خطبة عيد الفطر 1437هـ – أهمية التفاؤل في حياة الأمة

عبد الله بن علي الطريف

عناصر الخطبة

  1. شكر نعمة إتمام رمضان
  2. من علاماتِ الغفلة والاستدراج العمَى عن عيوب النفس
  3. خصائص العيد في الإسلام
  4. إظهارُ السرور في الأعياد من شعائر الدين
  5. مساوئ التشاؤم والحزن
  6. المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين
  7. الحث على استمرار العبادة بعد رمضان.

الخطبة الأولى:

الحمد لله العزِيزِ الحميدِ، وليِّ الإحسانِ المديد، أشكرُه سبحانه شكرًا يستنزِل من أنعُمِه المزيدَ، وأحمده أن ختَم شهرَ الصيام والقيام بغُرّة العيد، فالعِباد فيه ما بَين محروم وسَعيد، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].

وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له شَهادةً نرجو بها الفلاحَ في الدنيا ويوم الوَعيد، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله ذو الشمائِل الجمَّة والفضلِ المجيد، صلّى الله عليه وعلَى آلِه وصحبِه أُلي العمل الرشيدِ، وعلى من تَبِعهم بإحسان إلى يوم الوعيد، وسلّم تسليمًا كثيرًا لا ينقضي ولا يبِيد.

الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

أمَّا بَعد أيها الإخوة والأخوات: عيدكم مبارك وعيدكم سعيد، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، والحمد لله أن مدَّ بأعمارنا حتى أدركنا إتمام الشهر والعيد؛ أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية باليمن والبركات.

أيها الإخوة والأخوات: أُوصيكم ونفسِي بتقوى الله -عزّ وجلّ-، فإن تَّقواه خير لباس.. ولِلَّه درُّ أقوامٍ تفكَّروا فأبصَروا، وشمَّروا عن ساعِدِ الجدِّ وما قصَّروا.. ومَنْ علِمَ شرفَ المطلوبِ جدَّ وعزم، والسعيُ والاجتهادُ على قدرِ الهمَمِ.. الحازمون سارَت بهم إلى الجدِّ المطايا، فاستحقّوا من الله جليلَ العطايا فهنيئاً لهم، ومن علاماتِ الغفلة والاستدراج العمَى عن عيوب النفس، قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون:115].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

أيها الإخوة: العيد جزءٌ من نِظام أمَّة الإسلام، يصِل ماضيَها بحاضِرِها وقريبَها بِبعيدِها، ويربط أفراحَها بشرائعِها وابتهاجَها بشعائرِها، والفرحُ بالعيد من سُنَن المرسلين، وإظهارُ السرور في الأعياد من شعائر الدين، ولقد أظهر نبيُّكم محمّد -صلى الله عليه وسلم- الفرحَ والسرور بالأعياد في شرعِه وفعله، وأذِن للمسلمين بأن يفرَحوا، وأقرَّ الفرحين على فرحِهم، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِدُفَّين بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَتَسَجَّى بِثَوبِه وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلى الجدار، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ- فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-!! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيْدًا، وهَذَا عِيْدُنَا". وخيرُ الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-..

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

العيد -أيها الأحبة- مظهر من مظاهر الدين، وشعيرةٌ من شعائره المعظَّمة التي تنطوي على حكم عظيمة ومعان جليلة وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها.

فالعيد: بمعناه الديني شكرٌ لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج ُ في سرائره رضاً واطمئناناً، وتنبلج في علانيته فرحاً وابتهاجاً.

والعيد: في معناه الزمني قطعة من الزمن خُصِّصت لنسيان الهموم، واطِّرَاح الكُلَف، واستجمام القوى الجاهدة في الحياة.

والعيد: في معناه الاجتماعي يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح.. ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة.. ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة.. ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور.. ويوم الأصدقاء يُجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب.. ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض… ويجتمع الناس في تواؤم على الطعام وهو من شعائر الإسلام كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "جَمْعُ النَّاسِ لِلطَّعَامِ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ سُنَّةٌ، وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين"، وفي هذا كله تجديد للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب والوفاء و الإخاء…

أمّا ما في الأمة من مشكلات وابتلاءات وهمومٍ وما في النّاس من قصور وتقصيرٍ وخطايا فلا ينبغي أن يمنع الفرحِ والابتهاج، فالابتلاءات والهمومُ من سنن الله في الخليقة كُلِّها وفي جميع أعصارها وأمصارها، في مؤمنها وكافرها، وصالحها وفاسدها، علوٌّ وهبوط، وتمكينٌ واستِضعاف، والأيام أيامُ الله يداولها بين الناس…

وفي عهد النبوة المطهَّرة كان من أذَى الكفار ومكرِ المنافقين وعوائق الدّعوة والبلاء على المؤمنين ما لا يخفى، وذلك كلُّه لا يجرُّ أمة الإسلام إلى اليأس والقنوط…

فالعيدُ فرح وابتهاجٌ وفرصة كبرَى لتدفّق الأمَل والانطلاقِ في العمل.

الله أكبر الله أكبر كَبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أيها الأحبة: كم عندنا من فضل الله الذي نفرَح به: فرحٌ: بِفَضْلِ اللَّهِ الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمةٍ ومنةٍ وفضلٍ تفضل اللهُ تعالى به على عباده.

وفرحٌ: بِرَحْمَتِهِ التي هي الدين والإيمان.. وإنما أمر الله –تعالى- بالفرح بالقرآن والدين، لأن ذلك مما يوجبُ انبساطَ النفسِ ونشاطَها، وشكرَها لله تعالى، وهذا فرحٌ محمودٌ، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(58)﴾. [يونس:57، 58]

وفرحٌ: بالهدَى والتوفيق يومَ ضلَّت فئام من البشَر عن صراط الله المستقيم…

فرحٌ: في كمالِ العِدّة، وفرحٌ بالفِطر، فللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة بلقاء ربه.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

أيها الأحبة: ونحن نعيش أيام العيد ولياليه الجميلة أرى أنه من الواجب علينا أن نتحدث مع أنفسنا حديثاً لا تنقصه الصراحة.. حديثُ أملٍ نعمرُ به القلوب، وحديثُ فأل نذكي به النفوس.. حديث يشعل في نفوسنا فتيل الجد لمستقبل واعد بالخير فقد «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ..» (رواه ابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقال الألباني حسن صحيح).

أقول هذا لأننا بحاجة إلى أن نجعل من هذا العيد فرصة لدفق الأمل في قلوبٍ أحبطها اليأس، وأحاط بها القنوط، وتبدّت مظاهر اليأس في صور شتى، منها: سرعة تصديق كواذب الأخبار، ورواية أضغاث الأحلام، التي تطلقها بعض وسائل الإعلام سواء التقليدية أو وسائل الإعلام الحديث بما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، ويتلقاها ممن يسمى بالخبراء بشئون الشرق الأوسط أو بالمحللين السياسيين، وقد تلقفها هؤلاء من كتابات في صحف غربية أو تصريحات لمسئولين أو غيرهم، وقد يكون كثير منها أطلقته الاستخبارات المعادية سواء اليهودية أو الباطنية ويسمونها استراتيجيات ويأخذها هؤلاء بالتسليم ويبدءون بالتحدث عنها بوسائلهم الخاصة وتتلقاها الشعوب كأنها مسلمات عن حسن نية، وكأنها وحي من السماء جاء به رسول أمين..

لقد قسموا بلادنا بين الظالمين ووزعوا مأرز الإسلام على الباطنيين والمارقين وَكَأَنَّهُم مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ..

وبفعلهم هذا قتلوا الأمل في نفوس بعض المسلمين ووأدوا العزة فيها.. وأشاعوا الخوف وفقد الثقة بمن ولاه الله أمرنا..

والحقيقة أن هذه الأخبار إن صحت ما هي إلا أَمَانٍ لأعداءِ الأمة تروى على شكل أخبار من مصادر موهومة تسمى موثوقة..

فيا أمة الإسلام: أبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فعُمر الإسلام أطول من أعمارنا، وأفق الإسلام أوسع من أوطاننا، وليست أمانيَ القوم وخططهم التي يشيعون ضربة لازب، لا تحول ولا تزول، وأنها واقعة لا محالة..

اللهُ أَكبَرُ مِلءَ السَّمعِ رَدَّدَهَا *** في مَسمَعِ البِيدِ ذَاكَ الذَّرُّ وَالحَجَرُ

اللهُ أَكبَرُ مَا أَحلَى النِّدَاءَ بها *** كَأَنَّهُ الرِّيُّ في الأَروَاحِ يَنتَشِرُ

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

أيها الإخوة والأخوات: لكن في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حديث آخر، حديثٌ يُبْهِجُ النفوس ويذكى الأمل وينهضها للعمل حديث ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:42] حديث محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه معلومة معانيه ودلالاته وقد تضمن هذا الكتاب المطهرة أدلة صريحة مبشرة بأن المستقبل لهذا الدين فضلا عن شواهد التاريخ والواقع الذي نعيشه الآن..

نعم: لقد وعد سبحانه بأنه سيظهر هذا الدين وينصره "بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ" رغم جهود أعدائه للنيل منه والقضاء عليه قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة:32].

وأكد بأن الباطل مهما صال وجال فأمره إلى تباب وخسار بحول الله.. وأن العاقبة لأهل الإسلام الصحيح أهلِ السنة والجماعة، وأن هذا الدين سيظهر وينتصر فقال: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر:51]، ويقول: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور:55]، وذهب بالتبشير إلى أبعد من الوعد فجعل نصر المؤمنين حقاً عليه فقال: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم:47].

ولم يكتفِ سبحانه بالالتزام بالوعد بظهور هذا الدين وتمكين أهله.! بل شهد سبحانه -وكفى به شهيداً- بأنه سيُظهره ويمكِّنه ويوالي نصره وأولياءه ويخذل أعداءه، وشهادته سبحانه أكبر شهادة على الإطلاق يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾ [الفتح:28] فهل توجد شهادة أعظم من هذه الشهادة وأكبر؟

ومثلما وعد اللهُ رسولَه بالنصر، وعد أتباعه به ما استقاموا على دينه وسنته، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور:55].

وتوعد الكافرين بالخسارة والحسرة والهزيمة في الدنيا وجهنم في الآخرة إن لم يسلموا يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال:36].

وَيَقُولُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ" (رواه أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وإسناده صحيح على شرط مسلم).

والمطلع على تاريخ الأمة وتقلباتها منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا يرى أن المسلمين حُوصروا في الخندق وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكة.. وسقطت بغداد، ثم بعد نحو قرنين فُتِحت القسطنطينية، والله -عز وجل- لا يعجل لعجلتنا، ولا تتحوّل سننه لأهوائنا، فسنن الله لا تحابي أحداً، ولنتذكر في هذا العيد ما أبقى الله لنا من خير، وما تطول به علينا من فضل.

ونحن نقول: لئن حلت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعماً، وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها، ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل، لا ينصب همنا لما يخططون ويتمون لينصب همنا إلى إصلاح أنفسنا ومن تحت أيدينا وننظر إلى أي مدى تقدمنا بطاعة الله، وماذا قدمنا لديننا من دعوة كثرت سبلها وأسهلها الدعاء كذلك نحن بحاجة إلى فأل ينتج إنجازاً.

 أما المهموم المحزون فهو غارق في آلامه، متعثر في أحزانه مدفون في هموم يومه، لا يرجو خيراً ولا يأتي بخير، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

أيها الآباء أيها الأمهات: ماذا ننتظر من طفل يجلس لساعات يهرب يقتل يدمر يفجر.. يطادر ويُطارد..

وماذا ننتظر من طفل يتمركز فكره بأن يحتال يقسو يضرب بلا رحمة..!

وماذا ننتظر من طفل يفقد مشاعره الإنسانية لساعات طويلة على جهاز الألعاب الإلكترونية..!

أيها الآباء أيها الأمهات: الخطر يداهم أبناءنا في منازلنا وتحت نظرنا من الفكر المتطرف المجرد من قيم الإسلام والإنسانية..! ونحن لا نعلم ماذا ينظرون.؟ ولا ماذا يتلقون من رسائل سلبية من هذه الألعاب..

لنتابعهم ونناقشهم ونشاركهم أفكارهم، وننظم أوقات استخدامهم للألعاب الإلكترونية ونوجههم للألعاب التي تنمي عندهم التخيل والإبداع لا التي تنمي عندهم القسوة والظلم والحيل، ونحميهم من الغرباء الذين نشتري شرهم بريالاتنا، كونوا معهم ليكون بإذن الله في أمان…

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

أيتها الأخوات الكريمات: للمرأة دور بارز في إنهاض المجتمع وتطويره، وزيادة معارف المرأة وتربيتها على الخير له أثر كبير في أخلاق الأجيال.

فالطفل الذي يرى أمه مقبلة على معالي الأمور من اكتساب للعلوم والمعارف، والاشتغال بما يفيد الأولاد والأمة من معالي الأمور… غير الطفل الذي يرى أمه مقبلة على مجرد المتع الدنيوية والمظاهر الوقتية وسفاسف الأمور… الطفل الذي يرى بر أمه بوالديها وحرصها على بر زوجها بوالديه وإعانتها له على ذلك.. الطفل الذي تأمره أمه ببر أبيه وتحثه عليه يعلم أن البر أمر واجب فيقوم به بعد ذلك.. فالتربية: أم فاضلة وزوجة صالحة. وفي الجملة فإن تربية المرأة تعني تربيةَ المجتمعِ بأكمله لأن دورَها في بناء الأمة كبير وكما قال شاعر العرب:

الأم مدرسةٌ إذا أعددتها *** أعدت شعباً طيبَ الأعراق

ورحم الله من قال: "مَن علَّم رجلاً فقد علَّم فرداً، ومَن علَّم امرأةً فقد علَّم شعبًا".

الله أكبر الله أكبر الله…

ومِن مظاهر الإحسانِ بعد رمضانَ: استدامةُ العَبد على النَّهج المستقيمِ ومداومَةُ الطاعة وإتباعُ الحسنةِ الحسنة، فذلك من قَبول الطاعَات. وقد ندَبكم نبيُّكم محمّدٌ بأن تُتبِعوا رمضانَ بستٍّ من شوّال، فمن فعَل ذلك فكأنما صامَ الدّهرَ كلَّه…

واعلموا -وفقني الله وإياكم- أن أَعْرَاضَ الْفُتُورِ وَالتَّثَاقُلِ عَنِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ تُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَنْصَرِفُ لِلْمَعَاصِي مِنْ ضِيقِ مَا يَجِدُ مِنِ انْصِرَافِهِ عَنِ الطَّاعَاتِ.!

وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَلَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلْيُبَكِّرْ إِلَى المَسْجِدِ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يَتْرُكْ فِيهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ وَالْوِتْرَ وَسُنَّةَ الضُّحَى، وَلَا يَهْجُرِ الْقُرْآنَ، بَلْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ، حَتَّى يُجَاوِزَ أَيَّامَ الْفُتُورِ، وسيجد بعد ذلك نفسه نَشِيطًا فِي الطَّاعَةِ كَمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ.

ومن السنة أن من أتي من طريق فالسنة أن يرجع مع طريق آخر ليشهد له الطريقان.. تقبَّل الله منَّا ومِنكم الصيامَ والقيامَ وسائرَ الطاعات.

أيها المؤمنون: صلّوا وسلّموا على الرحمة المسداة والنعمة المهداة نبيِّكم محمد رسول الله، فقد أمَرَكم بذلك المولى جلّ في علاه، فقال عزّ قائلاً عليمًا في محكم تنزيله قولا كريمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم إن هؤلاء عبادك قد جاءوا يريدون رحمتك ويخشون عذابك، ويأملون بأعطياتك اللهم لا تردهم خائبين ولا عن جنابك مطرودين، واكتب لهم من الخير أضعاف ما يأملون واجعلهم أسعد خلقك بك..

اللهم تقبل منا الصيام والقيام وأعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة ونحن وأمتنا وبلادنا بحياة سعيدة.. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن..


تم تحميل المحتوى من موقع