التفاؤل وعدم اليأس 2

أحمد بن ناصر الطيار

عناصر الخطبة

  1. البشائر من الكتاب والسنة على تمكن المسلمين
  2. الاستبشار بتوالي دخول الغربيين وغيرهم في الإسلام
  3. الاستبشار بظاهرة الالتزام بالدين في واقع المسلمين

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فإن من اتقى الله وقاه.

عباد الله: لقد تضافرت الأدلة من القرآن والسنة, الدالة على تمكين الله لهذه الأمة، ورفعة شأنها، فمن ذلك: قال -تعالى-: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىَ اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33)﴾ [التوبة:31-32].

قال ابن كثير -رحمه الله-: يقول -تعالى-: يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب ﴿أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾، أي: ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحق، بمجرد جدالهم وافترائهم، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه، وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل الله به رسوله لا بد أن يتم ويظهر؛ ولهذا قال -تعالى-: ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

ثم قال -تعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أي: على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيح، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله زَوَى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زُوي لي منها" اهـ.

وروى الإمام أحمدُ عن تميمٍ الداري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليبلغن هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله هذا الدين، بعِزِّ عزيز، أو بِذُلِّ ذليل، عِزَّا يعز الله به الإسلام، وذُلَّا يذل الله به الكفر".

وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ, ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ, فَقَالَ: "يَا عَدِيُّ، إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ -أي المرأة- تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ -وهي بلدة بالعراق- حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ؛ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ, يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ, فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ".

قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ, وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ, وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-. رواه البخاري.

ومن المبشرات العظيمة ما رواه الإمام أحمد وصححه الألباني عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قَالَ: بينما نحن جلوس حول رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- إذ سُئل: أي المدينتين تفتح أولاً: قسطَنْطِينيَّة أو رومية؟ فقَال رَسُول اللَّه: "مدينة هرقل تفتح أولاً", يعني قُسْطَنْطِينِيَّة.

وقد تحقق الفتح الأول على يد الخليفة العثماني محمدٍ الفاتحِ رحمه الله -تعالى-، وذلك عام سبعة وخمسين وثمانمائة، ونحن ننتظر صدق الوعد الآخر، وهو سقوط رومية أو روما بفضل من الله وبمشيئة منه -تعالى-، وهذا وعد منه -صلى الله عليه وسلم- لا بد أن يتحقق.

وروى الشيخان عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! هذا يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود".

وهذا الحديث يشير إلى أن اليهود سيجتمعون في مكان، ثم يتسلط عليهم المسلمون، وهذا هو الواقع الكائن، والدلائل تشير إلى هذا، فإن اليهود يجمعون من كل مكان في فلسطين.

فهذه الأحاديث تدل على حتمية رجوع الإسلام إلى مركز الريادة، وموضع القيادة، ومقام السيادة، من شرق الدنيا إلى غربها، لتتحقق إرادة الله التي اقتضاها للأمة الإسلامية منذ الأزل.

ومن البشائر -معاشر المسلمين- واقعُ الأمة الإسلامية، هذا الواقع الذي بدأت تصحو الأمة فيه على نداءات المخلصين.

إنَّ ما نشاهده اليوم في أنحاء العالم الإسلامي من صحوة مباركة، ومن رجوع صادق إلى دين الله يزداد -ولله الحمد والمنة- يوماً بعد يوم؛ يدل دلالة صادقةً على إقبال هذه الشعوب على الالتزام بحقيقة دينها، والنهوض بأمتها؛ ناهيك عن إقبال غير المسلمين على الدخول في دين الله -عز وجل-.

اقرؤوا الصحف والمجلات، وانظروا في اليوم الواحد: كم يسلم من المشركين والكفار؟ كم أعداد أولئك الذين يدخلون في الإسلام سواء من الرجال أو النساء؟ هذا ما يُذكر في الصحف والمجلات، وما لم يذكر فهو أكثر.

قال معالي الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي, الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي: من قوة الإسلام الذاتية الكامنة أن ترى الناس يدخلون فيه بتزايد مستمر، ومن مختلف الفئات الاجتماعية والمستويات العلمية، رغم الدعاوى التي تناوئُه وتصدُّ الناس عن سبيله: ﴿وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة:32].

ومن وقائع هذا التزايد، ما كشفت عنه دراسة حديثة من أن أكثر من أربعة آلاف ألماني دخلوا في الإسلام في سنة واحدة.

وفي فرنسا أوردت صحيفة فرنسية تقريراً عن انتشار الإسلام بين الفرنسيين، جاء فيه: على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخراً ضد الحجاب الإسلامي، وضد كل رمز ديني في البلاد، فقد أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله بلغت عشرات الآلاف مؤخراً، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يومياً من ذوي الأصول الفرنسية. اهـ.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية نشرت صحيفة أمريكية مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين يقدرون عدد الأمريكيين الذين يدخلون في الإسلام سنوياً بخمسة وعشرين ألف شخص. اهـ.

عباد الله: وتأملوا في انتشار المساجد وكثرتها في بقاع العالم, ففي بلاد المغرب وحدها بلغ عدد الأماكن المخصصة للصلاة أربعين ألف مسجد…

وفي فرنسا المعاديةِ للإسلام يوجد أكثر من ألفي مسجد!.

وأما الكنائس في أوروبا فهي مهجورة وتعرض للبيع! و أغلب الكنائس المباعة يشتريها المسلمون ويتم تحويلها إلى مساجد.

وتقول دراسة بريطانية: إنه من المتوقع أن يتراجع عدد الكنائس في بريطانيا بحلول عامِ ثلاثين وألفين من ثمانية وأربعين ألف كنيسة إلى تسعة وثلاثين ألف كنسية، أي ما يعادل خُمس كنائس بريطانيا.

هذا؛ وقد توالت فضائح الكهنة والقساوسة الذين خالفوا الفطر بادعائهم أتهم يتعففون عن الزواج, فإذا بهم يرتكبون الجرائم البشعة في وسط الكنائس, وهو ما دعا بابا الفاتيكان إلى أن يقدم اعتذارا إلى ضحايا التجاوزات الجنسية ضد الأطفال, التي ارتكبها كثير من الكهنة، وقال: إنه يشعر بالعار من جراء التجاوزات الجنسية على القاصرين من جانب بعض الكهنة ورجال الدين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا.

عباد الله: لو تأملنا في واقع أمتنا رأينا مظاهرَ الالتزام والرجوع إلى الدين ظاهرة جليّة.

انظروا إلى الصلاة في المساجد, أرأيتم زوار المساجد وعمارَها؟ كم عددهم؟ وكم هي أعمارُهم؟ لقد جاء وقت في بعض البلدان الإسلامية يُوصف فيه من يحافظ على الصلاة بأنه متخلفٌ ورجعيّ, ولا يحافظ على الصلاة إلا كبار السنن, أما الآن؛ فالمساجد ممتلئة بالصغار قبل الكبار.

انظروا إلى الحجاب وانتشارِه, وقد كان قبل سنوات, لم يكن في إحدى الجامعات العربية إلا فتاة محجبة واحدة, على مستوى الجامعة، ثم دارت الأيام، فهاهي الجامعات تَزْخَرُ بالمحجبات؛ بل المنقبات.

انظروا إلى معارض الكتاب, ألم تلحظوا أن أكثر الكتب مبيعاً هي الكتب الإسلامية؟ وأن أشد الأجنحة زحاماً هي الأجنحة الإسلامية؟ وأن أكثر الدور إنتاجاً هي الدور الإسلامية؟.

ورأينا بنوكاً ربوية تحولت إلى مصارف الإسلامية!.

ورأينا هذا الكمَّ الهائلَ من القنوات الإسلامية, وانتشارها بلغات متعددة, وإقبال الناس عليها.

ولو تأملنا كيف احتلت روسيا الشيوعيةُ جمهورياتٍ إسلامية ما يزيد على ثلاثمائة عام عانت خلالها القهر والتعذيب, والقتل والتشريد؛ فحمْلُ المصحف كان جريمةً يعاقِبُ عليها القانون، الإيمان بالله ينكرونه، والإيمان برسوله يحاربونه؛ ثم تمر السنوات، فإذا بشعوب ما زالت مسلمة، وبقلوب ما زالت مؤمنة، وبأيد ما زالت متوضئة، وبرؤوس ما زالت ساجدة؛ فتخرّج من جديد, ونشأ جيلٌ محبٌّ للدِّين والقرآن.

حتى إنه قبل عام تم افتتاح أول جامعة إسلامية في روسيا, وقبل أيام بدأت تستعد روسيا لبث أول قناةٍ تلفزيونية إسلامية.


تم تحميل المحتوى من موقع