الأخوة الإيمانية

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
عناصر الخطبة
  1. تحقيق الأخوة الإيمانية من الأصول الدينية العظيمة .
  2. الأخلاق الحسنة معين على الأخوة الصادقة .
  3. أسباب محرمة تهتك حقوق الأخوة .

اقتباس

إن الواجب على المسلم أن يسعى في تحقيق هذه المُثل العُليا والأخلاق العُظمى، فهو حسنٌ في قوله وفعله، فاضلٌ في سلوكه ومنهجه، ويجبُ عليه أن يكون رحيمًا لطيفًا رفيقًا بإخوانه المسلمين، هيِّنًا سهلاً مُتواضعًا مع أحبابه المؤمنين، حليمًا عند الغضب، كظومًا عند الغيظ، عفوًّا عند الإساءة والجهل، يتعاملُ مع المسلمين بكل خُلُقٍ رفيعٍ وتعامُلٍ سامٍ راقٍ تقبلُه النفوس البشرية، وتألفُه الطِّباعُ الإنسانية ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعله سببًا للمودة والوِئام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلاَّم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله سيدُ ولد عدنان، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أيها المسلمون: من الأصول الدينية العظيمة: وجوب تحقيق الأُخوَّة بين المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المسلمُ أخو المسلم".

ومن هنا؛ فعلى المسلم أن يعلمَ أن أعظم حقٍّ لهذه الأُخُوَّة أن يلتزِم بالقاعدة القرآنية: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: 71]، وأن يعمل جادًّا في تحقيق المبدأ الذي دعا إليه سيدُ البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن يحبَّ للمسلمين ما يُحبُّه لنفسه في كل الأحوال وجميع التصرُّفات ظاهرًا وباطنًا، عملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثَل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى". متفق عليه.

ويقول -صلى الله عليه وسلم- داعيًا المجتمعَ المسلمَ إلى أن تشِيعَ فيه روحُ المحبة الصادقة وعاطفةُ المودَّة الصادقة: "لا يُؤمنُ أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه". متفق عليه.

أيها المسلمون: إن الواجب على المسلم أن يسعى في تحقيق هذه المُثل العُليا والأخلاق العُظمى، فهو حسنٌ في قوله وفعله، فاضلٌ في سلوكه ومنهجه، ويجبُ عليه أن يكون رحيمًا لطيفًا رفيقًا بإخوانه المسلمين، هيِّنًا سهلاً مُتواضعًا مع أحبابه المؤمنين، حليمًا عند الغضب، كظومًا عند الغيظ، عفوًّا عند الإساءة والجهل، يتعاملُ مع المسلمين بكل خُلُقٍ رفيعٍ وتعامُلٍ سامٍ راقٍ تقبلُه النفوس البشرية، وتألفُه الطِّباعُ الإنسانية.

فالمسلمُ يجب أن يكون في عيشه مع الناس يجب أن يكون ذا ذوقٍ عالٍ، يتمتَّعُ بكل صفةٍ مُحبَّبةٍ للقلوب، مُرغّبةً للنفوس، مُقتديًا في ذلك بالنبي الأعظم والرسول الأكرم -عليه أفضل الصلاة والسلام-، والذي وصَفه ربُّه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، فحينئذٍ يتبوَّأ المسلم بتلك الصفات المنزلةَ الرفيعةَ والمكانةَ العاليةَ في الدنيا والآخرة.

يقول عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه وعن أبيه-: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحشًا ولا مُتفحِّشًا. وكان يقول: "إن من خيارِكم أحسنَكم أخلاقًا". متفق عليه.

ولا غَروَ؛ فإن الأخلاق الحسنة والصفات الجميلة أسبابُ الفلاح، وركائزُ الفوز والنجاح، فقد سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يُدخِل الناسَ الجنةَ، قال: "تقوى الله وحُسن الخُلق"، وسُئِل عن أكثر ما يُدخِل الناسَ النار، فقال: "الفمُ والفَرجُ". رواه الترمذي، وقال: حسنٌ صحيح، وصحَّحه ابن حبان.

وفي سنن أبي داود بسندٍ حسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المؤمن لَيُدرِك بحُسن خُلُقه درجةَ الصائم القائم".

فيا من تريد النجاة وتبتغي السعادة: كن هيِّن المعشر، ليِّن الطِّباع، سهل التعامُل، فرسولُنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا أُخبِركم بمن تحرُم عليه النار أو بمن يحرُم على النار؟! تحرُم على كل قريبٍ هيِّنٍ ليِّنٍ سهل". رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسن.

وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بأهل النار؟! كل عُتلٍّ جوَّاظٍ مُستكبِر".

والعُتُلُّ: هو الغليظ الجافي في الطبع وفي الفعل. والجوَّاظ: هو الجَموع المَنوع.

فاتقوا الله -أيها المؤمنون- وخذوا من وصية الله -جل وعلا- لنبيِّه مثالاً يُحتذَى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر: 88].

بارك الله لنا فيما سمِعنا، ونفعنا بما تعلَّمنا، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله سيدُ الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: إن أعظم الأسباب المُحرَّمة التي تهتِكُ حقوق الأُخوَّة: التعدِّي على المسلمين بقولٍ أو فعلٍ، والتطاوُل على حقوقهم، والسعيُ إلى ظلمهم والإضرار بهم، يقول -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) [الحجرات: 11].

فاحذر -أيها المسلم- من التعرُّض لما يخدِشُ هذه الأُخوَّة المفروضة بسببٍ قلبيٍّ أو فعليٍّ أو قوليٍّ، ماديٍّ أو معنويٍّ، يقول -صلى الله عليه وسلم- ناهيًا عن هذه الأمور: "لا تَحاسَدوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَدابَروا، ولا يبِع بعضُكم على بيع بعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلمُ أخو المسلم لا يظلمُه ولا يحقِرُه، التقوى ها هنا". يُشير بيده إلى صدره ثلاث مرات. ثم يقول -عليه الصلاة والسلام-: "بحسب امرئٍ من الشر أن يحقِر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمُه ومالُه وعِرضه". رواه مسلم.

فأين المسلمون من هذه التوجيهات العظيمة والوصايا اللازمة؟! فهل يتَّقِ اللهَ مسلمٌ يُسلِّط على إخوانه السلاحَ ويُحاربُهم كأنهم أعداء بسبب دنيا فانية، ومنافع زائلة.

فتمسَّكوا بالإسلام، حكِّموا الإسلام في القلوب، طبِّقوه في الأفعال، التَزموا به في الأقوال، الله -جل وعلا- يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].

ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي