الأمر بالتقوى وبيان ثمراتها

صالح بن فوزان الفوزان
عناصر الخطبة
  1. حقيقة التقوى .
  2. الأمر بالتقوى .
  3. ثمرات التقوى .
  4. أشياء أمر الله أن تتقى . .
اهداف الخطبة
  1. الحث على التقوى وبيان ثمراتها .

اقتباس

قد أمر الله العباد أن يتقوه حق تقاته حسب طاقتهم،فلا يتركوا تقواه وهم يستطيعونها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) وقال تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).

الحمد لله رب العالمين، أمر بتقواه، ووعد المتقين خيراً كثيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لا ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله كان أتقى الخلق لله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس اتقوا الله كما أمركم الله بتقواه في آيات كثيرة، وكما وصاكم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فالتقوى وصية الله ووصية رسوله، ومعناها: أن تجعلوا بينكم وبين ما يضركم وقاية تحول بينكم وبينه، وتقوى الله تعالى هي: أن تفعلوا ما أمركم به وتجتنبوا ما نهاكم عنه وقد أمر الله بتقواه في آيات كثيرة من كتابه الكريم، وعلّق على التقوى خيراتٍ كثيرةً عاجلةً وآجلةً، فعلق عليها حصول العلم النافع كما قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) [البقرة:282]

أي: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) في فعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه (وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) ما تحتاجون إليه من العلم، كما علق على التقوى حياة القلوب وتمييزها بين الحق والباطل وتكفير السيئات ومغفرة الذنوب –قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29] 

كما وعد المتقي بأن يجعل له مخرجاً من الشدائد والمحن وحصول الرزق من وجه لا يخطر بباله، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]  كما وعد سبحانه من يتقيه بأن يسهل عليه أمور الدنيا والآخرة، قال تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق:4]  وقد أمر الله العباد أن يتقوه حق تقاته حسب طاقتهم،فلا يتركوا تقواه وهم يستطيعونها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]

وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] فمعنى الآيتين: اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم –كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم العبد أن يتقي الله دائماً على أي حال وفي أي مكان وفي كل شيء –قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت" بحيث لا يتظاهر الإنسان بالتقوى إذا كان مع الناس ويخالفها إذا غاب عنهم، لأن الله مطلع عليه في كل أحواله.

أيها المسلمون: وهناك أشياء أمر الله أن تتقى –منها الأرحام وهم القرابة، قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) [النساء:1]  أي اتقوا الله واتقوا الأرحام فلا تقطعوها، فإنها مما أمر الله به أن يوصل، فصلة الرحم واجبة وقطيعتها محرمة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع أهل الملة. ومما أمر الله سبحانه أن يتقي النار، قال تعالى: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:24]

أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) قال: "أوقد عليها ألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها" واتقاء هذه النار يكون بتجنب الأعمال التي توجب دخولها، ومما أمر الله سبحانه أن يتقي يوم القيامة. قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281] 

روي أن هذه آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها الأمر باتقاء يوم القيامة الذي يحشر فيه الخلق من أولهم إلى آخرهم في صعيد واحد أمام رب العالمين لمجازاتهم بأعمالهم خيرها وشرها، واتقاء هذا اليوم يكون بالاستعداد له بالأعمال الصالحة وتجنب الأعمال السيئة، وبتذكره دائماً وتذكر ما يحصل فيه من الأهوال، ومما أمر الله به أن يتقى الفتن والعقوبات العاجلة التي تنزل بالعصاة وتعم غيرهم ممن لم ينكر عليه فعلهم، قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25]أي اتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب الصالح والطالح ولا تخص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم بل تتعدى إلى غير الظالم إذ لم ينكر عليه

عن ابن عباس أنه قال في الآية: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب، وقد وردت الأحاديث الكثيرة الصحيحة بأن هذه الأمة إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر؛ عمهم الله بعذاب من عنده، وهذا الوعيد يتناول كل من علم بمنكر فلم ينكره ولو كان بعيداً عنه فكيف بمن يترك المنكر في بيته وفي أولاده، يراهم يتركون الصلاة ويقرهم على ذلك؟.

ومما أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتقائه: الظلم والشح، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الظلمَ، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشحَّ، فإن الشحَّ أهلك مَنْ قبلَكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم" رواه مسلم وغيره.

وقال صلى الله عليه وسلم: "واتَّقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

والشح: هو البخل والحرص، وقيل: الشح هو الحرص على ما ليس عندك، والبخل بما عندك.

أيها المسلمون: يجب على المسلم أن يتجنب المحرمات عموماً ويتقي الوقوع فيها، ولكن هذه الأمور المذكورة نص عليها بخصوصها لعظيم خطرها، فاتقوا الله عباد الله ما أمركم الله ورسوله باتقائه، وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)  [طه:132] .

بارك الله لي ولكم...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي