ومن الوسائل التي توقع في الزنا النظر، وهو موضوع اليوم، ولقد عرف أعداء الأمة ما هي بداية الطريق المؤدي للفاحشة، فأغرقوا المجتمعات وبالذات المجتمعات المسلمة، أغرقوها بسيل جارف مما يدعو إلى النظر المحرم من المجلات الهابطة والمسلسلات الماجنة والصور الفاتنة، واستغلوا إمكانات
الفضاء لتدمير عفة الأرض، ودعوا وسعوا إلى إخراج المرأة واختلاطها مع الرجال ..
عباد الله: إن من فضل الله علينا أن هدانا للإسلام، ففيه الفلاح في الدنيا والنجاة في الآخرة.
جاء دين الله كاملاً شاملاً لمناحي الحياة؛ في الإسلام -أيها المسلمون- شرائعُ وأحكام لو أخذ بها المسلمون أخذًا صحيحًا لاستقامة حالهم، ولملكوا الأرض، وكانوا بحق خير أمةٍ أُخرجت للناس.
ومما شرعه الله للبشرية التوجيهات والشرائع التي تمنع الوقوع في جريمة الزنا، ذلكم المنكر الفظيع الذي يجر على المجتمعات الويلات والمصائب، والتي من أبرزها الأمراض الفتاكة التي تعاني منها الأمم والشعوب.
وقد كثرت في هذا الزمن مع ضعف المسلمين وتسلط الكفار والمنافقين، كثرت مع كثرة الوسائل الحديثة التي تدعو للزنا والدعارة والفجور والخلاعة، وآخر إحصائيةٍ عن مرض -هو واحد من مسببات الزنا- مرض الإيدز، عدد المصابين به يصل إلى ثلاثين مليون شخص.
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحذر أمته من هذه الأمراض قبل أربعة عشر قرنًا، ويخاطب في حديثه الإلهي، يخاطب أفضل الناس في الأمة بعد رسولها، إنهم الصحابة -رضي الله عنهم-، ويسأل ربه أن لا تدرك هذه الفئة المؤمنة التي رضي الله عنها ورضت عنه، أن لا تدركهم هذه الأمراض القاتلة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن"، وذكر منها: "ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأمراض التي لم تكن في أسلافهم". الحديث رواه ابن ماجه في سننه وغيره.
وإذا كان الغرب الكافر بمؤسساته وإعلامه ومن يدور في فلكه إذا كان يُشرع دور السينما والملاهي وأماكن الرقص والدعارة، ثم يدعو إلى محاربة الإيدز، ويضع يومًا لذلك، وهذا خداعٌ وتضليل وتناقض وازدواجية؛ إذا كان هذا حال الغي والضلال فإن منهج الإسلام هو الحق والرشاد.
الإسلام حرَّم الزنا تحريمًا قاطعًا، ودعا أهل الإيمان إلى البعد عنه، ودعاهم إلى الزواج المشروع قطعًا لدابر الجريمة.
ومنهج الإسلام في تحريم الزنا منهجٌ صحيح؛ إذ إنه لا يحرم الزنا فحسب، بل يحرم قربان الزنا، وهي الوسائل المؤدية لذلك، كما قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32].
ومن الوسائل التي توقع في الزنا النظر، وهو موضوع اليوم، ولقد عرف أعداء الأمة ما هي بداية الطريق المؤدي للفاحشة، فأغرقوا المجتمعات وبالذات المجتمعات المسلمة، أغرقوها بسيل جارف مما يدعو إلى النظر المحرم من المجلات الهابطة والمسلسلات الماجنة والصور الفاتنة، واستغلوا إمكانات الفضاء لتدمير عفة الأرض، ودعوا وسعوا إلى إخراج المرأة واختلاطها مع الرجال، كل ذلك من أجل إفسادها وإفساد الرجال بها، ولا عجب في ذلك فهذه عقيدتهم وتلك مسالكهم.
أيها المسلمون: جاء في الحديث: "العينان تزنيان، وزناهما النظر".
إطلاق البصر بالنظر هو زنا للعين، وهو بريد الزنا الفرج، وهو بداية التفكيرِ في الزنا.
والذين يسافرون من أجل الفساد أو يبحثون عنه في كل مكان، كان سبب ذلك النظر في وجوه الفاتنات الكاسيات العاريات المائلات المميلات.
والنظر في وجوه تلك النساء يجعل بعض الرجال يزهد في زوجته وأم أولاده؛ لأنه رأى من هي أحسن منها وأجمل.
والنظر المحرم سببٌ لوقوع الهوى في القلب؛ لأنه سُمّ إبليس يجري في عروق المرء كما يجري الدم، فيفسدُ كل أجزاء الجسم، يبدأ بالباطن قبل أن يرى أثره في الظاهر، ومن أدمن النظر في وجوه الحسناوات لم يعد يستطيع الغفلة عن ذلك.
إن فتنة النظر إلى ما حرم الله -أيها الإخوة- هي أصلُ كل فتنة ومنجم كل شهوة، ويحكي التاريخ والواقع قصصًا متواترة لأناس ضلوا بسبب النظرة المحرمة، ومنهم من ترك دينه بالكلية وتحول إلى دين عشيقته النصرانية؛ لتعلق قلبه بها ولتحقيق شرطها.
ومن وقع في داء النظر أدمن عليه وصار همه وعادته.
وفي الجملة -أيها الأحبة- فالنظر إلى ما حرم الله فتنةٌ في الدين، وفسادٌ للخلق القويم، وبريدٌ للزنا واللواط وسائر الفساد.
والله تعالى خلق العينين نعمةً منه وفضلاً، فلا يحل لمن يخالط الإيمان شغاف قلبه أن يمدها إلى حرام أو يصرفها إلى معصية.
ليس الشجاع الذي يحمي مطيته *** يوم النزال ونار الحرب تشتعلُ
لكن فتى غضّ طرفًا أو ثنى بصرًا *** عن الحرام فذاك الفارسُ البطلُ
أيها المؤمنون: إن الله تعالى يخاطب أهل التقوى والإيمان بقوله: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم الله، فلا ينظرون إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يُعْلِمهم أنه شاهدٌ لأعمالهم مطًلع عليها". ثم قال: "ولما كان مبدأ ذلك من قِبل ِالبصر جعلَ الأمرَ بغضِّه مقدمًا على حفظ الفرج؛ فإن الحوادثَ مبدؤها من البصر، كما أن معظم النار من مستصغرِ الشرر، تكون نظرة ثم خطره ثم خطوة ثم خطيئة".
أيها الإخوة في الله: من غض بصره عن الحرام تخلص قلبُه من ألم الحسرة، تلكم الحسرة التي تنتاب الناظر لتعلقه بمن رآه، وتخلصه أيضًا من أسر الشهوة، فكم للشهوة من أسير ومنكسر.
وغض البصر -أيها المؤمنون- يورث الإنسان أنسًا بالله؛ لأنه ترك شهوته من أجل مولاه، وغضُّ البصر ينوّر القلب وسائر الجوارح بسلامتها من السهم المسموم وإغلاق منافذ الشيطان عنها، ويسهلُ طريقَ التفكير والتفقه في الدين، ويورث القلب قوةً وشجاعة وثباتًا.
وغضُ البصر -أيها الإخوة- يزرع في القلب بهجة وفرحة، وقد قال بعض العارفين: "والله، للذة العفة أعظمُ من لذة الذنب".
غض البصر يخلص القلب والعقل من سكر الشهوة ورقدةِ الغفلة؛ ذلك أن إطلاق البصر يتدرج بصاحبه حتى تستحكم الغفلة عن الله فيه ويقع في سكرِ العشق.
ويكفى -معاشر الأحبة- يكفي مصلحةً من غض البصر عن النظر إلى النساء أنه يسدّ بابًا من أبواب جهنم وهو الوقوع في الزنا، والعياذ بالله.
أيها المسلمون: يزداد النكير على من يطلقون أبصارهم بالنظر إلى الحرام، ويزداد الحث بغض البصر كلما كانت الفتنة بالنساء أشد، وكلما كثر الاختلاط والتبرج في زمن أو مكان ما، فإن بعض مجتمعات المسلمين كانت محافظة ومحتشمة، ولما جاء الاستعمار نشر فيها التبرج والسفور والاختلاط وسائر وسائل الفساد.
يزداد النكير والتذكير بزيادة الصحف والمجلات والأفلام والفضائيات ودور السينما وأماكن اللهو المختلفة، والمسلم مسؤول أمام الله تعالى عن نفسه أولاً، وعن مجتمعه ثانيًا.
كلٌّ منا مسؤولٌ عن تصرفاته التي تكون بمحض إرادته واختياره: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [فاطر:18]، فلا يقبَل عذرُ معتذر بأن وسائل النظر منتشرة.
القابض على دينه في وسط تكثر فيه النساء الكاسيات العاريات -بذاتها أو بصورتها- مضاعفٌ له الأجر إن شاء الله، جزاءَ صبره وقوة إيمانه.
وهذه المصائب والمنكرات هي فتنة، وهي محك لاختبار الإيمان: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيّبِ) [الأنفال:37]. فالناجح هو الممتثل لأمر ربه المراقب لمولاه، والخاسر هو من يطلق لشهوته العنان، ويلقي التبعة على غيره إن كان له إحساس بالذنب.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، اتقوا الله في أبصاركم، وغضوا أبصاركم عن الحرام، تحفظوا فروجكم عن الوقوع في فاحشة الزنا واللواط، وينوّر الله قلوبكم ويزيد في درجاتكم، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30، 31].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدى سيد المرسلين...
عباد الله: الإسلام ليس دينًا نظريًا لا صلة له بالواقع، فأحكامه وتشريعاته ليست مواعظ ونصائح فحسب، بل هي دينٌ أنزله الله ليحكم بين الناس، فالله تعالى يربط بين القول والفعل في آيات كثيرة، ويحذر من الفصل بينهما: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3].
المسلم مطلوب منه أن يمتثل قول رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت". ومطالبٌ أيضًا أن يراقب ربه في الخلوات، كما هي حاله أمام أصحابه وكل الناس، لا ينتهك حرمات الله إذا خلا بها بمفرده.
المسلم مطالبٌ بإقامة المعروف وإنكار المنكر، كلٌّ بحسب جهده وموقعه، وكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، الأبُ راعٍ ومسؤولٌ عن أهل بيته، فلا يسمح بالمجلات الخليعة ولا المسلسلات المدمرة بدخول البيت، وهذا الدش الذي أصبح يوزع الضلالات والفتن، على المسلمين أن يحذروه وأن يقوا أنفسهم وأهليهم منه، وهكذا موقفُ المسلم في كل ما يدعو للنظر وللشر، فإن تجفيف منابع النظر في مجتمعات المسلمين هي الأهم في قطع الطريق على شهوات النفس وسهام إبليس المسمومة، مع ما يصاحب ذلك من نشر العلم الشرعي والوعي الصحيح بالدين وبخطر المؤامرة على المسلمين.
ومن تربية الأبناء والأهل على الآداب الشرعية ربطهم بالكتاب والسنة، فالأمة متى ما عملت في سبيل مرضاة ربها وأخلصت في ذلك فإن الله يوفقها للخيرات، ويعصمها من المنكرات، ويبارك لها في الحياة، ويسكنها فسيح الجنات.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي