ينبغي أن يُعلم أن الأزمة المالية الأمريكية ليست وليدة اليوم، بل هي تراكم للمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي الرأسمالي منذ سنوات, تراكم الفوائد الربوية التي لا تزال تتضخم ككرة الثلج, انفجار فقاعة الرهن العقاري, انحصار الاقتصاد في يد حفنةٍ قليلةٍ من البشر، وبيد عدد محدود من الشركات العملاقة التي تُسيطر على الأسواق العالمية ..
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [لأنفال:36].
"الموت أو الهلاك" هذه هي الصيحة التي أطلقها محافظ البنك المركزي الأمريكي، معبرًا عن عمق الأزمة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي، ومحذرًا أن اقتصاد بلاده يواجه "الموت أوالهلاك"، وقد انزلق إلى الهاوية.
في دولة يصل دخلها القومي إلى 14 تريليون دولار أو ربع الدخل العالمي، وميزانية الدفاع والأمن مع تكاليف حرب العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب تتجاوز 700 مليار دولار، أي أكثر مما ينفقه العالم بأسره على الدفاع, ومع هذا يخرج رئيسها أمام العالم باهتًا في خطبته، وآثار الأزمة المالية باديةٌ على قسمات وجهه ونبرة صوته، ليقول: "الاقتصاد الأميركي في خطر، وقطاعات رئيسية في النظام المالي الأميركي مهددة بالإغلاق".
المؤشرات الأميركية تتراجع في إغلاق اليوم إلى أدنى مستوياتها منذ 5 سنوات, المواطنون الأميركيون يشرعون في ترشيد إنفاقهم على السلع الاستهلاكية تحسبًا لتداعيات الأزمة المالية التي تأخذ بخناق بلادهم, وبسبب تدني قيمة منازلهم وارتفاع أسعار البنزين, وشركة جنرال موترز للسيارات معرضة للإفلاس ما لم تحصل على سيولة تصل إلى 15 مليار دولار بسبب تدهور سوق السيارات الأمريكية, ومقاهي ستاربكس تسعى لإقفال 600 فرع لها.
وتبخرت الأرقام الفلكية لملايين بل مليارات الدولارات التي كانت تتراقص على شاشات البورصات، وخيم الوجوم على الجميع, وأفاق كل من كان منتشيًا بسكرة الاقتصاد الأمريكي, وتبيَّن أن الأموال والأرصدة الإلكترونية ليس لها رصيد من الواقع.
وامتدت الأزمة للعالم، وصندوق النقد الدولي يحذِّر من أن الاقتصاد العالمي أصبح يقف على حافة الكساد بسبب الأزمة المالية الراهنة, البورصات العالمية بما فيها الخليجية والمحلية تتهاوى إلى نسب منخفضة غير مسبوقة.
وهذه بعض الوقفات الهامة حول الأزمة:
1/ هافت الرأسمالية:
ينبغي أن يُعلم أن الأزمة المالية الأمريكية ليست وليدة اليوم، بل هي تراكم للمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي الرأسمالي منذ سنوات, تراكم الفوائد الربوية التي لا تزال تتضخم ككرة الثلج, انفجار فقاعة الرهن العقاري, انحصار الاقتصاد في يد حفنةٍ قليلةٍ من البشر، وبيد عدد محدود من الشركات العملاقة التي تُسيطر على الأسواق العالمية.
إن ما يحدث في أمريكا هو نوع من تأليه الفرد، وتكريس لأبشع نوازع الطمع والأنانية في النفس البشرية على حساب العدالة الاجتماعية.
ومن ثم فليس غريبًا أن تطالب عدد من الصحف العالمية بالتخلي عن الرأسمالية وتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية كحلٍ ومخرجٍ للأزمة الاقتصادية العالمية، وأن يطالب الرئيس الفرنسي بإعادة النظر في النظام الرأسمالي.
لقد عرف العقلاء في الغرب مغزى كلام الاقتصادي الألماني الشهير (جوهان بتمان) الذي حذَّر من خطورة تنامي سعر الفائدة على الاقتصاد العالمي، في كتابه (كارثة الفائدة)، والذي دعا فيه لاتباع النظام الإسلامي في المعاملات المالية، مع أنه تعرَّض وقتها لانتقادات حادة، وتهكم بعضهم به وأطلقوا عليه اسم الملا بتمان! وهو نصراني.
ليس هذا غريبًا، بل الغريب والمخزي أن نجد من أبناء المسلمين من يرفضون أدنى مناقشة لفكرة تطبيق الشريعة الإسلامية، ويعتبرونها هراءً لا يصلح لهذا الزمان، بل هي ردة حضارية وتخلف وهمجية عند العلمانيين والليبراليين.
بل في نفس اليوم الذي كان فيه الإعلان عن الانهيار الأمريكي وقف مسئول في إحدى البلاد العربية ليعلن ضرورة اتباع النهج الرأسمالي الكامل، فسبحان من جمع له بين نقص الدين ونقص العقل!.
واقرأ الصحف والتحليلات هذه الأيام لترى بعض أنصار الرأسمالية الليبرالية يحاولون تخفيف وقع الصدمة ويزعمون أنها أزمة عابرة, بينما يقول أسيادهم في أمريكا إن الأزمة الرّاهنة لا تشبه الأزمات السابقة كلها.
وقبل أيام يكتب أحد الكتاب المحليين -وهو للأسف ممن يمثل هذه البلاد في بعض المحافل- مدافعًا عن الرأسمالية، ويقول: هؤلاء ينتقدون الرأسمالية وأنظمة بلدانهم أسوأ منها.
ولهذا الكاتب وأمثاله: لا نقول إن كنتم سعوديين، بل إن كنتم مسلمين، أين اعتزازكم بالنظام الاقتصادي الإسلامي الذي أراده الله للبشرية وقد شهد عقلاء الغرب لهذا النظام بالعدل؟ ولكن للأسف بعض كتابنا -هداه الله- ليس بعادل!.
لماذا هذه الانهزامية والتبعية للغرب ومبادئه وأنظمته حتى في الوقت الذي أظهر الله عوار هذه الأنظمة وسقوطها للعالم؟
ثم أقول -بكل أسفٍ-: هذا هو المتوقع من هؤلاء الكتاب المتغرِّبين الذين حرموا نور الإيمان وهدي القرآن وسنة المصطفى –صلى الله عليه وسلم-، فأصبحت أصواتهم نشازًا في بلادنا، وشذوذًا عن ديننا وقيمنا، وقد قيل: ليس للمزكوم من الورد نصيب.
إن تخلف المسلمين الاقتصادي اليوم هو جزء من تخلفهم العام، وليس بسبب النظام الاقتصادي الإسلامي، بل العكس هو الصحيح, ووالله لا نشك في ديننا، ولا نمتار في نظام ارتضاه لنا ربنا، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].
2/ يمحق الله الربا:
إن من أعظم أسباب هذه الأزمات المالية والنكبات الاقتصادية محاربةَ الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بالربا الذي يعد اليوم أحد أركان التمويل في الاقتصاد الرأسمالي.
إن لعنةَ الربا ومحقَ البركة سنةٌ ربانية قائمة، وعقوبة إلهية معجلة، فهل من متعظ؟
كيف وقد توعده الرحمن -جل في علاه- آكل الربا بالحرب فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 278-279], وقد جاء لفظ الحرب في الآية منكّراً (حَرْب)، فيعم جميع أنواع الحروب ومنها الحرب الاقتصادية كما هو واقع الآن في أمريكا.
وإن من المؤسف حقًا، أن ينغمس كثير من المسلمين في الربا المحرَّم، بل إن بعض الشباب يبدأ حياته الزوجية أو بناء بيته بقروض ربوية، فأنى له أن يوفق؟ وكيف يرجو البركة وقد وعده الله بالمحق والخسارة (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276].
ونظرًا لخطورة الربا والديون على اقتصاد الأفراد والدول؛ فإنا نقول للمفتين واللجان الشرعية التي ربما تتساهل في بعض أعمال البنوك المشتبهة: رويدكم رويدكم، إنه من الضروري إبعاد الناس عن الربا قليله وكثيره، والحد من الترخيص في الفتوى في بعض المعاملات الربوية كبيع الدين بدين والأسهم المختلطة ونحوها.
ونداء هام إلى المسؤولين في وزارة المالية ومؤسسة النقد -وفقهم الله- أن يتقوا الله في المسلمين، وأن يقيموا النظام الاقتصادي لهذه البلاد على المصرفية الشرعية الإسلامية التي أرادها الله لعباده، وأرادها ولاة الامر -وفقهم الله- باختيارهم الإسلام دستورًا للبلاد في بلاد الحرمين وقبلة المسلمين.
يجب أن تمنع البنوك التجارية من محاربة الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بالربا، والبدائل الشرعية موجودة بحمد الله, ويجب كذلك أن يطبق نظام التأمين تطبيقًا شرعيًا وهو التأمين التعاونيُّ الحقيقيُّ بشروطه المعتبرة، وهو الذي أمر به ولاة الأمر في النظام، وليس التأمين التجاري المطبَّق اليوم، والذي أفتى كبار علمائنا بتحريمه، نسأل الله تعالى أن يوفق المسؤولين لكل خير وأن يعينهم عليه، وأن يولِّي على مصالح المسلمين من فيه خير للبلاد والعباد.
3/ حذار من البنوك الربوية وتسهيلاتها:
إن في هذه الأزمة دعوة للتعقل والحذر من المخاطرة، ولا سيما مع البنوك والمؤسسات الربوية لا كثرها الله، فهي غير مأمونة العواقب، وممحوقة البركة كما وصفها الله –تعالى.
وقد نشرت الصحف قبل أيام تضرر عدد من المستثمرين الذين غرَّرت بهم بعض البنوك والجهات وجرتهم إلى مستنقع الاستثمار في السندات والعقار الأمريكي، فأصبحوا من ضحيا هذه الأزمة.
ولا ننسى ما قامت به بعض البنوك والصناديق قبل سنوات من إغراء الناس في سوق الأسهم وتسهيل الاقتراض حتى وقعت الكارثة، وهاهي البنوك الربوية الآن تتجه إلى التمويل العقاري فارتفعت العقارات إلى أسعار قياسية، وربما كان هذا سببًا لوقوع الكساد وتراكم الديون كما وقع لغيرنا نسأل الله السلامة.
4/ (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [الكهف:59]:
إن الظلم عواقبه وخيمة, ولا يوجد اليوم عاقل ناهيك عن مسلم لا يقر بظلم أمريكا للمسلمين وقضاياهم.
إن حروب أمريكا الظالمة في العراق وأفغانستان تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"، وحصارها الغاشم لإخواننا الفلسطينيين، ودعمها اللا محدود للمحتل اليهودي في فلسطين، ووقوفها ضد مصالح المسلمين، وسياسات إدارتها المتطرفة هي أحد أسباب النكبة والإفلاس.
لقد استنزفت هذه الحروب الموارد والأموال الطائلة، في حين لم تترك المقاومة العراقية الفرصة لبوش وإدارته لالتقاط الأنفاس وتعويض مصاريف الغزو من نفط العراق وخيراته، مما أرهق الخزانة الأمريكية, وقد وصلت تكلفة حرب العراق خلال العام 2008 إلى نحو 12 مليار دولار شهريًا، وأثبتت دراسة علمية أن التكلفة الكلية للحرب في العراق يمكن أن تُقدر بـ 3 تريليون دولار على الأقل!!
وفي أفغانستان لا يزال الاحتلال الأمريكي يتخبط بحثًا عن طريق للخلاص من عمليات المقاومة, ويصرِّح القادة العسكريون بعدم تحقيق أي انتصار عسكري، وأن الحلَّ الأقرب هو المصالحة الوطنية في البلاد.
الحقيقة أن الولايات المتحدة لم تترك في قلوب الناس مساحة للشفقة عليها، بل زرعت الموت، وأشعلت الحروب والطائفية، وسقت شجرة الغرقد في فلسطين، وزودتها بكل ما تملك، وحاربت الإسلام باسم مكافحة الإرهاب، ودعت الدنيا كلها إلى منع الماعون بمحاربتها للعمل الخيري وتجفيف منابعه، وساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في حصار قطاع غزة بلا رحمة، و(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:14], فانظر كيف حاصروا أهل الأرض فحاصرهم رب السماء!, وانظر كيف حرموا الآلاف من الجائعين والمحتاجين من الطعام والكساء بسبب الحرب الظالمة على المؤسسات الخيرية الإسلامية, فضربهم الله في معيشتهم واقتصادهم، ولم تغن عنهم أموالهم, وصدق الله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ? فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36].
وما أزمة الرهن العقاري والكساد الاقتصادي سوى مس قليل مما يستحقه القوم بسبب ظلمهم، (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) [الانبياء:46], (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [الرعد:31].
إن القوم يسددون ثمن اختيارها الخاطئ في انتخابات رئاسية لمرتين من اقتصادهم ومستقبلهم، لرجل متطرف اختصر مشاكل أمريكا والعالم في "الإرهاب", فكانت العاقبة على الظالم وعلى قومه.
وما أحداث سبتمبر الأولى التي هزت أمريكا والعالم بأشد من انهيارات سبتمبر المالية الحالية, فالدولة العظمى التي كان إنتاجها يشكّل آنذاك أكثر من أربعين في المائة من مجمل إنتاج العالم تراجع وانحدر حتى أضحى أقل من عشرين في المائة من إنتاجه، بل تدهورت ماليتها العامة مع تعثر وإفلاس كبرى مؤسساتها الاستثمارية والمصرفية.
حتى كتبت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها: قبل عقد من الزمان، كانت أمريكا أمة يخشاها العالم من فرط قوتها، وها هي تتحول اليوم إلى دولة يشفق عليها العالم من فرط ضعفها وتضاؤل نفوذها العالمي.
ونقول: إن الظلم والبغي وقتل الأبرياء مؤذن بسقوط الدول وانهيار الممالك.
ولن يُضِيعَ اللهُ –تعالى- دعواتِ المظلومين على هذه الدولة الظالمة، ولا سيما في رمضان، وهذه بشائر الاستجابة تلوح في الأفق بإذن الله، نسأل الله أن يخلِّص الأمة من هذا الطاغوت الرابض على صدرها، القاعد ضد قضاياها، الداعم لعدوها المحتل.
5/ الإسلام هو الحل:
لقد أثبتت هذه الأزمة صحة ما ينادي به العقلاء والاقتصاديون المسلمون وغير المسلمين من ضرورة العمل بالنظام الاقتصادي الإسلامي لحل مشاكل الاقتصاد العالمي.
بل كتب رئيس تحرير مجلة (تشالينجز) الأوروبية (بوفيس فانسون) موضوعا بعنوان (البابا أو القرآن) هاجم فيه أخلاقية الرأسمالية، ثم قال: "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل؛ لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا، لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها، ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود", وطالب رئيس تحرير صحيفة (لوجورنال د فينانس) بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي.
وفي فرنسا أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية عدة قرارات بمنع الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية واشتراط التقابض والتعامل مع نظام الصكوك الإسلامية في السوق الفرنسية.
وهذا الأمر ليس جديدًا، بل منذ سنوات والشهادات تتوالى من عقلاء الغرب ورجالات الاقتصاد بتفضيل النظام الاقتصادي الإسلامي، فيا ليت بعض كتابنا يسمعون، أو يخرسون، وعن غيهم ينتهون.
ومع ضرورة تقديم الاقتصاد الإسلامي كحل للعالم، يبقى السؤال المهم هل لدى المصرفية الإسلامية برنامج تطبيقي متكامل يقول للغرب هذه هي تجربتنا، أم أن بعض حكام وتجار المسلمين لا يزالون غارقين في اتباع الغرب؟.
أليس بمقدور المؤسسات والمصارف الإسلامية أن تقدم للعالم حلولاً عملية لتلك المشاكل والأزمات؟ ألا يمكننا أن نترجم للحيارى أصول الاقتصاد الإسلامي القائم على العَدل والتَّوازُن والنهي عن الظلم والربا والحث على إنظار المعسر، ليعلم القوم عظمة الشريعة الإسلامية؟.
نسأل الله –تعالى- أن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويقيض للإسلام من يحمله إلى كل العالم؛ رحمةً للعالمين، ونورًا للبشر أجمعين، والعاقبة للمتقين.
6/ ويبقى السؤال الهام: ماذا بعد الانهيار الاقتصادي؟
قد لا تكون الإمبراطورية الأمريكية بلغت نهاية الطريق، كما يقول الرئيس الإيراني، لكن قيادتها للأمم المتحدة وللعالم بلغت نهايتها بالتأكيد كما صرح أمين عام الأمم المتحدة, ولن تغني عنهم خطتهم الطارئة، التي تقول عنها لغة الأرقام إنها بمثابة العود أمام الجدار الساقط, فـالـ 700 مليار المدفوعة هي بمثابة شراء ضمانات معدومة، وهو كالإبرة المسكنة لعمل البنوك لفترة مؤقتة.
إن أهم آثار الانهيار الاقتصادي الأمريكي هو دخول الولايات المتحدة مرحلة الانكماش السياسي والعسكري, وابتعادها عن الدخول في حروب ومغامرات عسكرية جديدة كتلك التي قامت بها فى أفغانستان والعراق, بل إن المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بسحب تدريجي لقواتها المحتلة فى العراق، ووأد فكرة الشرق الأوسط الجديد، وتخلي أمريكا عن أحلام الغزو والتوسع.
وفي هذا يقول وزير الحرب الأمريكي: "ليس من المرجح أن يدخل جيش بلاده حربًا جديدة قريبًا"، وأن التدخل الأمريكي "باهظ الثمن، ومثير للجدل".
وهل هذه مقدمة لانهيار أمريكا؟ ربما، والعلم عند الله.
إن انهيار الإمبراطوريات لا يحدث بين عشية أو ضحاها، ولكنه يحدث دائمًا عبر مراحل متتالية: تبدأ من انهيار القيم والمبادئ التي قامت عليها تلك النظم، ثم تتلوها مرحلة تسلط طائفة من المجتمع على رقاب الضعفاء، ثم تتلوها مرحلة الطغيان والفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، قائلين من أشد منا قوة؟، ثم تكون النهاية الحاصدة، وحق على الله ما ارتفع شيء إلا وضعه، (سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ) [غافر:85].
لكل شئٍ اذا ما تمَّ نقصانُ *** فلا يغر بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دولٌ *** من سرَّه زمن ساءته أزمانُ
وقد قال ابن خلدون في مقدمته: "مَبنَى الملك على أساسين لا بد منهما, فالأول: الشوكة والعصبية وهو المعبر عنه بالجند، والثاني: المال الذي هو قوام أولئك الجند، وإقامة ما يحتاج إليه الملك من الأحوال، والخلل إذا طرق الدولة طرقها في هذين الأساسين"اهـ.
أقول: وقد رأينا اليوم طلائع الخلل الاقتصادي، وسيتبعه بإذن الله الخلل العسكري وانهيار هذه الدولة الظالمة، وإن غدًا لناظره قريب، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) [الروم:4].
لكني أعود فأقول: حتى نكون واقعيين، ومع كرهنا المعلن للإدارة الأمريكية المتطرفة، وفرحنا بسقوطها وانهيارها، فإن قلوبنا على مستقبل بلداننا الإسلامية من المتغيرات القادمة وإعادة توزيع موازين القوى العالمية، ولا سيما البلدان التي ترتبط مصالحها ومصيرها بمصير الأخطبوط الأمريكي.
فما أثر هذا الانهيار على دولنا العربية؟ وهل تستطيع الأنظمة العربية التملص من الضغط الأمريكي الخانق عليه وبناء استراتيجية موحَّدة تراعى مصالحها وتحقق آمالها دون تدخل السوس الخارجي؟ أم أن سوس الخل منه وفيه، كما في بعض الأنظمة العربية؟.
ماذا ستفعل دول عربية عديدة معروفة لا تزال تقتات على الدعم الأمريكي ومن قبله البريطاني.
هل لدى دول المنطقة مشروع أو تحالف تلم فيه شمل من سينفرط من العقد الأمريكي، لاسيما وهذه الدول واقعة بين مطرقة أطماع الصفويين في إيران وسندان احتلال اليهود في فلسطين؟ نسأل الله أن يلطف ببلادنا وبلاد المسلمين جميعًا، وأن يردنا إليه ردًا جميلاً.
إنه لا بد من التَّعاون الاقتصاديّ البنّاء بين الدّول الإسلاميّة لزيادةِ التّبادُل التجاريّ، وإِنشاء سوقٍ إسلاميّة مشترَكَة تُنافِس الأسواقَ الماليّة العالميّة؛ لأنَّ مُستقبلَ المسلِمين يجب أن يُصْنَع في بِلادهم وعلى أرضِهم.
ولا بد كذلك من الاهتمام بعنصرُ الزكاة وعنصر الوقف؛ إذ بهما يتَحقَّق الأمن الاقتصاديّ والاجتماعي للأمّة.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي