فهؤلاء الأعداء مع تقدُّم وسيلة الدمار؛ لا زالوا على جانب من الفشل عظيم عندما يواجهون الأمة، وخيرُ مثالٍ على ذلك الآلةُ الأمريكيةِ المتقدمةِ في أفغانستان، لا زالت تمنى بالهزائم مقابلَ البنادق الضعيفة؛ حتى إنَّ القوة العظمى الأولى في العالم؛ لتبحث لها عن خروج مشرِّف من هذا المستنقع الذي غاصت فيه حتى الغرق؛ لتتحقق السنةُ التي أشرنا لها مِن قبلُ: أنَّ الأمة لن تجتاح أو يُمَكَّنَ الأعداء منها، ولو بلغوا من ..
أيها الأحبة في الله: إن أمتنا هذه الأمة العظيمة، لا خوف عليها من أعدائها، فهم واللهِ أذل وأخزى من أن ينالوا منها، أو يجرؤوا على المساس بكبريائها؛ لأنها إن ضيمت أو رغب في شيء من كرامتها انتفضت، فحطَّمت قيود الخوف والضعف، واستبدلت ذلك اللبوس بلبوس التضحية والفداء، وكم كان للأعادي من مطامع، ولكنها خُذِلَت وتلاشت أمام عزة الأمة القعساء؛ وكم لقنت تلك الوقفاتُ من متربصٍ بالأمة الشر؛ ليعيد حساباته ويرعويَ عن غيه.
وهذا الأمر -أيها الجمع الكريم- ليس قاصرًا على عصور قد خَلَت، بل لا زالت أحداثه تترا، فهؤلاء الأعداء مع تقدُّم وسيلة الدمار؛ لا زالوا على جانب من الفشل عظيم عندما يواجهون الأمة، وخيرُ مثالٍ على ذلك الآلةُ الأمريكيةِ المتقدمةِ في أفغانستان، لا زالت تمنى بالهزائم مقابلَ البنادق الضعيفة؛ حتى إنَّ القوة العظمى الأولى في العالم؛ لتبحث لها عن خروج مشرِّف من هذا المستنقع الذي غاصت فيه حتى الغرق؛ لتتحقق السنةُ التي أشرنا لها مِن قبلُ: أنَّ الأمة لن تجتاح أو يُمَكَّنَ الأعداء منها، ولو بلغوا من القوة ما بلغوا.
قد أدرك الأعداء تلك الحقيقةَ، فاستبدلوا ذلك النهج بنهج خيرٍ منه وأقل كُلْفَةً، وهو زرع نابتة بين المسلمين من بني جلدتنا، ولهم أسماؤنا، ويتكلمون بلغتنا؛ ليتولوا زرع أفكار ورؤى الكافر بيننا، ويحدثوا في الأمة جرَّاء ذلك الشقاقَ والخِلاَف، ومن بعد ذلك تأتي صولتُهم على الدين وأهله، وعندما يُحيَّد الدينُ ويُهْجَرُ العلماءُ تكون الأمة قد فرِّغَت من جوهرها، وعند ذلك تسهل السيطرة عليها وامتطاءُ صهوتها، وهذا -أيها الأحبة في الله- ليس استنتاجًا، وإن كانت الأيامُ والتجاربُ قد أفصحت عنه، ولكنه أيضًا مقول من لا ينطق عن الهوى محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث صوَّر -بأبي هو وأمي- هذه المعاناة التي نرزح تحتها، فقال بعد أن سأله الصحابي عن الخير الذي يكون في آخر الزمان هل بعده من شر، فقال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله: صِفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا"؛ قلت: فما تأمرني إنْ أدركني ذلك؟! قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإنْ لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟! قال: "فاعتزل تلك الفرق كلَّها، ولو تعضَّ بأصل شجرة، يدركك الموت وأنت على ذلك".
نعم -أيها الجمع- هذا الحق الذي لا مرية فيه، فرايات النفاق في هذه الأزمان قد رفعت، وأصبح من ينضوون تحتها يجاهرون بمنطلقاتهم ومعتقداتهم، وأصبحوا يناجزون أهل التوحيد بها ويشاغلونهم بنتنها، فهؤلاء المنافقون -لا كثرهم الله- من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ولكن القلوبَ منهم ذاتُ صبغة إجرامية يلفها الفسق وتكتنفها الأفكار الرديئة، فهم بداية يدعون إلى فهم الدين فهمًا جديدًا ليس الفهم الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من ربه، ولكنه فهم يدعو إلى تمييع الدين وتضييع ركائزه؛ فيسهل بعد ذلك اجتواء العهر الغربي والانطلاق بمنطلقاته، وكل ذلك مرحلة في سبيل تغيير الدين؛ لأن الغرب مهما أوغلت في تقليده لن يقبلك، ولن يرضى عنك حتى تتبع ملته: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
ولو نظرت في المنضوين في نادي العهر الغربي، تلحظ أنهم يشاغبون ذوي المنطلقات الإيمانية، فيصفونهم بما ينفِّر الناس عنهم؛ فتارة هم إرهابيون، وتارة متنطعون متشددون، وتارة رجعيون يريدون أن يركبوا الأمة طريق التخلف، فيعيدوا الأمة لعصر الحمار والحصان، وهلم جرًّا في سلسلة من التهم المعلبة التي أخذوها عن أسلافهم ومن أُرسِلوا من قبلهم، وتارة يميل أولئك الأوباش المنافقون على العلماء الربانيين، فينالون من مكانتهم، فيأخذون من كلامهم مما لم تستسغه عقولهم المنحرفة؛ فيجعلون منه تكأة للتجريح في شخوصهم وضرب بعضهم ببعض، وكل ذلك في سبيل إسقاط المرجعية الدينية؛ لكي يسقط بعد ذلك الدين.
وهؤلاء المأجورون -أيها الأحبة في الله- ذوو جَلَد في سبيل إنجاز مشروعهم التغريبي، ولا أدل على ذلك من أنهم عندما فشلوا فشلاً ذريعًا في إسقاط الدين وحملته من العلماء، وأردف ذلك الفشل خيبة أمل في تشويه صورة الإنسان المتدين، وكلنا في هذا المجتمع متدينون والحمد لله، عندما لحقتهم الخيبة، وعلاهم الصغار من سوء ما صنعوا، بدأوا يناجزون المجتمع في القضايا التي ربما وجدوا من يناصرهم فيها كقيادة المرأة للسيارة، وهنا لا بد أن تعووا -أيها الأحبة- أن تلك القضية ليست هدفًا لذاتها، بل هي حلقة في سلسلة نشر الشر الذي يطمحون إليه، وهم يؤمنون بمبدأ المرحلية، ولكن وهذا من فضل الله، جميع محاولات هذا الطابور قد باءت بالفشل، فهم من فشل إلى فشل؛ لأن الله -سبحانه وتعالى-: (لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس: 81 ]، ولأن الحق -سبحانه وتعالى- متم نوره، ومن إتمام هذا النور أن يبقى للناس معالم واضحة وقدواتٌ يرون فيها للدين نبراسًا، وهو الإسلام في هذا البلد، فالإسلام هو مصير هذه البلاد رضي من رضي وسخط من سخط، وليس الخوف على الإسلام وتعاليمه، بل الخوف علينا: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 28]، والحاكم في بلدنا منصور مادام للدين نصيرًا، وإن تولى فلا تسل عن ضيعته، وتلك سنة في هذا البلد، ولا أريد الإطالة عليكم هنا؛ لأترك البقية الباقية في الخطبة التالية.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، ونشكره على توفيقه وامتنانه، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا.
أما بعد:
فيأيها الأحبة في الله: إن وجود الوعي والتواصي بين الناس في شأن هذا الاختراق الغربي لبلادنا عن طريق هذه الشرذمة المنافقة، أحبط كثيرًا من مخططاتهم، بل إن بعض رؤى هذا الطابور الخامس المنافق، أصبحت تقابل بزراية الناس، وكأني وأنا أسمع بعض تلك التعليقات أقول: إن الغرب أحسن إلينا عندما لم يجد إلا هؤلاء الأغبياء فيسلطهم علينا، ولكي تدرك بعضًا من ذلك أن هذا الطابور عندما رمونا عن قوس واحدة في شأن قيادة المرأة للسيارة، أخذوا يذكرون القصص والحكايات عن قيادة فلانة وفلانة، وربما أتوا برجال وألبسوهم لباس النساء فصورهم على تلك الحال؛ ليجعلوا منه تمردًا من قبل النساء على قيود المنع، ولا بد أن أذكر لكم ما يجلي لكم الصورة الكئيبة التي ترسمها أقلام هؤلاء الأوباش؛ نشرت إحدى الصحف أن امرأة قبل يومين قادت سيارتها من منطقة الباحة إلى خميس مشيط، وقطعت المسافة بين الساعة الحادية عشرة والواحدة مساءً، وقبل التعليق يأتي سرد القصة وفعالياتها، فتقول: إن هذه المرأة اختلفت مع زوجها فذهب بها إلى بيت أمها ليلاً، ولكن رفض زوج أمها استقبالها وقام بطردها، فما كان من أخيها إلا أن أعطاها ثوبه ومفتاح سيارته، فلبسته وانطلقت تسابق الريح من الباحة إلى الخميس، وكم في هذه القصة من غباء لو أردنا تفحصه، فالمرأة دون سابق معرفة بالقيادة قادت السيارة، ولنفرض جدلاً أنها تعرف القيادة، فالمسافة بين المنطقتين تزيد على ثلاثمائة كيلو متر، وكلها تمر بمناطق جبلية حتى المتمرس يعجز أن يقطعها نهارًا فكيف بالليل؟! فكيف بامرأة ضعيفة؟! وأنى لها والوضع كما أسلفت أن تقطعها في ساعتين؟! كلها تضفي على القصة ظلامًا، ولا أريد الإطالة بالتعليق على هذه القصة؛ لأن السياق القصصي كفيل بإسقاطها.
وعلى العموم كلُّ ما قيل عن قيادة السيارة في الأسبوعين الماضيين وما ذكر من قصص فعلى هذه الشاكلة، وكل ذلك يرمي من ورائه إلى تطبيع الأمر وجعل الناس أمام الأمر الواقع، وهو قيادة المرأة للسيارة، لا أتم الله لهم ذلك.
وهنا -أيها الأحبة في الله- لا بد أن تتذكروا قول الله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) [النساء: 104]، فهؤلاء القوم قد آذوكم في أعراضكم وفي أنفسكم، وربما تجرعتم جراء ذلك الغصص، لكن ليكن لكم في هذه الآية عزاء، فهؤلاء الرهط المنافق في كرب وفي محنة وفي يأس من فشل مخططاتهم، بل إنهم عندما يخلو بعضهم إلى بعض يبكون بكاءً مرًّا، والشواهد على ذلك كثيرة، فقد ذكر أنو الجندي في كتيب له عن طه حسين أنه رغم سعيه إلا أنه عندما يخلو بمن يؤزونه إلى هذا السبيل أزًّا يستسلم لبكاء مر لما يرى من رفض المجتمع المصري لأفكاره ورؤاه، كما أنكم -أيها الجمع الكريم- ترجون من الله النصر والأجر، وهم ليسوا كذلك فقروا عينًا، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون بموعود ربكم.
فاللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، أن تجعل بلدنا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، وأن تأخذ بأيدي حكامنا وولاة الأمر فينا لما فيه الخير ولما فيه كبح بؤر الفساد والمفسدين، اللهم صب على أهل البغي والعمالة سوط عذاب، اللهم اجعل أعمالهم حسرات عليهم، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية يا قوي يا عزيز.
اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصرهم في سوريا وفي ليبيا وفي اليمن وفي كل البقاع، اللهم احقن دماءهم، اللهم عليك بمن بغى وتجبر، اللهم لا ترفع له راية، واجعله لمن خلفه آية يا رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي