والمخدرات اليوم غول مفترس، وعصابات إجرامية خطيرة، تخطط، وتدمِّر، وتنهب الخيرات، وتهدد الأفراد والمجتمعات والحكومات؛ والواجب علينا أن نقف صفا واحدا في وجهها، وندعم مكافحتها، ونحذر من التعاطف مع أصحابها، مروجين، أو مستعمِلين، ونحذر من الوقوع في شرَكها، أو أن يقع أبناؤنا في شباكها، ونحرص كل الحرص على أن نكون يدا واحدة، وصفَّا واحدا في وجهها؛ لنُفْشِلَ مخطَّطاتِ أصحابها، وندرأ شرها عنا وعن بلادنا ومجتمعنا ..
الحمد لله وهبنا العقول، وأمرَنا بالمحافظة عليها من المؤثرات وأسباب الأفول، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مثيل.
وأشهد أن محمدا عبد الله النبي الرسول، والصفي الخليل، أكمل الناس خلقا، وأرجحهم من ذوي العقول، وأزكاهم نفسا، وأصدقهم حديثا، وأخلصهم لله عبادة، وأسرعهم إليه في الوصول، صَلَّى الله عليه وعلى آله واصحابه أهل الغرر والتحجيل، وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، والحرص على طاعته، والبعد عن أسباب نقمته، أو التعرض لزوال نعمته، فإن الدنيا غرارة، ومكايد الشيطان لا تنتهي، والنفس والهوى يجران المسلم للهلاك، والعصمة في التزام كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قولا وعملا واعتقادا وسلوكا.
عباد الله: كثيرا ما نسمع ونقرأ ونردد أن بلادنا مستهدفة، وأن شبابنا مستهدفون، وأن أمننا مستهدف، وأن استقرارنا مستهدف، وأننا محسودون في هذه البلاد، و"كُلُّ ذِي نعمةٍ محسُودٌ"، وكثيرا من هذه العبارات، كلما قرأنا خبرا، أو رأينا مشهدا من مشاهد الكيد والعداء لبلادنا، أو أبنائنا، أو بناتنا، أو نسائنا، أو أمننا واستقرارنا.
ولكن -يا ترى- ما هذا الاستهداف؟ ولماذا هذا الكيد الكُبَّار؟ ولم هذه المصائب المتتالية؟ ولمصلحة مَن؟ ومَن يقف وراء هذه القضايا والمصائب العظيمة التي يعاني منها مجتمعنا، ونعاني منها جميعا.
نعم يا عباد الله، المتأمل في واقع الحال يدرك بما لا يدع مجالا للشك بأننا مستهدفون لعدة أسباب؛ لديننا، واجتماعنا، وما ننعم به من أمن واستقرار، ومن وفرة مال، ومن قدرة على الشراء، ولما يتمتع به أبناؤنا من قدرة على اتخاذ القرار، وجرأة في اتخاذ المواقف؛ ولذا صرنا مستهدفين على كل الأصعدة: أمنيا، ودينيا، واقتصاديا، وثقافيا، واجتماعيا.
ولا أستطيع في عُجالةٍ كهذه أن أتطرق لهذه الجوانب كلها، ولكن سألفت النظر إلى خبر واحد تداولته وسائل الإعلام الأسبوع المنصرم مفاده إحباط مؤامرة عظيمة من كيد الفُجار على هذه البلاد وأهلها، وهي أن وزارة الداخلية كشفت عن مؤامرة لإدخال شحنة مخدرات تقدر قيمتها بمليار وسبعمائة مليون ريال (1.7) مليار ريال!.
عجبا! إنه لرقم هائل! مليار وسبعمائة مليون ريال! ميزانية بلد! كم سينشأ بهذا المبلغ من بيت للفقراء؟ أو مستشفى للمرضى؟ أو دور لرعاية المعاقين والمحتاجين؟ وكم ستُقام به من مدرسة تعلم الأولاد وتسهم في تثقيفهم؟ أو كم سيقام بها من مرفق؟ أو تُسدد من ديونٍ على بعض الفقراء والمعوزين وذوي الدخول القليلة؟.
في حسبة يسيرة هذا المبلغ سيقيم قرابة ثلاثة آلاف منزل، أو خمسا وثلاثين مدرسة في كل مدرسة عشرين فصلا على الأقل، وقد ينشي قرابة خمسين مركزا صحيا، وقد يسدد عن ألف وسبعمائة شخص مَدينٍ لكل واحد مائة ألف ريال!.
ولو قدر الله أنها دخلت ولم تكتشف لكان ضررها بالغا على كافة الأصعدة، فكم من شخص سوف يدمن جرَّاءَها، وكم من مُبتلىً قد ينتقل إلى المصحَّات بأسبابها؟ وكم من الأموال سوف تذهب هدَرَاً لعلاج ضحاياها؟ إنها كارثة عظيمة، ومصيبة كبرى، سلَّمَنا الله من عواقبها، وبلوى حصل منها عافية.
أيها الأخوة في الله: لقد بلغ حجم الدورة المالية السنوية لنشاط عصابات المخدرات فى العالم إلى 500 مليار دولار، وقد تجاوز إنتاج الأفيون 3700 طنا سنويا، والهيروين 370 طنا، والكوكايين 680 طنا، من خلال زراعات محرمة تضيع فيها أنشطة واستثمارات ضخمة غير مشروعة.
وقد كشفت دراسات علمية وتقارير حديثة عن أن الاتجار فى المخدرات يمثل 8% من حجم التجارة الدولية! حيث تأتى هذه التجارة فى المرتبة الثالثة من حجم التجارة العالمية بعد تجارة السلاح والمواد الغذائية.
والمخدرات اليوم غول مفترس، وعصابات إجرامية خطيرة، تخطط، وتدمِّر، وتنهب الخيرات، وتهدد الأفراد والمجتمعات والحكومات؛ والواجب علينا أن نقف صفا واحدا في وجهها، وندعم مكافحتها، ونحذر من التعاطف مع أصحابها، مروجين، أو مستعمِلين، ونحذر من الوقوع في شرَكها، أو أن يقع أبناؤنا في شباكها، ونحرص كل الحرص على أن نكون يدا واحدة، وصفَّا واحدا في وجهها؛ لنفشل مخططات أصحابها، وندرأ شرها عنا وعن بلادنا ومجتمعنا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَلْمَيْسِرُ وَلْأَنصَابُ وَلْأَزْلَـامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ فَجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَـانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَوَةَ وَلْبَغْضَآءَ فِى الْخَمْرِ وَلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَوةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَعْلَمُوآ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ) [المائدة:90-92].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
عباد الله: يعاني من الإدمان على المخدرات أكثر من 180 مليون شخص، ولا تقف أزمة المخدرات عند آثارها المباشرة على المدمنين وأسرهم، وإنما تمتد تداعياتها إلى المجتمعات والدول، فهي تكلف الحكومات أكثر من 120 مليار دولار، وترتبط بها جرائم كثيرة وجزء من حوادث المرور.
كما تلحق أضرارا بالغة باقتصاديات العديد من الدول، مثل تخفيض الإنتاج، وهدر أوقات العمل، وخسارة في القوى العاملة سببها المدمنون أنفسهم والمشتغلون بتجارة المخدرات وإنتاجها، وضحايا لا علاقة لهم مباشرة بالمخدرات، وانحسار الرقعة الزراعية المخصصة للغذاء، وتراجع التنمية وتحقيق الاحتياجات الأساسية.
وقد كشف مدير إدارة الدراسات والبحوث في اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات أن قيمة استهلاك المخدرات في السعودية تصل إلى 9 مليارات ريال سنوياً، في ظل وجود 140 ألف متعاط، وأن عدد المقبوض عليهم سنويا يصل إلى 37 ألف شخصاً، لافتا إلى وجود 700 ألف حبة "كبتاجون" تُستخدم يومياً في المملكة.
تسعة مليارات تنفق على شراء المخدرات! عدا مليارات كثيرة تنفقها الدولة على علاج المدمنين وإعادة تأهيلهم، فلماذا نصر على شرب السم ثم نشتري الدواء المضاد له؟ ولماذا تبديد المال على الشهوات والمحرمات وعدم استعمال هذه النعمة فيما يقربنا إلى الله عز وجل؟.
عباد الله: ولا يقل ضررا عن المخدرات داء يتهاون به كثير من الناس على الرغم من كونه الباب لها، والسبيل إليها، والقناة الميسرة لولوج عالم المخدرات، والسبب الرئيس للوقوع فيها، ومصاحبة أهلها، والبعد عن الأخيار ومصاحبة الأشرار، ألا وهو التدخين، ذلك الداء الوبيل، والمرض الخطير، والسم الزعاف، والمرض المؤكد، والموت المحقق، فقد أكد تقرير رسمي صادر عن منظمة الصحة العالمية أن التدخين يحتل المرتبة الثالثة في أسباب الوفيات للبشر بعد مرضي السرطان والإيدز.
وجاء في التقرير الذي جرى تعميمه على الدول الأعضاء في المنظمة أن أكثر من 600 مليون شخص في العالم مصاب بمرض داء الرئة الانسدادي الناجم عن التدخين. وأكد التقرير أن التدخين يتسبب في وفاة 4 ملايين شخصاً في العالم سنويا. وبالنسبة لدول الخليج فإن الإحصاءات العالمية المعلنة تقر بوجود 30 ألف خليجي يموتون سنويا بسبب أمراض التدخين، منهم نحو 22 ألفاً في السعودية!.
وفي وقت سابق أعلنت الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين عن نجاحها في معالجة أكثر من 12 ألف مدخن عبر عياداتها المختلفة داخل مدينة الرياض، ونجاحها في تذويب ترسبات في رئاتهم بلغت ستة أطنان من القطران عبر البرامج العلاجية، وجاء إعلان الجمعية استناداً إلى دراسات إكلينيكية عالمية كانت تتابع البرامج الطبية المستخدمة لمكافحة التدخين في مختلف دول العالم.
وبين التقرير أن كل نصف لتر من القطران يترسب في رئة المدخن يكون نتيجة استهلاكه لعلبة سجائر يومياً لمدة عام كامل، أي ما يعادل 7300 سيجارة خلال السنة. وأوضحت أن 53 في المائة من المترددين على عيادات الإقلاع هم من غير المتزوجين، وان 52 في المائة من المدخنين هم من الموظفين، و41 في المائة هم من الطلاب، 0.4 وأكثر من 30 في المائة من خريجي المرحلة الثانوية مدخنون.
وتكلف الرعاية الطبية لمرضى التدخين خزينة الدولة الكثير بما يساوي سدس ميزانية وزارة الصحة، أما واردات التبغ السنوية فهي تكلف 1.5 مليار ريال ، بواقع 41 طناً جعلت السعودية رابع مستورد على المستوى العالمي -على الرغم من قلة عدد السكان-، غير الخسائر التي تنتج بسبب التدخين، منها ما هو مباشرة وغير مباشر، في حين تصرف المملكة 8 مليارات ريال في علاج المدخنين.
و يقدر مجموع الإنفاق على التبغ وما يُحدثه من أمراض بـ (17) مليار ريال خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وهذا المبلغ يكفي لبناء 17 مدينة طبية بفرضية أن تكلفة المدينة الطبية تبلغ مليار ريال، كما أن نفس المبلغ يمكن أن يوفر راتب تقاعد قيمته (5000) ريال لـ (3.4) مليون متقاعد.
عباد الله: المخدرات والتدخين وجهان لعملة واحدة، فاحذروهما وحذروا منهما، وأعينوا على التخلص منهما بالتقبل الإيجابي لمن يريد الإقلاع، ومساعدة من يريد التخلص، وانتبهوا للأولاد من بنين وبنات من الوقوع في مثل هذا المصائب، والأوبئة الخطيرة، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.
حفظ الله بلادنا وأولادنا وجميع المسلمين من كل شر، وسم ومكر، ورد الله كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، ومكر الماكرين في نحورهم, وأعاذنا من شرورهم.
هذا وصلوا وسلموا....
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي