سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- (14) الإسراء والمعراج – مشاهد وعظات – 2

إبراهيم الدويش

عناصر الخطبة

  1. أعظم آية أراها الله لنبينا -صلى الله عليه وسلم- في رحلتي الإسراء والمعراج
  2. علو منزل النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
  3. الشوق للجنة وسبل الوصول إليها
  4. الإسلام دين الفطرة النقية
  5. نهر الكوثر وصفه ولمن يكون
  6. سوء أحوال المغتابين أكلة لحوم البشر.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مظل له ومن يظلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

 أما بعد: إخوة الإيمان! أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، فالسعيد من راقب الله وأحسن تعامله مع ربه، واتبع هدي نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فسلامة المنهج في اتباع هدي القرآن والسنة، وما أحوجنا في واقعنا المعاصر لتتبع سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والوقوف على دروسها وعبرها.

 وكنا قد تحدثنا في الخطبة السابقة عن المعجزة الربانية العجيبة رحلة الإسراء والمعراج، وأثرها في الإيمان بالغيبيات، وثبات القلب على التوحيد، وذكرنا أنه قد جرت في هذه الرحلة آيات عظيمة، وأحداث عجيبة، ومشاهد لحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- غريبة، في السماوات، والملائكة، والجنة وسدرة المنتهى،.. وغير ذلك مما أطلعه عليه ربه -سبحانه وتعالى- في تلك الليلة من عجائب القدرة الإلهية ما يكون تثبيتًا له على تحمل أعباء دعوته ورسالته صلوات الله وسلامه عليه، وهي تثبيت لنا أيضًا، خاصة في مثل هذا الزمان ومثل هذا الواقع الذي تتكاثر فيه الفتن وربما ضعف القلب وضعف الإيمان.

 فما أحوجنا للوقوف مع مثل هذه الآيات التي رآها بعينيه -صلى الله عليه وسلم- ونقلها للأمة، نقلها لأمته وتناقلها الرواة بأحاديث صحيحة، فما أحوجنا للتذكير بها والوقوف عند دروسها وعبرها.

 وكنا قد تحدثنا بالخطبة الماضية عن ثلاث آيات من مشاهداته -صلى الله عليه وسلم- أثناء الرحلة العجيبة رحلة الإسراء والمعراج، وهي: الآية الأولى: موقف ماشطة بنت فرعون، والآية الثانية: الزرع والحصاد من المجاهدين في سبيل الله وجزاؤهم عند ربهم، والآية الثالثة: المتثاقلون عن أداء الصلاة ورضخ رؤوسهم.

 واليوم نواصل استعراض بعض المشاهد الأخرى مما وقف عليه -صلى الله عليه وسلم-في رحلته السماوية، فالآية الرابعة وهي أعظم آية أراها الله لنبينا  -صلى الله عليه وسلم- في رحلتي الإسراء والمعراج، وهي: رؤية الجنة ومقامه -صلى الله عليه وسلم- في جنة عدن، ورؤيته أنهار الجنة..

 فقد جاء في الحديث المتفق عليه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ المُنْتَهَى -وهي شجرة في أقصى العلو تحت العرش إِلَيْهَا يَنْتهي عِلُم الْأَوَّلِينَ والآخِرين وَلَا يتعدَّاها-، فَإِذَا نَبْقُهَا -أي: ثمارها- مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ -أي: جرار عَظِيمَةٌ كجرار مدينة هجر-، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ" (الْبُخَارِيّ: 3887، وَمُسْلِمٌ: 264).

وأما مكانه -صلى الله عليه وسلم- من الجنة هي جنة عدن، كما في حديث سمرة بن جندب المتفق عليه قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ -وهما جبريل وميكائيل- وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا» -إلى أن قال -صلى الله عليه وسلم- قَالاَ لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ: «فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيْضَاءِ»، قَالَ: "قَالاَ لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ" قَالَ: "قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قَالاَ: أَمَّا الآنَ فَلاَ، وَأَنْتَ دَاخِلَهُ".

اللهم برحمتك اجعلنا مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في جنات عدن، اللهم اشتقنا لرؤية حبيبنا  -صلى الله عليه وسلم-، ولجنات النعيم، فاللهم بكرمك وفضلك وإحسانك أكرمنا بجنات عدن وبمجاورة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

إِنْ كُنْتَ مُشْتَاقًا لَهَا كَلِفًا بِهَا *** شَوْقَ الْغَرِيبِ لِرُؤْيَةِ الأَوْطَانِ

كُنْ مُحْسِنًا فِيمَا اسْتَطَعْتَ فَرُبَّمَا *** تُجْزَى عَنِ الإِحْسَانِ بِالإِحْسَانِ

وَاعْمَلْ لِجَنَّاتِ النَّعِيمِ وَطِيبِهَا *** فَنَعِيمُهَا يَبْقَى وَلَيْسَ بِفَانِ

نسأل الله الجنة، وفي الحديث دِلالة على كون الجنة في السماء، وأنها دار ومقام لعباد الله الصالحين الذين سموا وارتفعوا بإيمانهم وأعمالهم عن دركات الشرك والمشركين، ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 17]" (رواه البخاري: 3244، ومسلم : 2824).

ألا فمن اشتعلَ قلبُه شوقًا إلى الجنة؛ فليعلم أنَّه لن ينالَ من الجنةِ إلَّا على قدر صبره على المكاره العاجلة، ومكابدة الطاعات الثقيلة كالقيام، والصيام، والجهاد، والصدقة، وغيرها فقد أخبر -صلى الله عليه وسلم-: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ" (البخاري: 6487).

 وما أسرع نسيان الألم عندما تطيب نفس المكابدين للطاعات بسماعهم هذا القول الميمون: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: 24]، نسأله برحمته أن ينادينا بهذا النداء الحاني برحمة أرحم الراحمين.

وأما الآية الخامسة مما رآه -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج: ما جاء في الصحيحين قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ: هِيَ الفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ" (البخاري: 3887، ومسلم: 264).

ويؤكد هذا أن الإسلام دين الفطرة، وأنه الدين الذي أنزل الله به الكتب، وأرسل به الرسل، وهو الدين الذي يولد به الإنسان وجبله الله عليه منذ خلقته الأولى، وأن أيَّ انحرافٍ في معتقد المرء، أو سلوكياته إنما هو نتيجة فساد البيئة التي نشأ فيها، كما قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاء،هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ -أي: مقطوعة الأذن-، حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا؟ -تقطعون أذنها-". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- راوي الحديث: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30]. (رواه البخاري: 6599، ومسلم: 2658).

وأما الآية السادسة مما رآه -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج: نهر الكوثر: كما جاء في حديث أَنَس -رضي الله عنه-؛ قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا. فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَر –أَيْ: طَيِّب الرِّيح؟!-" (رواه البخاري: 4964).

ومن أفضل ما جاء في وصف الكوثر الحديث المتفق عليه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم-: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا" ( البخاري: 6579، ومسلم: 2292).

نسأل الله أن يرزقنا شربة بيده الشريفة -صلى الله عليه وسلم- من حوض الكوثر نقية لا نظمأ بعدها أبدًا، اللهم اجعلنا من إخوان نبيك الذين قال فيهم: "فَإِنَّهُمْ يَأتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ". ثُمَّ قَالَ: "أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ. أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ.فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا" (البخاري: 2367، ومسلم: 247).

 نعوذ بالله من أن نكون ممن حادوا عن صراط نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم-، فيُحرَمون حوضه ومن الشربة الهنيئة، وقد جاء في حديث عجيب عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيِّ؛ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَتَيْتُهُ عَلَى بَرِيدٍ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ. قَالَ: لَقَدْ شَقَقْنَا عَلَيْكَ، يَا أَبَا سَلَّامٍ فِي مَرْكَبِكَ! قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: وَاللَّهِ! مَا أَرَدْتُ الْمَشَقَّةَ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ ثَوْبَانَ؛ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَوْضِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُشَافِهَنِي بِهِ.

قَالَ: فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم-؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "إِنَّ حَوْضِي مَا بَيْنَ عَدَنَ إِلَى أَيْلَةَ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، أَكَاوِيبُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَا بَعْدَهَا أَبَدًا، وَأَوَّلُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ".

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدُّنْسُ ثِيَابًا، وَالشُّعْثُ رُءُوسًا، الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ، وَلَا يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ -لا تقبل له شفاعة في الدنيا-".

 قَالَ: فَبَكَى عُمَرُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنِّي قَدْ نَكَحْتُ الْمُنَعَّمَاتِ، وَفُتِحَتْ لِي السُّدَدُ، إِلَّا أَنْ يَرْحَمَنِي اللَّهُ. وَاللَّهِ! لَا جَرَمَ أَنِّي لَا أَغْسِلُ ثَوْبِي الَّذِي عَلَى جَسَدِي حَتَّى يَتَّسِخَ، وَلَا أَدْهُنُ رَأسِي حَتَّى يَشْعَثَ. (رواه ابن ماجه: 4303، وصححه الألباني).

فإن كان هذا قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فما عسى أن يقول أمثالنا ممن انغمسوا في النعيم وتقلبوا فيه، ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾[التكاثر: 8].

 فاللهم إنا نسترحمك ونرجوك أن لا تحرمنا الجنة ولا شربة من حوض نبيك بطيباتنا التي عجلت لنا، يا ربنا أنت ملك كريم رحيم فهب لنا من فضلك الواسع العظيم، جعلنا الله وإياكم بكرمه وفضله ممن يشربون شربة هنيئة من يده  -صلى الله عليه وسلم- لا يظمئون بعدها أبدًا.

وأما الآية السابعة مما رآه -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج: حال المغتابين، أكلة لحوم البشر: كما في حديث أَنَسِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ"(أبو داود: 4878، وصححه الألباني).

 هكذا يصف لنا -صلى الله عليه وسلم- حال المغتابين للناس ممن يأكلون لحوم المسلمين ويتفكهون بأعراضهم في المجالس والمنتديات ووسائل التواصل، ثم يقولون: نحن ما كذبنا عليه وما قلنا فيه إلا حقاً، ولقد أجابهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما قِيلَ لَهُ: مَا الْغِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ"، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ يا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "إِنْ كَانَ فِي أَخِيكَ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدْ بَهَتَّهُ"(مسلم: 2589).

هذه هي الغيبة كما عرفها -صلى الله عليه وسلم- واضحة جلية، فهل سيتعظ المغتاب أو المغتابة وهو يسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينقل له هذا المشهد الغيبي السماوي عن حال المغتابين ومصيرهم، إنها نافذة أطلعه الله عليها فنقلها -صلى الله عليه وسلم- لأمته رحمة وشفقة منه، وتحذيراً وبياناً لكل عاقل لينجوا بنفسه من لسانه، "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".

 اللهم احفظ علينا ألسنتنا، واجعل ما نقوله حجة لنا، اللهم نجنا من أعراض المسلمين ودمائهم، واجعلنا ممن يسلم المسلمون من ألسنتهم وأيديهم، واغفر لنا ضعفنا وفلتات كلماتنا.

ولبقية المشاهد العجيبة لليلة الإسراء والمعراج حديث قادم بمشيئة الله، جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع