دروس وعِبر من قصة الهجرة

عبد الله بن حسين العمودي

عناصر الخطبة

  1. المدافعة بين الخير والباطل سنة كونية
  2. الهجرة النبوية إيذان بقيام الدولة
  3. اضطهاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في مكة
  4. قصة الهجرة
  5. العبر والدروس التربوية المستفادة من الهجرة

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أظهر دينه، وأَعزَّ جنده، ونصر عبده، وصدق وعده، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له لا رادَّ لحكمه، ولا مُعقب لأمره، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلَّغ رسالة ربه، ونصح لأمته، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.   

أمَّا بعد:

فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فمن أرادَ الفلاحَ فليسلك سبيل المتقين، ومن أَحبَّ أن يكونَ الله وليَّه فالله وليُّ المتقين، وأكرمُ الناس عند الله أتقاهم، والآخرة عند ربِّك للمتقين.

الساعي لغيرِ باب الله عاثِرُ القدَم، والشاكرُ لغير نِعَم الله مسلوبُ النِّعم. العُمُر محسوب، والعمَل مكتوب، والعاقبةُ للتقوى.

أيُّها المسلمون: المدافعة بين الحق والباطل أمرٌ قائم على مر العصور، والحق وإن ضعف في مكانٍ أو زمانٍ ما، فإنَّ مآله إلى الغلبةُ والظهور، قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

أيُّها المسلمون: وكلمَّا أقبل عامٌ هجري تذكّر المسلمون ذلك الحَدث الجليل في تاريخهم الإسلامي، إنَّه الحدث الذي كان إيذاناً بقيام دولة الإسلام، والفجر المشرق لعهدٍ جديد من مراحل الدعوة إلى الله، إنَّه حدثُ الهجرة النبوية، تلك القصة التي حوت بين طياتها دروساً وعِبَرا، تعود على متأملها بالنفع والفائدة، وكم هي الحاجة في واقعنا لقراءة هذا الحدث بنظرةٍ متدبرة ومتأنية لنستلهم منه الإضاءات في طريقنا. 

أيها الإخوة: لمَّا بُعِثَ نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- وأُمِرَ بالدعوة إلى الله، استجابَ لأمر ربه، فظلَّ يدعو بمكة ثلاثةَ عشر عاماً سلك فيها وسائلَ شتى وطرقاً متعددة، عانى وصبر، وتحمَّلَ وبذل، وبعد سنواتٍ من الدعوة السريةِ والجهرية وجد الصدود من غالب قومه، ولم يُسلم إلاَّ قلة مؤمنة ذاقت في سبيل إيمانها بربها ألواناً من التعذيب والاضطهاد كانت تُؤثر في نفس النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أعظم تأثير، ولكنه لم يكن يملك لأصحابه حولاً ولا قوة، وفي ظلِّ اشتداد المحنة لاَحَ في الأفق أملٌ جديد؛ إنَّها رؤيا يراها -صلى الله عليه وآله وسلم- ورؤيا الأنبياء حق، يرى أنَّ الصحابة يُهاجرون إلى أرضٍ ذاتِ نخل بين حرتين، فأولَّها بالمدينة، أَذِنَ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لأصحابه بالهجرة، فكان أولَ من هاجر أبو سَلَمة بن عبد الأسد، ثُمَّ عامر بن ربيعة، ثُمَّ عبد الله بن جحش، ثُمَّ تتابع المسلمون ولم يبقَ بمكة إلاَّ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- وقلةٌ من المسلمين منهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، وذات يومٍ في نحر الظهيرة، اتجه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى بيت صاحبه وأقرب الناس إلى قلبه الصديق أبو بكر، وجاء متغطياً بثوبٍ عن أعين كفار قريش، فاستأذن فأُذِنَ له، فقال لأبي بكر -رضي الله عنه-: أخرج من عندك، فقال: إنمَّا هم أهلك بأبي أنتَ وأمي يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: لقد أُذِنَ لي بالهجرة، فقال الصديق: الصحبة يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: نعم، فقال أبو بكر: خذ إحدى راحلتي هاتين -وقد كان له راحلتان ظلَّ منذ فترة يعلفهما ويُعنى بهما انتظاراً لهذه الساعة- قال -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي بكر: "بالثمن".

وفي تلك الأثناء كانت قريش قد جُنَّ جنونها من هجرة الصحابة إلى المدينة، وقد بدأوا يشعرون بالقلق من هذا التحول الكبير، والمستقبل الذي ينتظرهم، فأخذوا في التشاور في أمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ومن بقي معه من الصحابة، وأرادوا أن يضعوا حلاً نهائياً لهذه الدعوة، فقرروا في اجتماعٍ مشؤومٍ وحاسم قتل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأن يتولى ذلك رجلٌ واحدٌ من كل قبيلة؛ حتى يتفرق دمه بين القبائل، ولا يستطيع عصبة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يطالبوا بدمه، هذا هو مكرهم والله بما يعملون محيط: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ(30)﴾، فَنَزلَ جبريلُ -عليه السلام- بالوحي؛ ليُعلم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بخبر تلك المؤامرة والمكيدة، وقال له: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنتَ تبيتُ عليه، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم- لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "نَمْ على فراشي، فإنَّه لن يخلص إليك شيءٌ تكرهه منهم"، وفي الليل وبينما قريشٌ تُعِدُّ العُدَّة لتنفيذ مؤامرتهم، إذا بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يخرج من بيته، ويمر من بينهم، فيأخذ حفنة من البطحاء، فجعل يذره على رؤوسهم، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو قول الله -عزَّ وجل-: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً…﴾، ومضى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى بيت أبي بكر وخرجا متجهين إلى غار ثور باتجاه اليمن، وفي الطريق استأجر عبد اللهَ ابن أُريقط الليثي ليكون دليلاً لهما في طريقهما، لكونه عارفاً بالطريق، وبينما قريشٌ تنتظر إذ مرَّ بهم رجلٌ ممَّن لم يكن معهم، فقال لهم: ما تنتظرون؟! قالوا: محمداً، قال: خبتم وخسرتم، قد والله مرَّ بكم، ثُمَّ دخلوا فإذا بعلي بن أبي طالب نائم، فضربوه ونالوا منه، ثُمَّ ذهبوا إلى بيت أبي بكر يسألون عنه، فقالت ابنته أسماء: لا أدري والله أين أبي؟! فرفع أبو جهل يده، فلطم خدَّها لطمة طرح منها قرطها -وكان رجلاً فاحشاً خبيثاً-.

واجتهدت قريشٌ في البحث في كل الاتجاهات، ووضعوا مكافأةً ضخمة قدرها مائةُ ناقة لمن يعثر على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وصاحبه الصديق، فجدَّ الفرسان، والمُشاة، وقُصاص الأثر في الطلب، وانتشروا في الجبال والوديان، وكان منهم سُراقة بن مالك من بني مُدلج، وهو قومٌ يُعرفون بقص الأثر، فما زال يتبع آثارهم حتى وصل إليهما، فكان كلما أراد أن يقترب منهما ساخت يدا فرسه في الأرض، حتى بلغت الركبتين، قال سُراقة: فوقع في نفسي حين لقيتُ ما لقيت من الحبس عنهم أنْ سيُظهرُ اللهُ أمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فأتاهم وطلب منهم الأمان، ثُمَّ عرض عليهم الزاد والمساعدة، فلم يسألاه شيئًا، بل قالوا: أخفِ عَنَّا، وفي طريقهما مرَّا بخيمتي امرأة مُسنة من خزاعة اسمها أم معبد، وكانت تُطعم وتسقي من يمرُّ بها، فسألاها: هل عندكِ شيء؟! فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القِرى أي: الضيافة، والشاءُ عازب أي: لا لبن فيها، فمسح النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بيده ثديها، وسَمَّى الله ودعا، فدَرَّت اللبن، ورأت أم معبد شيئاً من أمارات نبوته -صلى الله عليه وآله وسلم-، فلمَّا جاء زوجها قصّت عليه الخبر، وواصل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مسيره إلى المدينة، وفي يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول من السنة الرابعة عشرة من النبوة نزل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بقباء، فاستقبله المسلمون فرحين مستبشرين، وكانوا قبل ذلك قد علموا بمقدمه، وكانوا كل يوم يتحرونه، وكان يوم مقدمه يوماً عظيماً مشهوداً لم تشهد المدينةُ مثله، قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "ما رأيتُ يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-".

وأقام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في بني عمرو بن عوف أربعة أيام، وأسس فيها مسجد قباء -أول مسجدٍ أسس على التقوى بعد النبوة-، وفي يوم الجمعة سار داخلاً المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلَّى هناك، ثُمَّ دخل المدينة، وارتجت البيوت والسكك بأصوات التحميد والتكبير فرحاً بمقدمه، وبناتُ الأنصار يُنشدن فرحاً هذه الأبيات:

أشرقَ البدرُ علينا *** من ثنيَّات الوداع

وجبَ الشكرُ علينا *** ما دعـا لله داع

أيُّها المبعوثُ فينا *** جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة *** مرحباً يا خير داع

هذا هو خبر الهجرة على وجه الإيجاز، والقصةُ مبسوطةٌ في كتب السيرة.

بارك الله لي ولكم…  

الخطبة الثانية:

أمَّا بعدُ:

أيُّها الإخـوة: قصة الهجرة قصةٌ تحمل بين طياتها فوائدَ مهمة، وعبراً جمَّة، فمن فوائدها:

أولاً: أنَّ فيها دلالةً واضحة على حجم الجهد الذي بذله نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- لإيصال دعوة الإسلام لأمته متحملاً في ذلك ألواناً من المشاق، فقد حفيت قدماه وأُدميتا، وفي يوم أُحد شُجَّ رأسه، وكُسرت رَباعيته، وظَلَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- صابراً محتسباً حتى أَقرَّ عينه بدخول الناس في دين الله أفواجاً، فجزاه الله بخير ما جزى نبياً عن أمته، وحريٌّ بنا أن نعرف قدر نعمة الإسلام، ونرفعَ بها رأساً، ونشرف بالانتساب إليه، ونعمل بأحكامه برضاً وتسليم.

ثانياً: الإيجابيةُ والمبادرة صفةٌ عظيمة يتحلَّى بها المسلم، والناظر في سيرة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- يرى الإيجابية سِمةً بارزةً في شخصيته، فمنذ أن أسلم انطلق يدعو إلى الله، ولم يبخل بهذا الخير على غيره، ولم ينتظر تكليفاً من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بذلك، ويومَ أن جاءه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ليُعلمه بهجرته بادر بقوله: "الصحبةُ يا رسول الله"، لم يتردد ولم يتقاعس، بل كان حُبُّ الإسلام ونصرته يملآن قلبه، ويجريان في دمه وعروقه، وبذل نفسه وسخر أهله وماله لخدمة دينه، ونصرة نبيه حتى قال -صلى الله عليه وآله وسلم- في حقه: "ما لأحدٍ عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يداً يُكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مالٌ قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً". رواه الترمذي.

ثالثاً: في هذه الهجرة يتبيّن لنا أهمية أخذ المسلم بالأسباب، مع يقينه بربه -تبارك وتعالى- وتوكله عليه، وفي حدث الهجرة اتخذ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أبا بكرٍ -رضي الله عنه- صاحباً له، وكتم خبر هجرته، ولم يُطلع عليه أحداً، وأمر علياً -رضي الله عنه- أن ينام في فراشه، وخرج ليلاً لا نهاراً، واتخذَّ عبد الله بن أُريقط الليثي -وهو كافر- دليلاً؛ ليُرشدهم على الطريق، وهو -صلى الله عليه وآله وسلم- مع ذلك إمام المتوكلين، يعلم أنَّها أسباب، وأنَّ المسبب هو الله -تبارك وتعالى-.

رابعاً: معية الله لأوليائه معيةَ تأييد وتيسير، فمهما ضاقت بهم السبل، جعل الله لهم في غيرها فرجاً ومخرجاً، ويسّر أمرهم من حيث لا يحتسبون، وذلك لا يكون إلاَّ لمن صَدَقَ في إيمانه بربه وتوكله عليه.

خامساً: تفاؤله -صلى الله عليه وآله وسلم- وثقته بنصر الله له، فمع شدة الكرب الذي كان يعيشه، وتكالب أقرب الناس عليه، إلاَّ أنَّه كان متفائلاً أعظم التفاؤل، فلمَّا لحق بهما سُراقةُ بن مالك قال له: "كيف بكَ إذا لبستَ سواري كسرى"، وهو ملك الفرس ومملكته من أعظم الممالك قوةً وبطشاً آنذاك، يقول هذا وهو رجلٌ مطارد ليس معه شيء، لكنَّ الأيام تمر، ويتحقق ذلك الوعد في عهد الفاروق -رضي الله عنه- حينما فُتحت فارس، وجيء إلى عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه، فدعا سُراقة بن مالك فألبسه إيَّاهما، وقال: "الحمد لله الذي سلبهما كسرى بنُ هرمز، وألبسهما سُراقةُ بنِ مالك بنِ جُعْشَم أعرابيٌ من بني مُدلج، ورفع عمرُ بها صوته".

سادساً: أنَّ من ترك شيئاً لله عوَّضه اللهُ خيراً منه، فقد ترك المهاجرون -رضي الله عنهم- ديارهم وأموالهم رغبةً فيما عند الله، وامتثالاً لأمره، فعوضهم اللهُ خيراً، فتح عليهم البلدان، وأغدق عليهم الأموال، وألَّف بينهم وبين إخوانهم من الأنصار، وقامت دولةُ الإسلام، واجتمعت كلمةُ المسلمين، وعلا شأنهم.

سابعاً: عِظَم دور الشباب في الإسلام، فقد كان عبد اللهِ بنُ أبي بكر الصديق يأتي إليهما بالزاد ليلاً، ويذكرهما لهما ما يدور بمكة، فكان -رضي الله عنه- سبباً من أسباب نجاح الهجرة، وما زال في أمتنا خيرٌ وبقيةٌ إلى قيام الساعة، فهي أمة وَلاَّدة.

ثامناً: وللمرأة دورها كذلك في نصرة دين الله، فقد كان لأسماء وعائشة ابنتي أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- دورٌ مهم في تجهيز راحلة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأبي بكر، وتكتمهما على الخبر، وتزويدهما بالزاد، إلى غير ذلك ممَّا قامتا به.

تاسعاً: مكانة المسجد العظيمةِ في الإسلام، لذا كان أولَ عملٍ عمله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حين مقدمه إلى المدينة أن بنى مسجدَ قُباء، فالمسجد ليس موطن عبادةٍ فحسب، بل له مهامه ووظائفه الكبرى في حياة الأمة الإسلامية.

عاشراً: الأخوة الإيمانية أعظمُ رباطٍ، وأوثقُ علاقة، ولهذا حرص النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على الـمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، واجتمعوا على بناء دولة الإسلام متحابين متآلفين، بعد أن كانوا على أحوالٍ وعادات في جاهليتهم، وهي مِنَّةٌ عظمى من الله -عزَّ وجل- كما قال سبحانه: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

عباد الله: ها أنتم في شهرٍ من أشهر الله الحرم، التي يعظم شأنها عن غيرها من الشهور، وممَّا يُستحب في هذا الشهر كثرة صيامه، في الحديث يقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: "أفضل الصيام بعد الفريضة شهر الله الذي تسمونه المحرم". رواه مسلم.

ومن آكد أيامه وأَشدّها استحباباً اليوم العاشرُ منه الذي نجَّا الله فيه موسى -عليه الصلاةُ والسلام- وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى -عليه الصلاةُ والسلام- شكراً لله، ولمَّا قَدِمَ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وجد اليهود صياماً ليوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟! قالوا: هذا يومٌ عظيم نجَّا اللهُ فيه موسى -عليه الصلاةُ والسلام- وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "نحن أَحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه". وقال في فضله: "أَحتسبُ على اللهِ أن يُكفرَّ السنةَ التي قبله". رواه مسلم.

وممَّا يُستحب مخالفة اليهود بصيام يومٍ قبله أو يوم بعده، في الحديث: "صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده؛ خالفوا اليهود". رواه أحمد.


تم تحميل المحتوى من موقع