النعم، وأن تجتنب المعاصي التي هي أسباب النقم وزوال النعم، إننا في أمس الحاجة إلى هذه النعم ولا غنى لنا عنها أبدًا؛ لذا فلا بد من المحافظة عليها، وذلك بشكر الله والحذر من أسباب زوالها وتحولها.
ولنعلم أنه قلَّ أنْ زالت نعمة عن قوم ثم عادت إليهم، فما أحوجنا إلى شكر الله والاستقامة على دينه، مصدر عزنا وفخرنا، وسبب أمننا واستقرارنا ورخائنا. فلله الحمد أولاً وأخيرًا، وله الشكر والثناء، وإن من نعم الله تعالى علينا –يا عباد الله- أن جعل لنا من المتقين إمامًا، إمامنا وولي أمرنا المليك عبد الله بن عبد العزيز -خادم الحرمين الشريفين-. نسأل الله تعالى أن يطيل في عمره، وأن يوفقه ويديم عِزَّه؛ حيث أودع الله في قلبه الرحمة على شعبه، أحبّه شعبه وأحبوه، من كبير وصغير، وذكر وأنثى، في هذه البلاد المباركة، الذي يعايشهم في السراء والضراء، ويتلمس احتياجاتهم، ويتتبع اهتماماتهم، ويلبي متطلباتهم؛ لتحسين مستوى معيشتهم والرقي بهم إلى ما تتحقق بهم طموحاتهم، وتتذلل به عقباتهم، فتتوالى مكرماته عليهم، وهذا ليس بمستغرب منه حفظه الله.
ففي يوم الجمعة الماضية، أصدر خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- عددًا من الأوامر الخيـِّرة وقرارات الخير في شتى المجالات التي جاءت لرفع المستوى المعيشي والخدمي للمواطن السعودي، والتي جاءت كبشائر المطر لأبناء شعبه، فلقد أسعد الجميع بأوامره المباركة؛ ليقرأ منها الشيء الكثير لهذا الوطن المبارك، وعكست اللحمة الوطنية الصادقة بين الملك وشعبه وبين القيادة والمواطن، والعطاء المستمر على كافة المستويات، ورفعت من قيمة العلم والعلماء، والتأكيد على الهوية الإسلامية للمملكة العربية السعودية، ودعمت المواطنين، واهتمت بجانب الصحة والإسكان ومشكلة البطالة ومكافحة الفساد؛ حيث استهدفت جميع أفراد المجتمع، سواء العاملين في الجهات الحكومية أم الأهلية من مدنيين وعسكريين، وكذا غير العاملين من الأبناء والبنات، والأسرة السعودية بعمومها؛ حيث دخلت جميع البيوت والأسر، وتهم جميع شرائح المجتمع، وتفتح فرصًا وظيفية للمواطنين والمواطنات لخدمة هذا الوطن، ورد جزء يسير من خيراته علينا، إضافة إلى جميع مؤسسات الدولة الخيرية والإنسانية والدعوية. فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
أيها المسلمون: مازلنا نعيش فرحة الأوامر الملكية التي تفضل بها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله وبارك في عمله وعمره-؛ ما يؤكد حرص ولاة أمرنا في هذه البلاد على تلمس احتياجات المواطنين وتتبع اهتماماتهم، وعلى تحسين مستوى معيشتهم والرقي بهم إلى ما تتحقق به طموحاتهم، وتتذلل به عقباتهم، فكم من كربة بهذه المكرمة نُفست!! وكم من ضائقة بهذه المكرمة فرجت!! وكم من ظلمة بهذه المكرمة بددت!! وكم من أسرة بهذه المكرمة قد أسعدت!! وكم من ديون بهذه المكرمة سددت!! وكم من ابتسامة بهذه المكرمة على الوجوه قد ارتسمت!! وكم من دمعة بهذه المكرمة عن الخدود قد كُفْكِفت!!
فكان لهذه الأوامر في كل مجلس حديث، كما تصدرتها وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة المحلية والعالمية بالتحدث عنها، وهي الجديرة أن يكون لها في هذا المقام حديث، والحديث عنه في هذه الوقفات:
الوقفة الأولى: لا شك أن هذه الأوامر من فيض الخير الذي يحمله الملك عبد الله لأبنائه، وتسجل بمداد من ذهب ذلك النهج الإنساني الشفاف، الذي اتسم به تعامل والدنا الملك عبد الله مع شعبه، وقربه من احتياجاتهم وما يحقق مصالحهم.
إن هذه الأوامر تبرز مدى إحساسه -يحفظه الله- بأبنائه المواطنين، ومسارعته لما يحقق خيرهم في مسيرة رحيمة شاملة تعبر عن مدى التلاحم بين القيادة والشعب، وتضاعف محبة ولاة الأمر في القلوب، وإن منهجيته -حفظه الله- في هذه الأوامر وما سبقها من قرارات امتداد للمنهج الشرعي في تعامل الملك المؤسس عبد العزيز -طيب الله ثراه- معتمدًا الشريعة الإسلامية أساسًا للحكم، قائمًا على الرحمة وحب الخير للإنسانية.
وإن المتأمل -من خلال استقراء هذه الأوامر- يستشف عمق الانتماء والمسؤولية التي تجسدها مبادرته -حفظه الله- ووقوفه مع جميع أبناء شعبه، وهى مسؤولية أثبتها تاريخه -حفظه الله- في جميع المحطات المهمة في سجل بلادنا وأمتنا؛ لذا فلا عجب أن يستولي حب خادم الحرمين الشريفين على القلوب وقد سخروا كافة الطاقات لتذليل كل العقبات وإعزاز الوطن والمواطن.
الوقفة الثانية: احتواء أوامر وقرارات خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- على الجانب الأخلاقي والمهني والشرعي، واحترام الجانب الشرعي؛ ما يدل على حرصه -حفظه الله- على تثبيت دعائم الحكم الإسلامي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سفينة النجاة، وتعظيم الكتاب والسنة وتوقير العلماء، وموقف المملكة من المكاتب الدعوية، ودعم القرآن والقائمين عليه من الجمعيات الخيرية للتحفيظ، وتعظيم رسالة المسجد في الإسلام، وإنشاء ملتقى للعلماء لمدارسة القضايا الفقهية المستحدثة.
فأول هذه القرارات: التأكيد على احترام مكانة العلماء؛ لتحقيق ذلك في آداب التعامل مع عُلمائنا، وعدم التعرّض لسماحة المفتي العام؛ وذلك استشعارًا منه -يحفظه الله- بما يجب نحو عُلمائنا الأفاضل، وهم أهل العلم، وحراس العقيدة، وَمَنْ حباهم الله بحُسن الهَدْي، وعلو السّمْت، على جادة شرعنا المُطهر، بوسطيته واعتداله، وسعة أفق حَمَلَتِهِ، في مشمول ما أكدوا عليه في فتاواهم، وقراراتهم، وبياناتهم، ومحاضراتهم، فمثّلوا -بحمد الله- الامتداد العلمي لسلفنا الصالح، في سياق مبارك لا نستغربه من عُلمائنا الموفقين -بفضل الله عليهم- للنهل من معين الكتاب والسنة، بعيدًا عن مزالق البدع والأهواء، والغلو والتطرف، على محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وحرصًا منه -يحفظه الله- على أن يعكس الإعلام نهج الدولة المُستند إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لتحقيق ذلك في آداب التعامل مع عُلمائنا من خلال عدم المساس أو التعرض لسماحة مُفتي عام المملكة، وأصحاب الفضيلة أعضاء هيئة كبار العُلماء، بالإساءة أو النقد، ولأهمية التقيد بذلك والحرص عليه.
ثانيًا: دعم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وانطلاقاً من قول الحق سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110]، وقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]، وإيمانًا منه -يحفظه الله- بأهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثرها العظيم في سلوك المجتمع المسلم، وحرصًا على دعم هذه الفريضة الإسلامية التي أولتها المملكة ما تستحق من العناية والرعاية، اعتزازًا منا برفع شعارها، ودعم رجالها، ورعاية أعمالها.
ثالثًا: دعم مكاتب الدعوة والإرشاد: فحرصًا منه -يحفظه الله- على استمرار الدولة في اضطلاعها بواجبها في الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيدًا عن أساليب الغلو والتطرف، اقتداءً بنهج سلفنا الصالح في الوسطية والاعتدال.
رابعًا: دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم انطلاقًا من أهمية حفظ وتعلم الكتاب الكريم، وأثره المبارك على تربية النشء، متى ترسّخ في وجدان كل منا فهم معانيه العظيمة، وإدراك مقاصده السمحة، بعيدًا عن مفاهيم الغلو والتطرف، وارتياحًا منّا للعمل المبارك الذي تضطلع به الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.
خامسًا: دعم لترميم المساجد والجوامع: فعلى هدي من قول الحق -جل جلاله-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18]، وحرصًا منه -وفقه الله- على أن تظهر بيوت الله بما يليق بها من البناء والتجهيز والعناية والرعاية لتحقق لها العمارة الحسية والمعنوية، واستشعارًا للمسؤولية الشرعية نحو هذه الأماكن الطاهرة، والتشرف بخدمتها، وتلمس احتياجاتها.
سادسًا: إنشاء المجمع الفقهي السعودي: ليكون مُلتقىً علميًّا تُناقَشُ فيه القضايا والمسائل الفقهية، تحت إشراف هيئة كبار العُلماء، بحيث يتم من خلاله استقطاب العديد من كفاءاتنا الشرعية المؤهلة، وإتاحة الفرصة لهم لتقديم أطروحاتهم العلمية ومناقشتها، وإبداء الرأي حيالها، بقرارات علمية رصينة، تراعي ثوابتنا الشرعية، في أفق المبادئ العلمية، والأسس المنهجية لهيئة كبار العُلماء، بما يتيح مستقبلاً اختيار المُبَرّزين من بينهم لمناصب علمية أعلى، ويخفف العبء على أعمال هيئة كبار العُلماء؛ لتتفرغ لمهامها بالتصدي للمسائل والقضايا الكبار، وكذا تخفيف العبء على أعمال اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لتتفرغ لمهامها بالنظر في الفروع الفقهية المتعلقة بأسئلة المستفتين.
سابعًا: إنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء: انطلاقًا من قول الحق -جل وعلا-: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7].
واستشعارًا من ولي الأمر -وفقه الله- بأهمية الفتوى وتبصير الناس بشؤون دينهم في مسائل الحلال والحرام، ولما أنعم الله به على بلادنا بالكفاءات الشرعية المؤهلة التي تقدرها مرجعية الفتوى، وتحسن اختيارها، وتسدد خطاها، أمر -يحفظه الله- بإنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، في جميع مناطق المملكة.
ثامنًا وأخيرًا: اذكّر نفسي وإياكم -أيها المسلمون- الالتزام بطاعة وليِّ الأمر في صالح الأمور في الغيبة والحضور، وشدِّ أزره، وتعزيز أمره، وحمدِه على جميل مسعاه، وشكره على ما أولاه، وصح الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه".
فنسأل الله أن يجزي ولي أمرنا عنا خير الجزاء؛ فإن من علامات الخيرية فيه محبته للناس ومحبة الناس له؛ كما قال -عليه الصلاة والسلام- من حديث عوف بن مالك الأشجعي أنه قال: "خيار أئمتكم من تحبونهم ويحبونكم، وتصلون لهم ويصلون لكم...". الحديث. أي تدعون لهم ويدعون لكم.
فاللهم انصر ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، اللهم أيده بتأييدك وانصر به دينك، اللهم كن له معينًا ونصيرًا، وأعنه وانصره على أعدائك وأعدائه، اللهم احفظه لنا وامدده من عندك بالصحة والعزم والقوة والشجاعة والحكمة، والقدرة والتوفيق لما فيه مصلحة العباد والبلاد والأمة الإسلامية قاطبة، فاللهم اجعله ممن كتبت آثاره في هذه الأرض، واجعله ممن ينصر دينك ويعلي كلمتك وينشر سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم اجعله لدينك ولأمتك ناصرًا، ولشريعتك محكمًا وأعنه على قيادة بلادنا للخير والفلاح، وقيادة الأمتين -السعودية والإسلامية- للعزة والنصر يا رب العالمين، اللهم أدم علينا نعمة الإسلام والأمن والاستقرار، ووفقنا جميعًا لشكر نعمتك، والاستقامة على طاعتك، واجعلنا اللهم ممن إذا أعطي شَكَرَ، ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لنا في ذرياتنا، إنا تبنا إليك وإنا من المسلمين.
نفعني الله وإياكم بهدي الكتاب واتباع سنة النبي المجاب.
قد قلت ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، أقول هذا القول، وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، إنه هو الغفور التواب.
الحمد لله أحمده على نعمه الغزار الظاهرة والباطنة، والتي لا نستطيع لها حصرًا، نحمده سبحانه إنه بدّل لنا الخوف أمنًا، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وعد من اتقاه بأن يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير الناس وأفضلهم وأجلهم قدرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم ودعا بدعوتهم سرًّا وجهرًا، وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: إن من الأمور الواجبة على الناس، وألزم شيء عليهم تجاه إمامهم وولي أمرهم: الدعاء له بالصلاح والتوفيق والتسديد، فأكثروا من الدعاء لولي أمركم؛ فإن بصلاحه صلاح البلاد والعباد، ذكر الطرطوشي في كتابه سراج الملوك أن الفضيل بن عياض قال: "لو ظفرت ببيت المال لأخذت من حلاله، وصنعت منه أطيب الطعام، ثم دعوت الصالحين وأهل الفضل من الأخيار والأبرار، فإذا فرغوا قلت لهم: تعالوا ندعو ربنا أن يوفق ولي أمرنا وسائر من يلي أمرنا".
وقال الفضيل أيضًا: "لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان".
فالزموا نهج المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، واتبعوا طريقة صحابته، وعليكم باجتماع الكلمة، وألحوا في الدعاء لإمامنا وولي أمرنا، أن يلهمه الله التوفيق في قوله وعمله، هذا وصلوا وسلموا على خير الورى؛ امتثالاً لأمر الله -جل وعلا- في قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على النبي المُجتبى، والحبيب المُصطفى: نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الشرفاء، وصحابته الأوفياء، ومن دعا بدعوتهم واقتفى، يا خير من تجاوز وعفا، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين ذوي القدر العلِيِّ والشرفِ الجَلِيِّ: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي