ومما يثلج صدورنا أن يخرج من روسيا دولة الإلحاد، ومن أمريكا دولة البغي والحديد والنار، ومن أوروبا قارة العلمانية، ومن الصين والهند دولتا الوثنية، يخرج منها آلاف الموحدين يلبون كما يلبي الناس: لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ..
الحمد لله، يا ربنا لك الحمد، ولا يستوجب الحمد سواك، لك الحمد على نعمائك وآلائك وفضلك، لك الحمد على ما اصطفيتنا له من أثواب الهداية، وأوسمة الغربة، والسير على نهج الرسالات.
لك الحمد على نعمة البصر والبصيرة في زمن العمى، ولك الحمد على نعمة الشموخ والشمم في زمن الانكسار، ولك الحمد على نعمة عشق الموت وما بعد الموت في زمن التكالب على الدنيا وفانياتها، لك الحمد على الروح الوثابة التي قذفتَها بين جوانحنا فلا ترضى إلا بالأوج منزلاً، وبالعلياء مسكناً، لك الحمد على أن ثبَّتَّ القدم على طريق الحق، ونسألك ثباتاً حتى الممات.
لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت؛ كفانا فخراً أن تكون لنا رباً، وكفانا عزاً أن نكون لك عبيدا، سبحانك! سبحانك! أنت قوة كل ضعيف، وغنى كلِّ فقير، مَن تكلم سمعت نطقه، ومن سكتَّ علمت سره، مَن عاش فعليك رزقه، ومن مات فإليك منقلبه.
أنت الملك، وأنت ملك الملوك، وأنت مالك الملك لا شريك لك، بيدك مقاليد العباد ومصايرهم، بيدك الأمر، تحكم الخلق من العرش إلى الفرش، ومن المجرة إلى الذرة، لا يخرج عن إرادتك شيء؛ سبحانك! سبحانك! أنت الباقي وكل ما في الوجود فناء، سبحانك! سبحانك!
شُخُوصٌ وَأَشْكَالٌ تَمُرُّ فَتَنْقَضِي *** فَتَفْنَى جَمِيعَاً وَالمـــُهَيْمِنُ بَاقٍ
وأشهد أن لا إله إلا الله؛ وحده لا شريك له، شهادة حقٍّ، ويقين صدقٍ، نعلي بها الهامات، وترفرف من أجلها الرايات؛ لا إله إلا الله؛ شعارنا، دثارنا، لحننا؛ لا إله إلا الله؛ ملَكَ، وخَلَق، وقَدَّر، وهدَى، وهَيْمَنَ، لا إله إلا الله!
مَا فِي الوُجُودِ سِواكَ رَبٌّ يُعْبَدُ *** كَلَّا وَلَا مَوْلَىً هُنَاكَ فَيُحْمَدُ
يَا مَنْ لَهُ عَنَت الوُجُوهُ بِأَسْرِهَا *** رَهَبَاً وكُلُّ الكائنـــاتِ تُوَحِّدُ
أَنْتَ الإلهُ الواحدُ الحَقُّ الَّذِي *** كُلُّ القُلوبِ لهُ تقِرُّ وَتَشْهَدُ
وأشهد أن القائد القدوة، محمداً رسول الله، طلع في أفق الوجود بدره، وسطعت فيه شمسه، بعثه الله بالبيان، فأظهر دينه القويم على سائر الأديان، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق الجهاد، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وترك فينا ما إن تمسكنا به لا نضل بعده أبداً: كتاب الله، وسنته.
بأبي هو وأمي وروحي! عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام، اللهم صَلِّ وسلم على هذا النبي الكريم، صاحب الخلق العظيم؛ وارْضَ يا ربنا عن الذين أيدوه وناصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.
أوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، وأستفتح بالذي هو خير: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]؛ اللهم سدِّدْ قلبي ولساني، اللهم اجعل الصدق والإخلاص رائدي في كلامي، اللهم افتح قلوب السامعين وأسماعهم لسماع كلمتي، ربَّاه! رباه! لا تجعلها صيحة في وادٍ، ولا نفخ في رماد
يقول مولانا جل في علاه: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج:27]؛ هذا هو النداء العلوي من الله الواحد الأحد إلى أمة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- لتؤدي هذا النسك العظيم، والركن الجليل من أركان الإسلام.
منذ ما قام إمام التوحيد إبراهيم -عليه السلام- ببناء البيت العتيق، يحمل الحجر من على كتف ابنه إسماعيل -عليه السلام-، وهما يهتفان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127]؛ فلما أكمل البناء، وصعدت الكعبة في السماء، قال إبراهيم لربه: يا رب! يا رب! ماذا أفعل الآن؟
قال: اصعد على جبل أبي قبيس-أعظم جبال مكة-. فصعد إبراهيم، وقال: يا رب! ماذا أقول: قال: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج:27].
قال إبراهيم: يا عباد الله! أيها الناس! حُجُّوا بيت الله العتيق، حجوا بيت الله العتيق، حجوا بيت الله العتيق؛ فأسْمَعَ الله دعوتَه نُطفاً في الأرحام، أسمع دعوته الأحياء الأموات، أسمع دعوته كل الكائنات؛ فأقبل الموحِّدون يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. البشرية كلها تُلَبِّي، الأرض تلبي، السماء تلبي، الدنيا كلها تلبي، ويشهد لسان الحال أن النصر لهذا الدين، وأن العاقبة للمتقين.
ومما يثلج صدورنا أن يخرج من روسيا دولة الإلحاد، ومن أمريكا دولة البغي والحديد والنار، ومن أوروبا قارة العلمانية، ومن الصين والهند دولتا الوثنية، يخرج منها آلاف الموحدين يلبون كما يلبي الناس: لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
أيها الأحبة المؤمنون: إنَّ للحج معانيَ ومقاصدَ ودلالاتٍ ينبغي أن نتعرف عليها، وأن نعِيَها؛ كل العبادات في الإسلام أو غالبها، يُطلَب من المسلم أن يتجمل لها، وأن يتزين لها؛ إلا عبادة الحج! فأفضل الحُجَّاجِ الشُّعْثُ الغُبْرُ، وأجمل الحُجاج الحُفاة، وأعظم الحجاج الجائعون الظمآى.
وفي إحرام العبد في ردائين أبيضين تذكير له بإدراجه في كفنه، فهذا سفر إلى عرفات، وذاك سفر إلى الموقف العظيم، فإذا لبست الإحرام، ذكرك بالكفن، وذكرك بيوم الحشر، وذكرك أنك لم تخرج من الدنيا إلا بهذا الكفن الأبيض.
خُذ القَنَاعـَةَ مِن دُنْيَاكَ وارْضَ بِهَا *** لَـوْ لَمْ يَكُـنْ لَكَ إلَّا راحـةُ البَدَنِ
وانْظُـرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَـا بِأَجْمَعِهَا *** هل سَارَ مِنْهَا بِغَيْرِ الطِّيبِ وَالكَفَنِ؟!
وفي الإحرام دروسٌ أخرى، منها المساواة، وهذه من القضايا التي يحرص الإسلام على تقريرها دائماً، فلا يلبس الملوك إلا لباس الإحرام، ولا يرتدي الرؤساء ولا الأغنياء إلا لباس الإحرام، الناس كلهم يشتركون في هذا، فلا تيجان، ولا أكاليل، ولا نياشين، ولا أساور؛ كل الناس محشورون في صعيد واحد، ليبقى العز والملك والسلطان والجبروت لله تعالى وحده، (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر:16]؛ الكُلُّ ذليل، الكل مسكين، الكل خاضع لكبرياء الله وعظمته.
أما الوقوف بعرفة فهو مؤتمرنا العالمي، وهو سر خلودنا في الأرض، الذي نفاخر به أهل الأرض جميعاً؛ إنهم يجتمعون في مؤتمراتهم، بدعَوَات، ومراسيم، وأطروحات، وقوانين؛ أما أهل الإسلام، في يوم عرفة، فيفترشون الأرض، في الشمس المحرقة، التي تلهب الأجساد. الله أكبر! الله أكبر! ما أعظم هذا اليوم! ما أروع هذا اليوم!.
ثم يُفيض الله -تبارك وتعالى- من رحماته على أهل الموقف، فيتجلى للناس في يوم عرفة، ينزل سبحانه إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، يجمع ملائكته فيقول: "يا ملائكتي، انظروا لعبادي، أتوني شعثاً غُبْراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم". شُعثاً، غبراً، ضاحين، تلبَّدَتْ شُعورهم من الشمس، لا دهن، لا طيب، لا ظل، كل ذلك ليَرضَى الله عنهم.
إِنْ كَانَ سَرّكُمُ مَا قَالَ حَاسِدُنَا *** فَمَا لِجُرْحٍ إذا أَرْضَاكُمُ أَلَمُ
تركوا القصور والبساتين والراحة، وجلسوا على التراب تحت حرارة الشمس!.
فاشهد أيها العالم، واسمعي أيتها الدنيا، هذا يوم عرفة، حيث وقف نبينا وقائدنا وزعيمنا، وقف في ردائين باكياً، أشعث، أغبر، يخاطب الدنيا كلها، ويكلم الناس جميعاً؛ إنه وقف هناك ولكننا نذكره هنا، وسوف نذكره في كل مكان، وسوف نذوب في حبه وفي فدائيته وفي دعوته ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، ولو كره المجرمون! إن محمداً هو تاريخ هذه الأمة وعمقها وعزها، لقد وقف هذا الرسول الكريم في عرفات، وأرسى قضايا ثلاث:
القضية الأولى: القضاء على التمييز العنصري، لقد ألغى محمد -صلى الله عليه وسلم-كل ألوان التمييز العنصري، وداس عليه بقدميه قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، في حين أن أمريكا التي تتبجح بأنها أعظم دولة في العالم، لا زالت تفرق بين مواطنيها بحسب ألوانهم وأديانهم! أما في الإسلام فلا أبيض ولا أسود ولا أحمر، لا نسب، لا مال، لا جاه (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13].
وقف الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- ينادي: يا أبا بكر، يا قرشي، يا سيد، أنت وبلال الحبشي أخَوَان، لا فرق بينكما عند الله إلا بالتقوى؛ وقف هناك يقول: يا عمر، يا أبا حفص، يا فاروق الإسلام، أنت وصهيب الرومي أخَوان؛ وقف هناك يقول: يا علي، يا ابن عم رسول الله، أنت وسلمان الفارسي أخَوان.
إنْ كِيْدَ مُطَّرَفُ الإخـاء فإننا *** نَغْدُو ونَسْرِي في إِخَاءٍ تَالِدِ
أَوْ يَفْتَرِقْ مَاءُ الغَمـامِ فَمَاؤُنَا *** عَذْبٌ تحدَّرَ مِن غَمَامٍ وَاحِدِ
أما القضية الثانية: فقد أعلن فيها الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-حقوق المرأة، وأنها إنسانة لها شأنها في المجتمع، فهي تمثل نصف الأمة، ثم هي تلد النصف الآخر، فهي أمة كاملة؛ أما الذين يدعون إلى ما يسمى بحرية المرأة، فأولئك هم أعداء المرأة، وقتَلة المرأة، لا يريدون إلا أن تكون المرأة جسداً مشاعاً، يفترسه ذئاب الأرض وكلابها.
أما القضية الثالثة: التي قررها الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-في هذا الموقف العظيم فهي قضية الإنسان، قضية حقوق الإنسان، فقد نادى هذا النبي العظيم بحقوق الإنسان، وأنه لابد أن يكون محترماً، له مكانته بين الناس، لا أن يعامل كما يعامل الحيوان.
وإذا كان هذا الإنسان مسلماً، إذا كان هذا الإنسان مؤمناً، ازدادت حرمته، وتأكدت حقوقه. "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا"، ينظر الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-إلى الكعبة ويقول: "ما أعظمك! وما أشَدَّ حرمتك! والذي نفسي بيده! لَلْمُؤمن أشَدُّ حُرْمَةً عند الله منك!".
أيها المؤمنون الأعزاء: مَن الذي نادى بحقوق الإنسان؟ من الذي طبَّقَ حقوق الإنسان على واقع الحياة؟ هل جاءت المنظمات العالمية بحقوق الإنسان؟ هل طبقت هذه المنظمات العالمية مبادئ حقوق الإنسان؟ لا والله! فهؤلاء هم الذين ذبحوا الإنسان، قتلوا الإنسان، سجنوا الإنسان، شردوا الإنسان؛ داسوا على حقوق الإنسان في كل مكان، انتهكوا حقوق الإنسان في كل بقاع الأرض، سحقوا الإنسان في فلسطين، وداسوا على كرامته في العراق، ومرَّغُوا أنفه في أفغانستان، وأذلوه في جوانتنامو، وقهروه في سجون البغي والظلم؛ حتى في فرنسا، دولة الحرية والعدالة كما تدَّعى، صودرت حقوق الإنسان بجرة قلم، أردَتْ بحجاب المسلمة صريعا.
جرح علَى جُرحٍ يهُزُّ كِيَانِي ***وَيَمُدُّ لي لَهَبَاً من الأحزانِ
خَطٌّ مِن الألمِ المـــُبَرِّحِ سَاخِنٌ *** يَسْرِي مِن الأقْصَى إلى الشيشانِ
وَيَضُمُّ بَغْدادَ الَّتي اكتَمَلَتْ بِهَا *** مأساةُ هذا العصْرِ في الطُّغيانِ
وَيَضُمُّ كَابولَ الَّتي شَهِدَتْ بِمَا ***شهِد المـــَدَى مِن حَسْرةِ الأفغانِ
وَيُثِيرُ ألْفَ قَضِيَّةٍ وَقَضِيَّةٍ *** رَحَلَتْ بِأُمَّتِنَا إلى الطُّوفانِ
يا صَرْخَةَ الألَمِ الَّتِي اشْتَعَلَتْ عَلَى *** شَفَةِ الجَرِيحِ كَأَلْسُنِ النِّيرانِ
يا أدْمُعَ الثَّكْلَى الَّتي رَسَمَتْ لَنَا *** في مُقْلتَيْهَا حَسْرَةَ الوُجْدَانِ
يا ألفَ باكيةٍ وألفَ يتيمةٍ *** يَا ألفَ هَارِبَةٍ بِلا عُنْوَانِ
يا ألفَ شَيْخٍ في انْحِناءِ ظُهُورِهِم *** خَبَرٌ يُحَدِّثُنَا عَنِ الطُّغْيَانِ
يا ألفَ مِئْذَنَةٍ تَوقَّفَ نَبْضُهَا *** يَا ألفَ مِحْرَابٍ بِلا أركانِ
يا ألْفَ طِفلٍ قارئٍ أمسَوا بلا *** كُتُبٍ ولا نُسَخٍ مِن القُرآنِ
يا ألفَ مُسْلِمَةٍ شَرِبْنَ تَعَاسَةً *** وَلَبِسْنَ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ وَهَوانِ
يا ألْفَ دارٍ مَا يزالُ رُكَامُهَا *** يُلقي عن المأساة ألف بيانِ
يا ألْفَ ألفِ قذيفةٍ وَرَمِيَّةٍ *** رسَمَتْ ملامحَ وَحْشَةِ الإنسانِ
يا ألْفَ مُؤتَمَرٍ عَلَى أورَاقِها *** جثَم انتهاكُ كرامةِ الإنسانِ
آلافُ قتلَى المسلِمِينَ كَأَنَّمَا *** هُم في حُقُولِ تَجارِبِ الفئرانِ!
والغربُ يَرْسُمُ كُلَّ يَومٍ خطَّةً *** لِرِعَايةِ الحشَراتِ والحيَوَانِ!
يا غربُ، يا قلباً أماتَ شعورَهُ *** لهَبٌ مِن الأحقادِ والأضغانِ
ما بالُ مجلسِ خَوفِكُم لا يَنْطَوِي *** إلا عَلَى التَّضْلِيلِ والبُهْتَانِ؟
ما بالُه يَلْقَى مآسيَ أُمَّتِي *** وجراحَها بالصَّمْتِ والخِذْلَانِ؟
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ أشهد ألا إله إلا الله، الحكم العدل، الحق المبين،
وأشهد أن محمداً رسول الله، إمام المتقين، وسيد المرسلين، وقائد المجاهدين؛ صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحابته وأزواجه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون الأعزاء: لله تعالى في بعض الأيّام المباركة نفَحاتٌ ينالها الموفَّقون من عباد الله، ومن تلك الأيام أيامُ عشر ذي الحجة، روى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما العملُ في أيامٍ أفضَل منها في هذه". قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطرُ بنفسه وماله فلم يرجع بشيء".
كان السلفُ إذا دخلت أيامُ العشر من ذي الحجّة يجِدُّون في البرّ والطاعة، ويكثرون من الذكر والدعاء وتعظيم الله؛ ومما هو مشروع في هذه الأيام الإكثار من صلاة النافلة، والتهليل والتكبير والتحميد وقراءة القرآن، والصدقة على الفقراء والمساكين، وإغاثة الملهوفين، وبرّ الوالدين، وقيام الليل، وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
ومن ذلك صومُ غير الحاجّ ما تيسر له من أيام العشر، خاصة يوم عرفة؛ لما في صحيح مسلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَحْتَسِبُ على الله أن يكفِّر السَّنةَ التي قبله، والسنة التي بعده ".
ومما يُشرع تكبيرُ الله تعالى وتعظيمه، ويكون التكبير المطلَق في جميع الأوقات من ليل أو نهارٍ إلى صلاة العيد؛ أما التكبيرُ المقيَّد فهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبةِ التي تصلَّى في جماعة، ويبدأ لغير الحاجّ من فجر يومِ عرفة، وللحاجّ من طهر يوم النحر، ويستمرّ إلى صلاة عصرِ آخر أيام التشريق.
ومما يشرع إعدادُ الأضحية، ومن أراد أن يضحِّي ودخل شهر ذو الحجة فلا يحلّ له أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره حتى يذبحَ أضحيتَه، ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسِك عن شعره وأظفاره".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي