إن الشباب أمثالكم في عهود الإسلام الأولى كان يشغلهم معالي الأمور، وكيف ينصرون دينهم، ويبلِّغون دعوة نبيهم؛ فهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه يقود جيشاً عرمرماً، وفي الجيش كبار الصحابة، وتحت إمرته أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وغيره من كبار الصحابة، وكان لا يتجاوز عمره حينها العشرين عاماً ..
الحمد لله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحصى كل شيءٍ علماً، كتب على هذه الدنيا الزوال والفناء، وتفرد بالدوام والبقاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وهو السميع البصير، سبحانه! لا عِز إلا في طاعته، ولا فوز إلا في قربه، ولا غنى لنا عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اكتمل به عقد النبوة، فطوبى لمن والاه وتولاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسَلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الفضلاء: ونحن على عتبات الإجازة الصيفية نسأل سؤالا مهما: هل لدى المؤمن وقت فراغ؟! إنه سؤال مهم جدا يحتاج إلى إجابة.
وقبل أن نجيب على هذا السؤال نقول: إننا وللأسف الشديد نسمع بين الحين والآخر من بعض الشباب مَن يقول لصاحبه وقرينه: تعال لنقضِ وقت الفراغ، وسمعنا مَن يقول لخليله: تعال نمشّي الوقت أو نقتل الوقت! ونرى من يقضي أوقاتاً طويلة من عمره في اللعب والدعة والراحة، وسهر الليالي الطويلة في مشاهدة أو متابعة المباريات، قد سقط حاجباه على عينيه، من كثرة المشاهدة، منشغل البال، خفيف العقل بخفة تلك الكرة التي تتحرك يميناً وشمالاً، وأمام وإلى الوراء.
ونرى -كذلك- من يقضي جل وقته في التسكع في الأسواق والطرقات، والتفحيط والتطعيس، والمغازلات والمعاكسات للبنات، ثم ما يضاف إلى ذلك من إضاعة الصلوات، وسائر الحقوق والواجبات.
ولذلك كان من المهم الإجابة عن ذلكم السؤال، فنقول: إن المؤمن ليس في وقته وقت فراغ، يقضيه سبهللاً لا إلى دنيا ولا إلى آخرة؛ لأن الوقت في حياة المؤمن لا يقدر بثمن، فليس وقته كما يقال: من ذهب، وإنما هو أغلى من ذلك بكثير؛ لأن وقته يعني حياته، كما قال الحسن: يا بني! إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك.
فالليل والنهار مراحل ينزلها الناس، مرحلة مرحلة، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، والسعيد من استطاع أن يقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها، فإن انقطاع السفر عن قريبٍ مَّا هو، والأمر أعجل من ذلك، والموفَّق من تزود لسفره، وإنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق، والليالي متجر الإنسان، والأيام سوق. [بتصرف من الوقت أنفاس لا تعود، ص(16- 17)].
وقد خاطب الله سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام- ونحن تبع له، فقال -تعالى-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح:7-8]، أي: فإذا فرغت من عبادة أَقْبِل على الأخرى، وإذا فرغتَ من عمل أقبل على العمل الآخر، وهكذا.
حتى يصل بنا ذلك إلى الغاية التي يسعى لها كل مسلم وهي الجنة، بتحقق الوظيفة التي لأجلها خلق الجن والإنس: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، هذه الوظيفة التي لا ينبغي للإنسان أن يقضي وقته إلا فيها: عبادة ربه وخالقه ومولاه، وإلا كان الغبن والخسارة. قال قتادة بن خليد -رحمه الله-: المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال: مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة من أمر دنياه لا بأس بها.
وقد جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ" رواه البخاري ومسلم. أي وربي! لقد غبن كثير من الناس بعدم استغلالهم لفراغهم وصحتهم في طاعة ربهم.
إن الصحة والفراغ هي الأبواب التي تلج منها الشهوات، ويتربع في فنائها الهوى الجامح؛ فيأتي على صاحبه بالعطب، وقد صدق من قال: من الفراغ تكون الصبوة.
ورحم الله الشافعي إذ يقول:
إِنَّ الشَّبابَ والْفَرَاغَ والجِدَهْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيّ مَفْسَدَه
والعاقل الموفق من أدرك حقيقة تلك النعم، فاغتنم عمره في علم نافع يحفظه، أو عمل مفيد يقوم به يحفظ له ولأمته الرفعة والتمكين، ويجعلها خير أمة أخرجت للناس.
إنَّ من أمضى يومه في غير حَقٍّ قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثَّلة، أو حمْدٍ حصَّلَه، أو خيرٍ أسَّسَه، أو عِلمٍ اقتبسه؛ فَقَدْ عَقَّ يومَه، وظلَم نفسَه، وظلَمَه.
ولهذا حرص الموفقون على الاستفادة من كل دقيقة وثانية من حياتهم بالعمل الصالح، وعَدُّوا ذلك مغنماً، وعلموا أن ضَيَاعها بدون فائدة مغرماً.
قال عمر بن ذر -رحمه الله-: قرأت كتاب سعيد بن جبير: إن كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة، وهذا المغنم هو حصيلة أعمال صالحة قدمتَ: صلاة وصياماً وتسبيحاً وغيره [الوقت أنفاس لا تعود، لعبد الملك القاسم ص(13- 15)].
أيها المؤمن: إن من علامة إعراض الله عنك أن يجعلك تشغل فيما لا يعنيك؛ خذلاناً من الله -عز وجل- لك.
وانظر إلى حال بعض الموفقين كيف استفادوا من أوقاتهم، واستغلوه فيما يرضي خالقهم، فقد قيل: إن الإمام الشافعي كان يجزئ ليله إلى ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام. وأمثاله كثير.
أخي المسلم: إنه ينبغي عليك أن تتخذ من مرور الساعات والدقائق والليالي والأيام عبرة لنفسك، فإن مرور الساعات والدقائق والليالي والأيام؛ كما قال الشاعر:
أشابَ الصغيرَ وأفْنَى الْكَبِيـ *** ـرَ كَرُّ الغَداةِ ومَرُّ العَشِيّْ
إِذَا ليلـةٌ أَهْرَمَتْ يومَهـا *** أتى بَعْدَ ذلكَ يَوْمٌ فَتِىّْ
إن مُضِيَّ الزمن، واختلاف الليل والنهار لا يجوز أن يمر بالمؤمن وهو في ذهول عن الاعتبار به، والتفكر فيه، ففي كل يوم يمر، بل في كل ساعة تمضي، بل في كل لحظة تنقضي، تقع في الكون والحياة أحداثٌ شتَّى، منها ما يرى وما لا يرى، ومنها ما يعلم ومنها ما لا يعلم؛ فمن أرض تحيا، وحبة تنبث، ونبات يزهر، وزهر يثمر، وثمر يقطف، وزرع يصبح هشيماً تذروه الرياح؛ أو من جنين يتكون، وطفل يولد، ووليد يشيب، وشيخ يتكهل، وكهل يشيخ، وشيخ يموت... [الوقت أنفاس لا تعود لعبد الملك القاسم، ص(21-22) نقلاً عن الوقت للقرضاوي]، إلى غير ذلك.
فإنْ كنتَ بالأمسِ اقْترَفْتَ إساءةً *** فَثَـنِّ بإحسـانٍ وأنت حميدُ
وَلَا تُرْجِ فِعْلَ الخَيْرِ يَوْمَاً إلى غَدٍ *** لَعَلَّ غَـدَاً يأتِـي وأَنْتَ فَقِيدُ
فَيَوْمُكَ إِنْ أَعْتَبْتَهُ عَادَ نَفَعُهُ *** عَلَيْكَ وَمَاضِي الأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ
وقال وهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يشغلك عن الله - تعالى- أحد فافعل.
أيها الشاب: إن زمن الشباب زمن الصحة والقوة، الحركة سريعة، والوثبة قوية، والحواس مكتملة؛ ماذا قدمت في هذا الوقت؟ وهي صحة لن تعود، ونشاط لن يبقى، وحواس تنقص.
كانت صفية بنت سيرين توصي فتقول: يا معشر الشباب! خذوا من أنفسكم وأنتم شباب؛ فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب.
إنَّ الشبابَ حُجَّةُ التَّصَابِي *** رَوَائِحُ الجَنَّةِ في الشبابِ
بعض الشباب يرى أن لديه وقت فراغ، وساعات لا يحتاج إليها، ويبرر لنفسه بما يشاء؛ خرج القاضي شريح على قوم من الحاكة في يوم عيد وهم يلعبون، فقال: ما لكم تعلبون؟ قالوا: تفرغنا! قال: أو بهذا أمر الفارغ؟! وتلا قوله -تعالى-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح:7-8] [الوقت أنفاس لا تعود لعبد الملك القاسم صـ (30-31)].
أيها الشباب: إن الشباب أمثالكم في عهود الإسلام الأولى كان يشغلهم معالي الأمور، وكيف ينصرون دينهم، ويبلِّغون دعوة نبيهم؛ فهذا أسامة بن زيد -رضي الله عنه- يقود جيشاً عرمرماً، وفي الجيش كبار الصحابة، وتحت إمرته أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وغيره من كبار الصحابة، وكان لا يتجاوز عمره حينها العشرين عاماً!.
وعلى بن أبى طالب -رضي الله عنه- كان يصول ويجول في ساحات القتال، يقاتل الأشداء من الكفار مبارزة.
وابنا عفراء يتصديان لقتل فرعون هذه الأمة أبي جهل؛ واسمع إلى قصتهما العجيبة: فعن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي؛ فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما.
فغمزني أحدهما، فقال: يا عم! هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا بن أخي؟ قال: أُخْبِرْتُ أنه يسُبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والذي نفسي بيده! لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموتَ الأعجلُ منّا. فتعجبت لذلك.
فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت: ألا وإن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيها فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: "أيكما قتله؟"، قال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: "هل مسحتما سيفكما؟" قالا: لا. فنظر في السيفين، فقال: "كلا كما قتله" رواه البخاري ومسلم.
وابن عباس –رضي الله عنهما- حبر الأمة، وترجمان القرآن: كان مرجعية علمية، وآية في الفهم والحفظ على صِغر سنه.
كَرِّرْ عَلَيَّ حَدِيثَهُم يا حادي *** فحديثُهم يجلو الفؤادَ الصادِي
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: أحذِّرُ نفسي وإياكم من آفات الوقت القاتلة، والتي منها:
أولاً: الغفلة؛ فإن الله -تعالى- قد حذرنا من الغفلة أشد التحذير، حتى إنه جعل أهلها أضل من الأنعام سبيلاً، بل جعلهم حطب جهنم وساءت، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف:179].
وحذَّر نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- من أن يطيع أو يسمع للغافلين؛ كما في قوله -تعالى-: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28].
وأرشد -سبحانه وتعالى- إلى علاج من هذه الآفة؛ في قوله -سبحانه -: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف:205].
ثانياً: التسويف، وهو من آفات الوقت القاتلة، حيث يؤخر الإنسان أعماله من وقت لوقت، ومن زمان لزمان، ومن مكان لمكان حتى ينقطع ولم يعمل شيئا، لاسيما الأعمال التي تقربه من خالقه ومولاه.
فكم سمعنا ونسمع أن بعض الناس إذا نُصحوا، أو وُجِّهوا، أو أمروا بما ينفعهم، يقولون: سوف نتوب، وسوف نعمل. وأقول لهؤلاء: احذروا -بارك الله فيكم - من سوف! فإنها جنديٌّ من جنود إبليس، وكما قيل: مِن سوف تسلف، وذلك حين لا يجدي التسلف. قال الله - تعالى -: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
ومن الذي يضمن لك -أيها المؤخِّر لعملك- أنك ستعيش إلى غد، وأنَّ الموت لن يأتيك بغتة؟ بل على العكس من ذلك! الموت يأتي بغتة: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [الأنعام:47].
فلابد من التزوُّد بالإيمان والتقوى والأعمال الصالحة، قال الشاعر:
تَزوَّدْ مِن التَّقْوَى فإِنَّكَ لا تَدْرِي *** إِذا جَنَّ ليلٌ هل تَعيشُ إلى الفَجْرِ
فكَمْ مِنْ سَليمٍ مَاتَ مِن غير عِلَّةٍ *** وكَمْ مِن سقيمٍ عاشَ حِيناً مِن الدَّهْرِ
وَكَمْ مِن فَتَىً يُمسِي ويُصْبِحُ آمِنَاً *** وقدْ نُسِجَتْ أكْفَانُهُ وهْو لا يدْرِي
ثم إن لكل يوم عمله، ولكل وقت واجباته، فليس هناك مجال للتسويف؛ ولما قيل لعمر بن عبد العزيز، وقد بدا عليه الإرهاق من كثرة العمل: أخِّر هذا إلى الغد. فقال: لقد أعياني عمَلُ يومٍ واحدٍ، فكيف إذا اجتمع عليَّ عمَلُ يومين؟!.
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: إياك والتسويفَ! فإنك بيومِكَ، ولستَ بِغَدِكَ، فإنْ يكن غدٌ لك، فكن في غدٍ كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم.
وكتب محمد بن سمرة السائح إلى يوسف بن أسباط يقول: أي أخي! إياك وتأميرَ التسويف على نفسك! وإمكانَه من قلبك! إنه محل الكلال، وموئل التلف، وبه تُقْطَع الآمال، وفيه تنقطع الأجيال، فإنك إن فعلت ذلك أدلته من عزمك، واجتمع هو وهواك عليك، واسترجعا من بدنك من السآمة ما قد ولى عنك، فعند مراجعته إياك لا تنفع نفسك من بدنك بنافعة.
قال: وبادِرْ يا أخي فإنك مبادَرٌ بك، وأَسْرِعْ فإِنَّك مَسْروعٌ بِكَ، وجِدَّ فإنَّ الأمر جدّ، وتيقظ من رقدتك، وانتبه من غفلتك، وتذكر ما أسلفت وقصرت، وفرطت وجنيت وعملت، فإنه مثبت محصى، فكأنك بالأمر قد بَغَتَكَ، وأعطيت بما قدمت، أو ندمت على ما فرطت.
فاللهَ اللهَ -عباد الله- في الحفاظ على الأوقات واستغلالها فيما يرضي رب الأرض والسماوات! والحذَرَ والحذرَ من الغفلات، وتأخير الطاعات، والتسويف في فعل الخيرات، وإضاعة الأوقات فيما يسخط عالم السر والخفيات، وما يسبب لكم الفوات، أو للنفس اعتياد المنكرات! وكما قيل:
والنَّفْسُ كالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى *** حُبِّ الرّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
واعلموا –رحمكم الله- أن العمل مهمة الإنسان الحي، فالذي لا يعمل لا يستحق الحياة، بل هو ميت، وكل عمل ابن آدم عليه إلا عمل الآخرة وما يقرب إلى الله -عز وجل -، فإنه له، تضاعَف له الحسنة بعشرة أمثالها إلى أضعافٍ كثيرة.
ولا يمنع ذلك من أن يعمل الإنسان لدنياه، وما يعينه في مسيره إلى الآخرة، لكن يعمل للدنيا، وشعاره: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
أسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيننا على أنفسنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعصمنا من كل سوء ومكروه، وأن يعيننا على استغلال أوقات عمرنا فيما يرضاه لنا، إنه جواد كريم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الكفَرة والملحدين، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين؛
اللهم أَرِنَا الحقَّ حَقَّاً وارزقنا اتِّبَاعَه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
عباد الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالـْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي