وإنه لحق على كل مسلم أن يشكر الله على نعمة العيد، وحق علينا أهلَ هذه البلاد أن نشكره على أن حَلَّ علينا العيد ونحن نرتع في العيش الرغيد، مع أن الأمم من حولنا تئن من وطأة الجوع والفقر والحروب الطاحنة، نسأل الله أن ينجي المؤمنين ..
أما بعد:
فيا معاشر المسلمين: دعونا فلنردد تلكم الكلمة الكريمة، والشهادة العظيمة، نرددها مستشعرين عظمتها، مدركين معانيها، عالمين بفضلها وجلالتها: لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، لـه الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
ما أعظمها من كلمة! إذ كانت دالَّة على وحدانية الله، وما أعظمها من كلمة! إذ كانت خير ما قاله أنبياء الله، ثم ما أعظمها من كلمة يوم أن قُرنت بالتحميد والتكبير لله العلي الكبير.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر والله أكبر ولله الحمد.
ما أعظمها من كلمات يوم أن قيلت في يوم النحر! ذلكم اليوم الذي رفع الله قدره، وأعلى شرفه وذكره؛ حتى لقد عده طائفة من العلماء أفضلَ أيام العام.
ذلك اليوم الذي تفضل الله به على عباده بعظيم النعم، وكريم المنن. وَلِم لا يكون كذلك؟ وهو اليوم الذي اجتمع فيه من شعائر الإسلام أعظمها، وذلك للحجاج ولغيرهم في سائر البلدان، أما الحجاج فمنذ طلوع فجره وهم يتقلبون في عظيم العبادات، فمِنْ ذكر لله عن مشعر مزدلفة، إلى مسير إلى منى، إلى رمي الجمار، إلى نحر القرابين، إلى الحلق أو التقصير، إلى الطواف في رحاب البيت العتيق.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر والله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: عندما يرى المسلم إخوانه وهم يؤدون مناسكهم يتردّد في ذهنه سؤال إعجاب وإكبار، لا سؤال شك وإنكار، يقول: يا ترى ما الذي حدا هؤلاء إلى هذه الأفعال؟ وما الذي طوعهم لإقامتها من غير سؤال عن حكمتها وعلتها؟.
إن الذي حداهم هو توحيدهم لربهم، ويقينهم بضرورة امتثال أمره؛ طلباً لرحمته، وهرباً من عذابه، هؤلاء هم الحجاج، وتلك هي أحوالهم.
فأما سائر المسلمين في البلدان فلهم شعائرهم وأعمالهم، فمِن أجلِّها إقامة صلاة العيد، هذه الشعيرة التي أوجب حضورها طائفةٌ من العلماء، بل لقد نُدب إلى حضورها الحُيّضُ وذواتُ الخدور.
ومن شعائرهم إراقةُ الدماء، وذبح الأضاحي تقرباً إلى الله، اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ كان يضحِّي بالطيب من الغنم، يذبحها بيده الشريفة -صلى الله عليه وسلم-، ويا لها من شعيرة عظيمة تدل على التوحيد الخالص لله رب العالمين!.
ولئن كانت أمم الكفر والشرك والعقائد الضالة المنحرفة، لئن كانت تلك الأمم تتقرب بالذبح لأنبيائهم وأوليائهم وأصنامهم وقبورهم، -فنحن معاشر المسلمين- لا نذبح إلا لله، وعلى اسم الله، فلا نذبح لنبي، ولا ولي، ولا قبر، ولا كاهن؛ بل نتعبد بالذبح الخالص لله: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].
واعلموا -أيها المسلمون- أن وقت الذبح يبدأ من بعد صلاتنا هذه وإلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو آخر أيام التشريق، ويصح الذبح ليلاً ونهاراً، ومِن الذكر ومِن الأنثى، وتُحَب التسمية على الذبيحة، ومَن تركَها عامداً بطلت أضحيته، ويُسَنّ أن يقول عند الذبح: الله أكبر! اللهم هذه منك ولك، مني -إن كانت منه- أو من فلان -إن كان يذبحها عن غيره-، ثم يدعو بالقبول.
فتقربوا إلى مولاكم بإراقة الدماء، وكلما كانت الذبيحة أعظم كان أجرها عند الله أكبر، والله ذو الفضل العظيم، (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج:37].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر والله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: عيد الميلاد، وعيد المولد، وعيد الأم، والأعياد المحدثة، كل هذه وأشباهها أعياد باطلة لا نعترف بها نحن المسلمين، ولا يجوز لنا المشاركة فيها، فقد أبدلنا الله بعيدين عظيمين: عيد الفطر وعيد الأضحى.
وإنه لحق على كل مسلم أن يشكر الله على نعمة العيد، وحق علينا أهلَ هذه البلاد أن نشكره على أن حل علينا العيد ونحن نرتع في العيش الرغيد، مع أن الأمم من حولنا تئن من وطأة الجوع والفقر والحروب الطاحنة، نسأل الله أن ينجي المؤمنين.
فاشكروا ربكم سبحانه بذكره وتكبيره وطاعته وتحقيق توحيده. وإن العجب كل العجب من أناس حل عليهم العيد وهم في أمن وأمان، ورغد من العيش والنعمة، ثم هم يبارزون الله بالمعاصي والذنوب!.
ألا وإن من المعاصي التي عمت وطمت إقامة الحفلات المصحوبة بالغناء والموسيقى حتى ظنها الناس أمراً مباحاً، وما علموا أنها مما حرم الله، فاتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أن تحريمها يشمل المشاركة والسماع، فحرام فِعلها، وحرام سماعها، وحرام حضورها من غير إنكار.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر والله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: أخرج الإمام في صحيحه حديثاً عظيماً كان السلف يعظمونه ويجلونه، إنه ذلك الحديث القدسي العظيم الذي قال فيه تبارك وتعالى: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تَظالموا"، فبدأ ذلك الحديث العظيم بالتحذير من الظلم وبتحريمه على نفسه وعلى العباد.
ألا وإن من الظلم ظلم الزوجات، وظلم الأولاد، والتفضيل بينهم؛ ومن الظلم أيضاً ظلم الخدم والعمال بتكليفهم مالا يطيقون، أو ببخسهم وعدم إعطائهم حقوقهم.
وإني أحذر هؤلاء بتحذير الله لهم، ففي الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري يقول الله تبارك وتعالى: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة". وذكر منهم رجلاً "استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
وإن من ظلم العمال إساءة المعاملة معهم، بإهانتهم وضربهم وشتمهم، وهو واقع موجود، فاستمعوا إلى هذه القصة التي تدل على شناعة هذا الذنب وسوء عاقبته، أخرج الإمام مسلم في صحيحه من عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت صوتاً من خَلفي، فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "اعلم أبا مسعود أن الله -عز وجل- أقدر عليك منك على هذا الغلام". وفي رواية فقلت: هو حر لوجه الله! فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو لم تفعل للفَحَتْكَ النار".
أيها المؤمنون: بيوتنا هي الحصن الأخير الذي ينبغي أن يحاط بكل أسباب الحيطة والحذر من الفتن، ومع أنها محضن الأجيال ومتخرج الرجال، إلا أن كثيراً من أولياء أمور تلك البيوت قد تساهلوا في حفظها من بعض أسباب الفساد، وأول ذلك وأكثرها خطراً إدخال القنوات الفضائية التي تمطر بلادنا خاصة، وبلاد الدنيا عامة، بوابل مقصود من البلاء، يراه بعُجَرِهِ وَبُجَرِهِ الصغار والشبان والفتيات والكبار، بالغدو والآصال.
وإنكم -أيها الآباء- أنتم المسؤولون عن ذلك في بيوتكم، فبموعظة نبيكم وإمامكم أحذركم، فقد ثبت عنه أنه قال، كما في الحديث المتفق عليه: "ما من عبد يسترعيه الله رعيته يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
وإني اسألك أيها المسلم: أي غش أعظم من أن يُدخِل الرجل على زوجته وأبنائه وبناته جهازاً ينشر الكفر والمجون والغناء؟ والفاضح من صور الرجال والنساء؟ إلى أمور أراد بها أعداء الله اصطياد السُّذَّج من عباد الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله!.
فيا عبد الله، إن رُمت السلامة فعليك بالجزم والعزم على إخراجها، وإن أبقيت هاتيك الشرور في بيتك فعليك إثمها وإثم كل من نظر إليها أو سمعها.
أيها المسلمون: اتقوا الربا فإن المرابي محارِبٌ لله ورسوله، وإن الله تعالى: "لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"، واتقوا أكل الحرام من غشٍ أو بيع لما حرم الله، أو تأجير لمن يعصي الله، فأيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به.
وأوصيكم -يا عباد الله- بالصلاة، فأدوها مع جماعة المسلمين، وبالزكاة، فأخْرِجوها راضين محتسبين مطمئنين، وتجنبوا أسباب غضب ربكم، وسارعوا في مرضاته.
صِلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وأحْسِنوا إلى عباد الله، حسِّنوا أخلاقكم مع إخوانكم المسلمين، وخصوا بذلك أهل القرابة، وخصوا منهم الوالدين، ثم التفتوا بقلوبكم إلى أزواجكم فأحسنوا إليهن بلين القول، ولطيف العبارة، وحسن العشرة؛ ولا يكن أحدكم مع الناس حَمَلَاً وديعاً، فإذا دخل بيته كان هو الأسد الهصور!.
أيها المسلمون: أمر أخير خطير أختم به حديثي إليكم فاستمعوا لـه وأنصتوا -رحمكم الله- فإنه في غاية الخطورة، إنه الذهاب إلى السحرة والكهان، فمن الناس مَن إذا أصيب هو أو أحد أحبابه بمرض أو عين أو مسٍ أو جنون سارع بالعلاج عند الكهنة والعرافين، وهذا من أعظم الذنوب، بل هو كفر بالله العظيم.
فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أتى كاهناً فسأله فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-". فلنطرح هذا الشر، ومَن علمناه وقع في شيء منه فلننصحه، فإن أبَى فلنهجره.
معاشر النساء: أوصيكن بتقوى الله فإنها سبب للسعادة في الدنيا والآخرة، وكم من امرأة تريد السعادة تظنها في الغناء واللهو وما علمت أن ذلك لا يزيدها إلا هماً وغماً، فإن أردتِ السعادة وطيب العيش في الدنيا فكوني من المصليات التاليات الذاكرات المتصدقات العفيفات.
واحذرن -يا إماء الله- من ستة أمور:
أولها: التكشُّف عند غير المحارم ولو كان أخاً للزوج أو قريباً له.
ثانيها: مصافحة الرجال الأجانب.
ثالثها: الخلوة مع السائق أو غيره من الأجانب.
رابعها: لبس ما حرم الله مما يثير الفتنة، أو يشابه الرجال، أو ما فيه تشبه بالكافرين.
خامسها: إطلاق اللسان في الغيبة والنميمة، فما أكثر الغيبة عن بعض النساء! مع أنها من كبائر الذنوب.
سادسها وآخرها: مغاضبة الزوج وعصيانه، فذلك أمر محرم، فطاعة المرأة لزوجها من أوجب الواجبات.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اغفر لنا ذنوبنا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي