إذا كان واجب أفراد المسلمين جميعاً في هذه الدنيا -أيًّا كانوا ومن أي جنس أو لون كانوا-، هو الدعوة إلى الله سبحانه؛ فليعلم وليتذكر أن أيّ معارضة لهذه الدعوة؛ أنها معارضة لفطر المسلمين، وواجب المسلمين الذي به عزّهم وشرفهم ولحوقهم بركب الأنبياء؛ بل ومنع لمساجد الله أن يدعى فيها لدينه، ويذكر فيها اسمه ومسعى في خرابها، وأنَّى لقوة في الأرض أن تقوى على محاربة الفطر ..
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. أحمده سبحانه وأثني عليه الخير كله، وأشكره وأكبِّره تكبيراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من دعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعد: فلقد أكرم الله -سبحانه وتعالى- هذه الأمة؛ بأن أرسل إليها أفضل رسله، وأنزل إليها أشرف كتبه، أكرمها بشمول وعموم رسالة نبيها، وحفظ وخلود كتابها الذي يربطها بربها، وتكون بالقيام به شهيدة على الناس؛ بل وخير أمة أخرجت للناس.
أكرمها بأن جعل أفرادها -من أي أصل أو جنس أو لون-؛ حملة لرسالته التي بعث بها رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وجنوداً لدعوته جنوداً مسيَّرين في ذلك غير مخيَّرين، مسيَّرين تسيُّر تكريم وتشريف لا تسيُّر عنت وتكليف.
يقول سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة) [النحل:125] ويقول: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف:108] ويقول في عدد من دعاته وحملة رسالاته، أنبيائه -عليهم الصلاة والسلام- (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90] وكان هداهم الذي أمرنا بالاقتداء بهم فيه؛ هو دعوة أممهم إلى الحق إلى عبادة الله وحده (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]
ومن هذه الآيات السالفة وما في معناها؛ يعلم أي فرد من أفراد المسلمين، ذكر أو أنثى أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هي وظيفته الأساسية في هذه الحياة، بل ومقتضى فطرته التي فطره الله عليها، وأنه مسئول عنها مسئولية مباشرة بمجرد انضمامه في عضوية المسلمين، وبرضاه بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، فمن تقاعس في ذلك؛ فقد قصر في واجبه وخالف مقتضى فطرته، لقد فهم هذا أسلافنا الأوائل -رضوان الله عليهم-.
فلقد سأل رستم قائد جيوش الفرس في موقعة القادسية ثلاثة من الصحابة واحداً وحداً خلال ثلاثة أيام قبل المعركة، هم ربعي بن عامر، وحذيفة بن محصن، والمغيرة بن شعبة: "ما الذي جاء بكم؟ فكان جواب كل منهم: ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان -أي جور المتسمين بها- إلى عدل الإسلام".
فاتّقوا الله -أيها المسلمون- فيما أمركم الله به وهداكم له، وأعزكم وشرَّفكم بحمله وتبليغه، وفضَّلكم به على سائر من سلف من الأمم، وجعلكم به أئمة خير وهداة رشاد. تلحقون به بمصاف الأنبياء، وتحلون به منازل السعداء.
اتقوا الله في دعوتكم دعوة الله سبحانه، والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط المستقيم.
فليس في الوجود عمل أشرف من عمل الدعوة إلى الله، ولا انتساب أشرف من الأنتساب إلى الدعوة إلى الله، ولا في الأعمال عمل يساوي أعمالها في الأجر ولا في بقاء الذكر؛ يقول سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33] ويقول -عليه الصلاة والسلام- لعلي -رضي الله عنه-: "لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" ويقول: "من دلّ على هدى كان له مثل أجر فاعله".
ويقول الحسن البصري -رحمه الله- في هذه الآية: "هذا حبيب الله، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله".
أيها الأخوة المؤمنون: إذا كان واجب أفراد المسلمين جميعاً في هذه الدنيا -أيًّا كانوا ومن أي جنس أو لون كانوا-، هو الدعوة إلى الله سبحانه؛ فليعلم وليتذكر أن أيّ معارضة لهذه الدعوة؛ أنها معارضة لفطر المسلمين، وواجب المسلمين الذي به عزّهم وشرفهم ولحوقهم بركب الأنبياء؛ بل ومنع لمساجد الله أن يدعى فيها لدينه، ويذكر فيها اسمه ومسعى في خرابها، وأنَّى لقوة في الأرض أن تقوى على محاربة الفطر، وأساس واجب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
كما وأن انحراف أحد أعضاء هذه الجماعة، جماعة المسلمين حرب عليهم وضرب لدعوتهم، فاستقامة المسلم نفسه مثلاً في قوله وفعله ومعاملته وسلوكه وآدابه؛ دعوة عملية لذلك، وهولم يلفظ في الدعوة إليها بنت شفة، وانحرافه في ذلك يضرب الدعوة إلى الله، ويفتح بعمله على أهلها الثغرات العظام.
فاتَّقوا الله -أيها المسلمون-، واستقيموا في نفوسكم؛ فالاستقامة أعظم وأول ما يقدمه المسلم لخدمة دينه (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [يّـس:21] (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) [الحج:67]
واحتسبوا؛ فالأعمال بدون احتساب تكون هباءً منثوراً، ولا تستطيلوا الطريق؛ فهي طريق إلى الله، وسبيل مهاجر إلى رسول الله. يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200] وأستغفر الله لي ولكم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي