سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- (12) الإسراء والمعراج

إبراهيم الدويش

عناصر الخطبة

  1. حاجة البشر إلى تدبر وتأمل سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-
  2. معجزة الإسراء ورحلة ربانية إلهية
  3. الفرق بين حقائق عالم الغيب وحقائق عالم الشهادة
  4. أعظم صفة للمؤمنين الموقنين
  5. تأملات في أحداث الرحلة
  6. من فوائد رحلة الإسراء والمعراج.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

أما بعد عباد الله: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، فالسعيد والله من لزم التقوى، والشقي من حرم التقوى، فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

ما زال حديثنا متواصلاً مع سيرة خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام، نستعرض قبسات مختارة من سيرته، نعرضها ونحللها، ونقف معها مستنبطين منها أهم الدروس والعبر، المتصلة بحياتنا وواقعنا المعاصر، واليوم نتحدث عن معجزة من أعظم المعجزات، سخرها الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بعد أحداث جسام مرت بحبيبنا -صلوات الله وسلامه عليه-، أحداث تنوء الجبال عن حملها، كوفاة عمه أبي طالب، فرغم أنه لم يؤمن بالنبي –صلى الله عليه وسلم- إلا أنه كان ينتصر له ويدافع عنه، ويمنع أهل مكة من إيقاع الإيذاء به، فكان يمثل حماية وسداً منيعاً للجبهة الخارجية لنبينا -عليه الصلاة والسلام-.

ثم بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام -حسب بعض الروايات- توفيت شريكة الحياة، والزوجة الوفية خديجة بنت خويلد -رضي الله تعالى عنها وأرضاها-، والتي كانت تقف بجوار النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتشد من أزره، وتخفف عنه ما يلاقيه من عنت الكفار، فكانت تُمثل حماية وسدّاً منيعاً للجبهة الداخلية لحبيبنا -عليه الصلاة والسلام-، وقبل وفاتها بأيام وبعد هاتين الحادثتين ضيّق الكفار الخناق على النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعوته أكثر فأكثر، فخرج -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف ملتمسًا من قبيلة ثقيف الهداية والرشاد والدعم، فلم تستجب له -صلى الله عليه وسلم-، بل ردت دعوته ردًّا سيئًا إلى درجة أنها أغرت سفهاءها وصبيانها بأذيته وقذفه بالحجارة كما تقدم في خطب ماضية.

اهتم كثيراً -صلوات الله وسلامه عليه-، ضاق الأمر عليه، أحداث جسام تحملها -صلوات الله وسلامه عليه- صابرًا محتسبًا، أراد الله -سبحانه وتعالى- أن يُسرّي عن رسوله، نعم لما رفضه أهل الأرض، كانت هذه المعجزة العظيمة، رحلة الإسراء والمعراج، جاءت في وقت عصيب كئيب كفرج وبشارة وتسلية، فإن تخلى عنه من في الأرض فلم ولن يتخلى عنه من في السماء، فكانت معجزة الإسراء والمعراج مِنَّة وهدية، ورحلة ربانية إلهية، يقول الله –تعالى- بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [الإسراء: 1]، حقًّا إنها آية من آيات نبوته، معجزة تحمل رسالة فتقول: إن حقائق عالم الغيب أعظم أثرًا أمام حقائق عالم الشهادة، فأين الذين لا يؤمنون إلا باليقينيات التي يرونها بأعينهم؟!

أتساءل وأنا أحضّر هذه الخطبة: "يا ترى ماذا سيقول ضعاف الإيمان عن رحلة الإسراء والمعراج لو كانت في مثل هذا الزمان؟ ماذا سيكتبون؟ ماذا سيقولون؟ فضلاً على أن يصدقوا، "اسمعوا عباد الله، تأملوا هذا الحدث العظيم، الذي أخبرنا الله -عز وجل- عنه في القرآن الكريم، والرسالة في هذه المعجزة تقول: "لا تيأسوا من رحمة الله، فالله ناصر أوليائه مهما كانت الأزمات، فالمنحة تأتي من رحم المحنة، فبعد كل هذه الآلام التي تحملها -صلى الله عليه وسلم- دعاه الله –تعالى- إلى حفل تكريم عام، إي والله حفل تكريم وأيّ حفل، أيّ تكريم هذا، يشهده الأنبياء والمقربون في بيت المقدس، حفل تكريم خاصّ فوق سبع سموات.

فتعالوا -عباد الله- لنبدأ رحلة الإسراء والمعراج مع نبينا -صلى الله عليه وسلم- من بدايتها، فها هو جبريل يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويبدأ بإجراء عملية جراحية له، يشق صدره الشريف، يغسله بماء زمزم، ثم يضعه في طست مملوء بإيمانٍ وحكمة، ويفرغه في صدره -صلى الله عليه وسلم-، والحكمة من هذه العملية التجهيز النفسي والبدني له -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه سيرتحل إلى الفضاء، سيرتحل إلى الأعلى، سيسافر إلى القدس بسرعة هائلة لا يُمكن قياسها مهما بلغت المعايير العلمية..

يا من لا تؤمنون إلا باليقينيات والعلميات، إنه عالم الغيب، أعظم صفة للمؤمنين الموقنين المصدقين الذين يؤمنون بالغيب، سيرتحل -صلى الله عليه وسلم- رحلة عجيبة، سيُصعد به من القدس إلى السموات العلى، ثم سيعود إلى مكة في نفس الليلة، في نفس الليلة، يرتحل إلى القدس، من مكة إلى القدس، ثم من القدس إلى السماوات، ثم يعود إلى مكة في ليلة، فلا إله إلا الله، آمنا بالله رباً، بعظمته بملكوته بقدرته -سبحانه وتعالى-.

أما الجسد البشري الضعيف لا يقدر على مجابهة رحلة فضائية معتادة، فكيف بمثل هذا الإعجاز، ألسنا نجد في عصرنا الحديث روّاد الفضاء إذا ارتحلوا للفضاء الخارجي لا بد لهم من إعدادات واستعدادات هائلة كارتداء ملابس خاصة عالية التقنية، رغم أنهم لا يسيرون إلا في نطاق السماء الأولى.

وأما حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- فصعد به إلى ما فوق السموات السبع، فلا إله إلا الله، املئوا قلوبكم إيمانا إخوة الإيمان، املئوا قلوبكم ثباتًا في هذا الزمان، عندما نقف مع معجزات الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ليست روايات تاريخية، ثم يأتي جبريل بالبراق مسرجًا ملجمًا، وهو دابة أبيض، طويل، فوق الحمار ودون البغل، يتميز بسرعة شديدة؛ حيث يضع حافره عند منتهى طرفه، فامتطاه النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوجه إلى بيت المقدس، فلما وصل إليه، ربط البراق بالحلقة التي يَربط به الأنبياء، ليأخذ بالأسباب ويعلمنا -صلى الله عليه وسلم- عدم التواكل.

 فمع كونه في رحلة ربانية فإنه يربط البراق، ويأخذ بالاحتياط، ففعل الأسباب لا يقدح في التوكل ما دام الاعتماد على الله تعالى. ثم يدخل نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس لحضور حفل التكريم العام، وقد جمع الله له الأنبياء والمرسلين، فيقدم جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة آنية: إناء من لبن، وإناء من ماء، وإناء من خمر، فاختار النبي -صلى الله عليه وسلم- اللبن، فقال له جبريل: "أصبت الفطرة، فلو اخترت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو اخترت الخمر لغويت وغوت أمتك".

ثم يُقام للصلاة، فلم يتقدم للإمامة أبو البشر آدم الذي خلقة الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته؟ ولا أبو الأنبياء إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً؟ ولا موسى الذي كلمه الله تكليمًا؟ بل أخذ جبريل بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقدَّمه، فصلى بالأنبياء إمامًا، وفي ذلك بيان فضله -صلى الله عليه وسلم-ومقامه ورتبته عند ربه.

وفيه أيضًا إشارة إلى أنهم لو كانوا أحياءً في الدنيا لم يكن في وسعهم إلا اتباعه، وكأنهم يقولون لمن لم يتبعه من اليهود والنصارى وغيرهم: لو كنا أحياءً لاتبعناه، فما بالكم لا تتبعونه وهو بين أظهركم؟!

صلى بالأنبياء ثم بدأت رحلة المعراج فَصُعِدَ به -صلى الله عليه وسلم- ومعه جبريل إلى السماء الأولى فاستفتح، فقيل له: "من؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ فقال: محمد. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء".

فيرى النبي -صلى الله عليه وسلم- "رجلاً قاعدًا عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى".

ثم فَصُعدَ به -صلى الله عليه وسلم-إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل كما في الأولى، فرأى النبي-صلى الله عليه وسلم- ابني الخالة عيسى ويحيى -عليهما السلام-، فسلما على النبي -صلى الله عليه وسلم- ورحبا به، ثم في الثالثة رأى يوسف -عليه السلام-، وقد أُعطي شطر الحسن، وفي الرابعة إدريس -عليه السلام-، وفي الخامسة هارون -عليه السلام-، وفي السادسة موسى -عليه السلام-، فلما جاوزه النبي-صلى الله عليه وسلم- بكى موسى، فَقِيلَ: "مَا أَبْكَاكَ: قَالَ: يَا رَبِّ هَذَا الغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي"! وكَانَ بُكَاؤُهُ عليه السلام حُزْنًا عَلَيْهِمْ، وَغِبْطَةً لِنَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم- عَلَى كَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ، وَالْغِبْطَةُ فِي الْخَيْرِ مَحْبُوبَةٌ.

ثم صُعِدَ به -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء السابعة فرأى إبراهيم -عليه السلام- فسلم عليه ورحب، وقال له: «يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَإِنَّهَا قِيعَانٌ، وَغِرَاسُها قَوْلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».

ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- البيت المعمور، وهو لأهل السماء كالبيت الحرام لأهل الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة.

 ثم صُعدَ به -صلى الله عليه وسلم- إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ، فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَهَا تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِفَهَا مِنْ حُسْنِهَا وجمالها. ثم صُعدَ به -صلى الله عليه وسلم- إلى مُسْتَوًى سمع فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ، وهي تَكتب مقادير الخلائق.

   سريتَ من حرمٍ ليلاً إلى حرمِ *** كما سرى البدرُ في داجٍ من الظلمِ

حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْواً لمُسْتَبِقٍ*** من الدنوِّ ولا مرقيً لمستنمِ

سبحان الله! لقد اخترق النبي -صلى الله عليه وسلم- الحُجُب في تلك الرحلة العجيبة، فأوحى الله إليه ما أوحى، وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة،لم يزل-صلى الله عليه وسلم- يراجع ربه ويسأله التخفيف بعد أن أوصاه بذلك موسى -عليه السلام- إلى أن جعلت الخمسون خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة.

ثم عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة، لكنه كان يُفكر كيف سيخبر أهل مكة في الصباح بما حدث، فهو على يقين أنهم سوف يكذّبونه، فقعد حزينًا، فمرّ عليه عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: "هل كان من شيء؟ قال: نعم. قال: ما هو؟ قال: أسري بي الليلة. قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. فقال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم. فقال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ قال: نعم".

ففرح أبو جهل بهذا، وأخذ ينادي على أهل مكة ويقول: تعالوا اسمعوا فرية محمد الجديدة، حتى جمعهم جميعًا بين يدي النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقال أبو جهل: "حدّث قومك بما حدّثتني. فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: إني أسري الليلة بي. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم".

 فتعجبوا مما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان منهم المصفّق، ومنهم من وضع يده على رأسه متعجّبًا، ومنهم من فتح فمه دهشة، وضجّوا وأعظموا ذلك. وقالوا: نحن نضرب أكباد الإبل إلى البيت المقدس ذهاباً شهرًا وإياباً شهرًا، أتدّعي أنت أنك أتيته في ليلة؟

فكذبوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يصدقه كل مرة في كل ما يقول. ثم أرادوا اختبار النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: صف لنا بيت المقدس، كيف بناؤه وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل؟ والنبي-صلى الله عليه وسلم- لم ير بيت المقدس قبل ذلك، والمدة التي مكثها في إسرائه لا تكفيه لحفظ معالم بيت المقدس، فكيف يا ترى سيجيب-صلى الله عليه وسلم-عن أسئلتهم؟!

أليس الذي أسرى به في ليلة قادرًا على أن يأمر الملائكة أن تحمل بيت المقدس، أو نسخة منه، فتوضع بين يدي نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ما كان فعلاً بقدرة الملك القاهر –سبحانه-، فكانوا كلما سألوا سؤالاً أجاب عليهم بما يعرفون، وأبو بكر الصديق يقول: صدقت صدقت، أشهد أنك رسول الله.

فقال القوم: أمّا النعت فوالله لقد أصاب. ثم قالوا لأبي بكر: أفتصدّقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فبذلك سمي أبو بكر الصديق.

إنه الإيمان بالغيب -إخوة الإيمان- أعظم وسائل الثبات في هذا الزمان وفي كل زمان، فالمؤمن قوي الإيمان خير عند الله من ضعيف الإيمان، فضعاف الإيمان آنذاك كفروا بالنبي-صلى الله عليه وسلم- بعد حديثه عن رحلة الإسراء والمعراج، وقد كانت هذه فتنة تنقية وتصفية، حتى لا يبقى مع النبي-صلى الله عليه وسلم- إلا المؤمنين المصدقين بنبوته ورسالته السماوية؟

فالإسلام في بدايته وفي مرحلة حاسمة لا يمكن أن يقوم إلا على أكتاف رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، خاصة وأنهم قادمون على مراحل جديدة، فهناك هجرة وترك للأوطان، وهناك جهاد وقتال في سبيل الله، وهناك بناء لدولة جديدة، فكل هذه الأعمال تتطلب رجالاً موقنين صادقين، فكان من فوائد رحلة الإسراء والمعراج ألا يبقى في صفوف المسلمين إلا من آمن وقلبه مطمئن بالإيمان، وإن كانوا قلة، فالعبرة بالكيف وليس الكم، فمائة من المؤمنين الصادقين الموقنين خير من مليون كغثاء السيل.

عباد الله! هذه قصة الإسراء والمعراج باختصار، وهي مليئة بمشاهد عجيبة، وفيها دروس وعبر، وحكم وعظات، أقف هنا ولعلنا نقف معها في خطب أخرى مرات ومرات، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع