حقوق الصحابة

محمد بن سليمان المهنا
عناصر الخطبة
  1. أهمية تعلُّم المسلم أمور عقيدته .
  2. يُسر عقيدة الإسلام .
  3. فضل الصحابة .
  4. عقيدة أهل السنة والجماعة فيهم .
  5. ضلال الرافضة الذين يسبونهم .
  6. بيان حكم سب الصحابة .

اقتباس

إن مما يجب على المسلم اعتقاده ذلك الأمر المهم الذي ضلت فيه طائفة ممن ينتسبون إلى الإسلام، إنه الاعتقاد فيما يتعلق بصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما يجب تجاههم من الحقوق والواجبات التي قررها كل من صنَّف في العقيدة من أهل السنة والجماعة.

أما بعد: إن أهم المهمات، وأوجب الواجبات على المسلم أن يتعلم أمور دينه، لا سيما ما يتعلق بالاعتقاد، والذي يمثل أهم أصول هذا الدين. 

إن معرفة المسلم عقيدته وتعلمه إياها لمن ضروريات حياته؛ ليتوصل بذلك إلى الإيمان التام؛ علّه أن يلقى ربه بقلب سليم.

والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والشك ومحبة الشر والإصرار على البدعة والذنوب، نسأل الله سلامة القلوب.

ولم يكن تعلم العقيدة الصحيحة بأمر عسير على مَن أراده أو ابتغاه، وإنما كان سهلاً يسيرًا دانية قطوفُه للطالبين.

والسبب في يسر العقيدة ووضوحها أنها لم تُبْنَ على الخيالات والفلسفات، وإنما بُنيت على أصل ثابت، وأُخِذت من وحي منزل من عند الله سبحانه وتعالى.

ولقد استمد العلماء العقيدة الصحيحة من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فاتفقوا -أعني علماء السنة والجماعة- على عقيدة واحدة راسخة لا شك فيها ولا ارتياب.

إن مما يجب على المسلم اعتقاده ذلك الأمر المهم الذي ضلت فيه طائفة ممن ينتسبون إلى الإسلام، إنه الاعتقاد فيما يتعلق بصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما يجب تجاههم من الحقوق والواجبات التي قررها كل من صنَّف في العقيدة من أهل السنة والجماعة.

وقبل أن يطرق أسماعنا ما كتبه العلماء في هذا الشأن لنعطّر الأسماع بذكر أولئك القوم في كتاب الله -عز وجل-، فإن في كتاب الله جملةً من ذكر الصحابة، والثناء عليهم، ووصفهم بأوصاف مليئة بالمدح والثناء، دالّة على رضا الله عنهم، وتوليه لهم، واصطفائه إياهم لصحبة نبيه-صلى الله عليه وسلم-.

لنستحضر في أذهاننا تلك السورة العظيمة سورة براءة التي سماها العلماء بالفاضحة؛ لأنها فضحت أعداء الله، وكشفت أسرارهم، وقبح سرائرهم؛ ولذلك قال عنها ابن عباس -رضي الله عنه-: هي الفاضحة، ما زالت تنزل: (وَمِنْهُمْ) (وَمِنْهُمْ)، حتى ظننا أن لا يبقى منا أحدٌ إلا ذُكر فيها.

ولما ذكر الله سبحانه تلك الأوصاف الرذيلة لأعداء الله من الكفرة والمنافقين أخبر عن فضل أصحاب نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ورضاه عنهم، وتكريمه لهم، ووعده إياهم بالفضل الواسع، والنعيم المقيم، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].

إنها لتزكية عظيمة، وبشارة سارّة لخير فريقين اجتمعا على الحقّ، وعلى نصرة رسول الحق، ودين الحق، حتى صار ذكرهما علَمًا على كل خير، ودليلاً إلى كل هدى.

ثم انتقل إلى آية أخرى لا تقل ثناءً وبشارة لتلك النخبة الشريفة من البشر التي صحبت خير البشر وظاهَرَتْه ودافعت دونه، حتى عزّ فعزت بعِزه، ونُصرت بنصره؛ استمع إلى وصفهم في سورة الفتح إذ يقول تعالى عنهم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح:29].

الله أكبر! أخلاق رفيعة وخصال حميدة: شجاعة في الحق، شدة على أهل الباطل، تقابلها رحمة بالمؤمنين، ورفق بإخوانهم من المسلمين، هذا في تعاملهم مع الخلق؛ أما مع الخالق فلا تجد وصفًا أحسن من وصفهم بكثرة العبادة، ودوام الخشوع، وحسن الخضوع، والابتهال إلى الله بطلب القرب إليه، والرضا منه: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ).

نعم، بتلك الصفات عظيمة المقدار ملكوا الدنيا، وسادوا الأرض بفضل الله الذي فضَّلهم بصحبة نبيِّه وخيرة خلقه-صلى الله عليه وسلم-.

أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه لرسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه.

والحديث عن فضائل الصحابة عمومًا وخصوصًا حديث تطول فصوله، ولكن حسبنا من ذلك أنهم الذين أعَزَّ الله بهم دينه، ونشر بهم شرعه، بل لو لم يكن من فضلهم إلا محبة رسول الله لهم ورضاه عنهم لكان ذلك كافيًا.

إن لأهل السنة والجماعة لَمَنْهَجًا رشيدًا في تعاملهم مع حقوق هؤلاء الصحابة الكرام، ذكرها المصنِّفون في كتب الاعتقاد، أذكر منها نبذة ملخصة لطيفة من كلام العلامة ابن عثيمين في شرحه على لمعة الاعتقاد، إذ يقول -رحمه الله-: فحقوقهم على الأمة من أعظم الحقوق، فلهم على الأمة:

1/ محبتهم بالقلب، والثناء عليهم باللسان، بما أسدوه من المعروف والإحسان.

2/ الترحم عليهم، والاستغفار لهم؛ تحقيقًا لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].

3/ الكف عن مساوئهم التي إن صدرت عن أحد منهم، فهي قليلة بالنسبة لما لهم من المحاسن والفضائل، وربما تكون صادرة عن اجتهاد مغفور، وعمل معذور، لقوله-صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل الأرض ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم، ولا نَصِيفَه" متفق عليه.

ثم قال الشيخ -رحمه الله-: الذي يسب الصحابة على ثلاثة أقسام:

الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم أو أن عامتهم فسقوا فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل مَن شَكَّ في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأنه مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق.

الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يُجلَد ويُحبَس حتى يموت أو يرجع عمَّا قال.

الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل، فلا يكفر بذلك، ولكن يُعزَّر بما يردعه عن ذلك. انتهى كلامه رحمه الله.

قال القاضي عياض في كتابه (الشفاء في حقوق المصطفى): قال الإمام مالك: من شتم أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال: كانوا على ضلالٍ وكُفْرٍ قُتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكِّل نكالاً شديدًا.

وقال الإمام ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى:(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح:29]، قال -رحمه الله-: ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك -رحمة الله عليه- في رواية عنه تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأنهم يغضبونهم، ومن غاظ الصحابة -رضي الله عنهم- فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء -رضي الله عنهم-.

وقال -رحمه الله- عند تفسيره لآية التوبة: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة:100]، قال رحمه الله: فقد أخبر الله أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبَّهم أو أبغض أو سب بعضهم! ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني الصدِّيق الأكبر، والخليفة الأعظم، أبا بكر بن أبي قحافة -رضي الله عنه-، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة، ويبغضونهم، ويسبونهم، عياذًا بالله من ذلك!.

قال: هذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان إذ يسبون من رضِي الله عنهم؟! وأما أهل السنة فإنهم يترحمون عمَّن رضي الله عنهم، ويسبون من سَبَّه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدعون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون. انتهى كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله.

اللهم إنا نتقرب إليك بحب أصحاب حبيبك-صلى الله عليه وسلم-، وموالاتهم، والترضي عنهم، اللهم اجمعنا بهم في دار كرامتك يا كريم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي