وإني أدعو نفسي وإياك -أخي المبارك- إلى أن تعيش بكل ما أمكنتك مشاعرك، وبكل ما أقدرتك أحاسيسك، وبكل ما وسعك قلبك، وما امتد إليه عقلك، عِظَمَ هذا الحفاوة الربانية بك، من جهتين: لأنك إنسان، والإنسان مكرم، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى? كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)؛ ولأنك مسلم، وليس مسلماً فحسب! بل مسلم في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، الأمة المجتباة ..
أما بعد: فلقد عاشت هذه البلاد بكل مدنها ومؤسساتها، وبكل بيت فيها، بهجة الفرحة بمقدم خادم الحرمين الشريفين، وعودته من رحلته العلاجية إلى أبناء شعبه، وهي فرحة ملأت أرض الوطن، وجوَّهُ، وشرقه وغربه وشماله وجنوبه، من شعارات الترحيب، وهتافات، وغير ذلك.
ودخلت في حالة تأمل في هذه الحفاوة، وفي هذه البهجة، فتذكرت حفاوة واحتفاء هو أكبر من هذا كله، وأعظم فرحة، وأشد صدقا، وأكرم من كل فرحة دنيوية؛ تذكرت بهذه الحفاوة حفاوة لا تخطر على قلب بشر، إنها حفاوةُ اللهِ ربِ العالمين بالعبد الضعيف، بك أيها الإنسان.
وحين تأملت في حفاوة الله تعالى وتكريمه للإنسان، لا سيما أهل الإيمان، عجزت عن ملاحقة صورها وشواهدها؛ لكثرتها التي لا تعد، ولن يحصيها عبد، وقد قال الله تعالى: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34]، فالله ملِك الحمد .
أيها المسلمون: إنَّ حفاوة المخلوق بالمخلوق مهما بلغت عظمةً فهي إلى فناء صائرة، وبتقصير وظلم محفوفة، وبالعجز والنقص مدخولة؛ لأنها من مخلوق لا ينفك عن عجز قدرته، وقلة حيلته؛ بينما حفاوة الله تعالى حفاوة باقية بلا فناء، وممتدة بلا انقطاع، وسابقة بلا ابتداء، وباقية بلا انتهاء؛ بل إننا نعيش هذه الحفاوة لحظة بلحظة، وساعة بساعة، لا تنقطع أبدا، ولكننا لا نلتفت لها، ولا نلقي لها بالا، ومع ذلك تستمر. وأين تقع حفاوة الرب تعالى من حفاوة مخلوق؟! لا يستوون. الحمد لله رب العالمين.
وإني أدعو نفسي وإياك -أخي المبارك- إلى أن تعيش بكل ما أمكنتك مشاعرك، وبكل ما أقدرتك أحاسيسك، وبكل ما وسعك قلبك، وما امتد إليه عقلك، عِظَمَ هذا الحفاوة الربانية بك، من جهتين: لأنك إنسان، والإنسان مكرم، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70]؛ ولأنك مسلم، وليس مسلماً فحسب! بل مسلم في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، الأمة المجتباة، والأمة المصطفاة، فالله ملك الحمد.
من معالم هذه الحفاوة الجليلة وصورها أنَّ الله تعالى جعلنا أشرف مخلوق، وفضلنا على سائر المخلوقات، وأسجد لنا ملائكته، وسخر لنا ما في السموات والأرض، هل تعلم أن هذه الشمس إنما خلقت من أجلك أيها الإنسان؟! هل تعلم أن هذا القمر وهذه النجوم إنما خلقت من أجلك -مسخَّرة لك-؟! هل رأيت هذا البحر الممتد كيف سخره الله تعالى لك؟! هذا الهواء، هذا السحاب، هذه الأنهار، هذا الليل وهذا النهار، هذه الجبال، وهذه التلال، هذه السهول، وهذه الأشجار، هذه الحيوانات، هذا الحديد، وكل شيء تقع عليه عينك، وكل شيء في باطن الأرض مسخر لك أيها الإنسان، يا الله! أي حفاوة أعظم من هذه؟!.
بل إنَّ الحياة على هذه الأرض لم يكن لها ذكر ولا امتداد إلا بك أيها الإنسان، أرأيت كيف اختصك الله تعالى بهذه الحياة؟! ومشهد آخر من مشاهد الحفاوة الربانية بالإنسان وتكريمه، وهو مشهد تسوية خلقه وتكريمه في صورته، " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" " (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار:6-8].
وهل تعلم -أخي المبارك- أنَّ الله تعالى خلقك على صورته -سبحانه-؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ"، فإنك مخلوق "على صورة الرحمن"، سميعا بصيرا متكلماً! (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) [البلد:8-9].
هذه بعض صور حفاوة الله تعالى بك أيها الإنسان لأنك إنسان، فهل نقدر لهذه الحفاوة شكرا، ونقوم بحقها ذكراً ؟!
وأما صور حفاوة الله تعالى بك -أخي المبارك- لأنك مؤمن مسلم، فتلك -وربِّي!- أعظم وأجل وأكرم وأهنأ.
إن من حفاوة الله تعالى بك إنك ما تطأ حجرا، ولا تأتي على شجر، ولا تمشي على تراب، إلاَّ وكان لك معظِّماً، وعليك حريصاً، وبك فرِحاً، شاهداً لك، يبكي على فراقك حين تذكر الله تعالى، (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان:29] وفي الأثر أنه: "ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه، وبكيا عليه".
وقيل لابن عباس: يا أبن عباس! أرأيت قول الله: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)، فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه بكى عليه، وإذا فقد مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه.
وقال مجاهد أيضا: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحًا. قال: فقلت له: أتبكي الأرض؟ فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبدٍ كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل؟.
أرأيتم هذه الحفاوة؟ ومشهد آخر من مشاهد هذه الحفاوة العظيمة، وهو مشهد الملائكة الذين ينزلهم الله تعالى يطوفون على مجالس المؤمنين، ويشهدون لهم بصلاتهم وتسبيحهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما ًيذكرون الله -عز وجل-، تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم -وهو اعلم-: مايقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك، ويحمدونك ويمجدونك. فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك! فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، واشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحاً.
فيقول: فماذا يسألون؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا و الله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا اشد عليها حرصاً، واشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة. قال فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: يتعوذون من النار, قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها, فيقول: كيف لو رأوها؟ قال؟ يقولون: لو رأوها كانوا اشد منها فراراً, واشد لها مخافة, قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" متفق عليه.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ- كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ".
ومشهد آخر عظيم الحفاوة، جليل التكريم، وذلك حين تحين ساعة رحيلك أيها المؤمن من الدنيا، فإن ربك -سبحانه- يحتفي بمقدمك فيُنزل عليك ملائكة يبشرونك بما أمامك، ويقولون لك: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت:30-32].
إنهم مَلَائِكَةٌ بِيضُ الْوُجُوهِ،كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ حَنُوطٌ "طِيب" مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، وَكَفَنٌ مِنْ كَفَنِ الْجَنَّةِ،ن حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ ينادي مَلَكُ الْمَوْتِ حين يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِ المؤمن فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ. الله أكبر! يا الله! أي حفاوة كهذه؟!.
ومن حفاوة الله تعالى بنفسك أيها المؤمن أنها حين توضع في كفن الجنة يخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ رِيحِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، وتصبح هذه النفس المؤمنة حديث الملائكة. نعم وربي! حديث الملائكة، فَلَا يَمُرُّونَ بِمَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، ثم حَين يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، تقتح له أبواب السماء فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ المُقَرَّبُون من الملائكة، وأفضل من فيها من الملائكة! فلا يزالون معها، مشيعين حولها إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، وهكذا في كل سماء من بعد سماء تحتفي الملائكة بهذه النفس المؤمنة، حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وحين تصل إلى السماء السابعة قريبة من الله تعالى تأتي الحفاوة العظمى من الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيقول: اكْتُبُوا عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ"،
وحفاوة أخرى حين يجيب المؤمن على أسئلة الملائكة في القبر، يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَافْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، فَهَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَأْتِي بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي. إنها حفاوة تلو أخرى لا تنتهي لك وبك أيها المؤمن حين تصدق مع ربك، يا لَلعظمة! يا للجلال!.
وحين يفزع الناس من هول القيامة وشدتها يؤمِّن الله تعالى أهل الإيمان، ويخصهم بظل عرشه، ويدنيهم منه، وحين يدخلون الجنة تفتح لهم أبوابها، ويستقبلونهم عليها الملائكة قائلين: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [الزمر:73-74]، والملائكة لا ينقطع عن المؤمنين سلامهم: "سلام عليكم"، والرب سبحانه يحييهم: "سلام عليكم".
ومن أعظم مشاهد الحفاوة من الله تعالى بعبده المؤمن أنه يرفع له ذريته في الجنة، ويكونون معه في درجته ويشفعه في أهله، وأصحابه.
وأختم مشاهد الحفاوة والتي لا تعد ولا تحصى بحفاوة الله تعالى بآخر عبد يدخل الجنة، أخبر رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ: "آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فَهُوَ يَمْشِى مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ تَبَارَكَ الَّذِي نجاني مِنْكِ! لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ: فَيَقُولُ أي رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ! لَعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا. فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ؛ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا.
ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِي أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى فَيَقُولُ أَي رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ لَعَلِّى إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا. فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا.
ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِي أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَي رَبِّ أَدْنِني مِنْ هَذِهِ لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ! هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَي رَبِّ أَدْخِلْنِيهَا.
فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِى مِنْكَ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَلاَ تَسْأَلُونِّى مِمَّ أَضْحَكُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مِنْ ضِحْكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ إِنِّى لاَ أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّى عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ. أرأيتم هذه الحفاوة لآخر رجل يدخل؟ فكيف بمن سبقه.
عباد الله: كل هذا يقودنا إلى زيادة شكر الله تعالى، واستشعار فضله.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي