الدولة الصفوية (9) التغلغل الصفوي في الشام المباركة

إبراهيم بن محمد الحقيل
عناصر الخطبة
  1. كيد المنافقين لهذا الدين .
  2. تسلل النصيريين لحكم بلاد الشام .
  3. فضائل بلاد الشام .
  4. فضل دولة بني أمية .
  5. طعن الإمامية والمستشرقين في دولة بني أمية .
  6. التحالف السياسي بين النصيرية والإمامية .
  7. الإعلام الرافضي ودعمه للنظام السوري .

اقتباس

وملاحم المسلمين في آخر الزمان، ونصرهم على أعدائهم سيكون في بلاد الشام، حين يتوج ذلك بنزول المسيح ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق؛ ليقود المسلمين إلى حرب الدجال وجنده، فتسود فترة خير وبركة وأمن في الأرض، لا يعبد إلا الله تعالى، وتغدق الخيرات على الناس في حكم ابن مريم -عليه السلام-، فيا لهف كل مسلم يقرأ ذلك في الأحاديث على أن يكون من جند المسيح ابن مريم آنذاك ..

 

 

 

 

الحمد لله العليم الحكيم؛ قسم الأرزاق، وضرب الآجال، وقدر المقادير: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان: 2]، فلا حذر ينجي من قدره، ولا خوف يرد قضاءه، وهو على كل شيء قدير، نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على عطائه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أخبر بما كان وما يكون بين يدي الساعة من المحن والفتن والملاحم؛ فوقع ما أخبر به كما أخبر، فكان ذلك دليل صدقه، وعلامةً على نبوته، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واستمسكوا بدينه، واعتصموا بحبله، ولوذوا بحماه؛ فلا أحد غيره يرفع المحن والفتن، ولا أحد سواه سبحانه يدفع البلاء والشدة: (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر: 38].

أيها الناس: كتب الله تعالى لأمة الإسلام المجد والسناء، وبوأها العزة والعلياء، منذ أن نصر الله تعالى النبي ومن معه في بدر، وإلى نزول ابن مريم في آخر الزمان، وإن ضعفت في بعض فتراتها فإنها لا تنتهي.

أمة عزيزة بعز الله تعالى لها متى ما تمسكت بدينها، وحافظت على استقلاليتها، فمؤمنوها وصالحوها قوم ظفروا بمحبة الله تعالى وولايته: (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) [الفتح: 29]، عزهم في تمسكهم بدينهم، فإذا تخلوا عنه ذلوا، وانتقلت الولاية لغيرهم: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].

لقد كاد لهذا الدين العظيم أمم شتى، وعاداه أجناس كثر، وحاربته ملل عدة، ومكر به قوم من داخله بدسائس حاولوا دسها فيه لتحريفه؛ فرد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا، وبقي للكافرين والمنافقين ما يسوؤهم.

وكان أهل النفاق من أعتى الأعداء الذين اجتهدوا في صد الناس عنه، وتحريف الإسلام ببدع ابتدعوها، ومذاهب اخترعوها، وخاصةً الفرق الباطنية التي تظهر حب آل البيت، وتبطن هدم الإسلام!

وبلاد الشام المباركة تسلل النصيريون لحكمها -وهم أقلية- في غفلة من أهل السنة -وهم أكثرية-، وتسلقوا على حزب البعث العلماني الاشتراكي، وخدعوا أبناء أهل السنة به، واستغلوا العلمانيين منهم لتحقيق مآربهم الطائفية، تلك البلاد المباركة ما وقعت في أيدي الباطنيين إلا بغفلة وتخاذل من المسلمين.

لقد بارك الله تعالى بلاد الشام ببركة النبيين؛ إبراهيم وذريته -عليهم السلام-، وبركة توحيدهم لله تعالى فيها، ودعوة الناس إلى دينه، واستيطان الصالحين من بني إسرائيل فيها، وتكاثرت النصوص في فضلها وفضل أهلها وتاريخها، وما يجريه الله تعالى على أيديهم من نصر الإسلام، وعز المسلمين؛ حتى أفرد العلماء كتبًا في فضلها وتاريخها وملاحمها، وفي القرآن أربع آيات تنص على بركة أرض الشام، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ظهور الفتن أن أهلها صفوة أهل الأرض، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم". رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

وملاحم المسلمين في آخر الزمان، ونصرهم على أعدائهم سيكون في بلاد الشام، حين يتوج ذلك بنزول المسيح ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق؛ ليقود المسلمين إلى حرب الدجال وجنده، فتسود فترة خير وبركة وأمن في الأرض، لا يعبد إلا الله تعالى، وتغدق الخيرات على الناس في حكم ابن مريم -عليه السلام-، فيا لهف كل مسلم يقرأ ذلك في الأحاديث على أن يكون من جند المسيح ابن مريم آنذاك!

ولأهمية الشام وتاريخها وتأثيرها في الماضي والحاضر والمستقبل إلى آخر الزمان اعتنى العلماء والمؤرخون بها، وأفردوا لها كثيرًا من الكتب والدراسات، حتى لو قيل: لم يكتب عن بلاد في الأرض مثل ما كتب عن الشام ومدنها وضواحيها لما كان ذلك بعيدًا، وأطول مصنف مطبوع في تاريخ بلد هو: تاريخ دمشق؛ للحافظ ابن عساكر -رحمه الله تعالى-، وقد زاد على سبعين مجلدًا.

وببركة الشام بوركت دولة بني أمية حين جمع الله تعالى الأمة على يد الحسن بن علي بتنازله عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عن جميعهم-، فكانت الشام عاصمة الأمويين، وكانت دولتهم خير دولة وأعزها في الإسلام بعد الخلافة الراشدة، وأكثرها فتوحًا، ويكفي فيها تزكية النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن عاش فترتها بقوله: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". متفق عليه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم". رواه البخاري. وأول جيش غزاها كان جيشًا أمويًّا.

ورغم أنها دولة لم تبلغ قرنًا من الزمن، فإن أكبر فتوح الإسلام كانت فيها؛ إذ امتدت فتوحها من الصين شرقًا إلى الأندلس وفرنسا غربًا، ومن بحر قزوين في الشمال إلى المحيط الهندي في الجنوب، وكادت أن تفتح أوروبا بأكملها؛ لكن المسلمين هزموا في معركة بلاط الشهداء، التي سميت في التاريخ الأوربي: معركة بواتييه، ويعدها الأوربيون أعظم معركة في تاريخهم أوقفت الزحف الإسلامي، وفي دولة الأمويين دون الحديث والتفسير ومهمات علوم الإسلام، وانتشرت الدعوة والأمن والرخاء في الأرض، حتى بلغ الرخاء في بعض عهودهم أن الناس لا يجدون من يأخذ الزكاة! وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن الإسلام وشرائعه في زمن الأمويين أظهر وأوسع مما كان بعدهم.

وخال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- كان عند الباطنيين من أشد أعدائهم، وهو البوابة التي من اقتحمها في الثلب واللعن جاوزها إلى الصحابة أجمعين -رضي الله عنهم- كما قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى-: "معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاوية شزرًا اتهمناه على القوم؛ أعني: على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-".

ولما لدولة بني أمية من تاريخ مشرق في عز الإسلام ونشره فقد تآزر على ثلبها والطعن التاريخي فيها وفي خلفائها طائفتان: الفرق الباطنية -ولا سيما الإمامية الاثني عشرية-، والمستشرقون؛ أما المستشرقون فلأجل اتساع الفتوح الأموية، حتى كادت أن تدخل أوروبا كلها في حظيرة الإسلام، إضافةً إلى قوة الدعوة للإسلام والحركة العلمية التي كانت في العهد الأموي وقد بلغت أقاصي الأرض.

وأما الفرق الباطنية فلكرههم لبني أمية، ومناصبتهم العداوة، ودعواهم أنهم أعداء آل البيت، وأكثر القادة والأمراء الأمويين قد ولاهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- وهما لا يحابيان أحدًا، وإنما لعلمهما بصفاتهم القيادية؛ فكانوا كما ظن شيخا قريش فيهم، وامتد كره الباطنيين لعمر -رضي الله عنه-، مُسقِط دولة الفرس، إلى كره ولاته من الأمويين.

والحقيقة أن الإمامية لا تحفل بالشام، ولا بما ورد فيه من الفضائل في القرآن والسنة، وفضائل أهله؛ لأن نصوصهم تذم الشام وأهله، وتستحل دماءهم، وعندهم من الأحاديث أن أهل الشام شر من أهل الروم! وأن قائمهم المنتظر إذا خرج في آخر الزمان يستحل قتل الشاميين؛ لأنهم بقايا بني أمية، ويعتقدون أن بلاد الشام هي البلاد التي اضطهد فيها أئمتهم، ووضعوا من الأحاديث كذبًا شيئًا كثيرًا في ذلك، كما يعتقدون أن الشام هي البلاد التي ستناهض منتظرهم إذا خرج في آخر الزمان.

ولكن المصالح السياسية تقدم على المعتقدات الدينية عند أهل الباطل من الفرق الباطنية، فتحولت الشام عند الإمامية إلى بؤرة يصدر إليها مذهبهم، وكما انقلبوا من قبل على عقيدة الانتظار باختراع ولاية الفقيه، انقلبوا مرةً أخرى على ذم الشام وأهله بتصدير معتقدهم إليه؛ للتمكن فيه وحكمه وإقصاء النصيريين الذين مكنوا لهم في الشام المباركة، بعد انقلاب كلا الطائفتين على مذهبهما، وإحداث التقارب بينهما.

كفى الله تعالى المسلمين شر الباطنيين، وحماهم وبلدانهم من مخططاتهم، ورد كيدهم إلى نحورهم؛ إنه سميع مجيب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله...

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعرفوا حقيقة أعدائكم؛ فإن الله تعالى أمرنا بذلك؛ فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء:71]، وقال في المنافقين: (هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون: 4].

أيها المسلمون: طوال التاريخ الإسلامي لم يكن للإمامية الاثني عشرية وجود في بلاد الشام، إلا أعدادًا قليلةً لا تذكر في الإحصائيات لقلتها، وقد حاول أئمة النصيرية قبل ثمانين سنةً التقارب مع الإمامية، وألف مشايخهم رسائل في ذلك، ثم اعتمدوا الفقه الإمامي في الفروع.

ولما تشظَّى حزب البعث إلى يميني في العراق، ويساري في الشام؛ هرب بعض الإمامية من العراق؛ فاستقبلهم النصيريون في الشام؛ فازدادوا بذلك تقاربًا.

ولما عجز النصيريون عن تغيير دستور بلاد الشام الذي يشترط أن يكون حاكمها مسلمًا استخرجوا فتوى من الإمامية تجعل النصيريين مسلمين! مع أن الإمامية يكفرون النصيريين، ولكن في سبيل السياسة تداس المعتقدات؛ ولذا كافأ النصيريون الإمامية على موقفهم هذا بالاعتراف بثورتهم على شاه إيران وتأييدها!

وكان من دهاء قادة النصيريين أنهم في السابق لم يسمحوا بالتغلغل الإمامي الصفوي في بلاد الشام، وإن بنوا علاقات طيبةً مع الصفويين؛ لخوفهم من الأطماع الصفوية؛ ولعلمهم بحساسية الشاميين تجاه الإمامية، لكن لما آل الأمر إلى من لا يعرفون التاريخ من النصيريين، ولا يتقنون توازنات العلاقات السياسية بين الصفويين والشاميين؛ فتحوا الأبواب للدعاة الصفويين ليستحلوا الشام، واخترقوا الطرق الصوفية الخرافية، وتسللوا من خلالها لنشر التشيع فيها، وصار يجاهر بلعن الصحابة من بني أمية في البلاد الشامية في سابقة تاريخية لم تحصل من قبل! وكان مقصد النصيريين إضعاف المد السني المتجذر في الشام بزرع الفكر الباطني واستنباته في أرضه المباركة.

ولقد كان من خبث الإمامية في الدعاية لمذهبهم: أنهم يدعون بعض مشايخ الغفلة من أهل السنة والمتصوفة لأنشطتهم؛ لإضفاء الشرعية عليها، وإسراعهم في تشييع عوام أهل الشام!

ووصل الأمر إلى تجريف مقابر أهل السنة، ومصادرة أوقافهم لإقامة الحسينيات والمراقد الشركية الإمامية، وصار أعاجم الإمامية يسرحون ويمرحون في بلاد خال المؤمنين معاوية -رضي الله عنه- ولا حسيب ولا رقيب عليهم، في الوقت الذي تمنع فيه أنشطة أهل السنة، ويضرب عليها بيد من حديد.

يضم إلى هذا الخزي والعار تجنيس آلاف الأعاجم الباطنيين لتغيير التركيبة السكانية للشام السنية المباركة، ولم تأتِ الصحوة العربية بالتحذير من التغلغل الرافضي، وامتداد الهلال الشيعي المتغول في عمق الشام إلا متأخرةً!

إن النفعية السياسية هي التي جمعت بين الخميني والبعثيين مع أن الخميني يكفر البعثيين، والبعثيون علمانيون لا تعجبهم أصولية الخميني، ومن آثار ذلك أن إيران -وهي تدعم الحركات التحررية منذ نشأتها، وتؤيد الانقلابات على حكومات أهل السنة- سكتت عن مذبحة حماة، مع أن ضحاياها طليعة حركة تحررية؛ لأنها حركة كانت في صالح أهل السنة، وهي الآن وأبواقها الإعلامية في إيران والعراق ولبنان تؤيد الحكم النصيري في طغيانه ومذابحه للعزل من أهل الشام، وهي التي أيدت غيرها من الثورات ونفخت فيها، وحاولت زعزعة الأمن في أكثر من بلد سني!

لقد تحول الإعلام الرافضي الثوري إلى إعلام مسالم تجاه ما يحدث في بلاد الشام، بل إنه داعم للنظام النصيري في مذابحه البشعة، ولقد كشفت هذه الأحداث ما يسمى: دول الممانعة وحزب الشيطان؛ إذ إن القادة الباطنيين باتوا يصرحون أن سقوط النظام النصيري سيكون خطرًا على الدولة اليهودية، ومعنى ذلك: أن دول الممانعة وأحزابها الباطنية ما هم إلا حماة الدولة اليهودية، ولو خدعوا العامة وجهروا في العلن بعدائها، وهذه الفضيحة ستقلص التشيع بإذن الله تعالى، وسترد الباطنيين إلى حجمهم الطبيعي قبل أن يتمكنوا في بلاد المسلمين بسبب تخاذل دول أهل السنة وغفلتهم.

نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يخذل الباطنيين، وأن يثبت أهل السنة في الشام المباركة وفي كل مكان، اللهم احفظ دماءهم، وصُنْ أعراضهم، وقوِّ عزائمهم، واخذل أعداءهم، إنك سميع قريب.

وصلوا وسلموا...
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي