السينما في عاصمة التوحيد

سامي بن خالد الحمود
عناصر الخطبة
  1. لماذا الاعتراض على السينما؟ .
  2. حكم دور السينما في الشريعة الإسلامية .
  3. عجباً لمن يفرح بالمعصية: .
  4. المكر الكبار في الصحف والقنوات .
  5. معاً ضد التغريب والإفساد .
  6. السينما مجرد حلقة في سلسلة التغريب والعزو الفكري .

اقتباس

في ظل ما يتعرض له الإسلام، وتتعرض له هذه البلاد خاصة، من هجمة شرسة على دينها ومعتقدها وأخلاق أبنائها وبناتها، تحدثت لحضراتكم قبل أشهر عن السينما في المملكة ومحاولات بعض السفهاء إحياءها في جدة, وفي هذا الأسبوع عاد السفهاء ليحاولوا إحياءها من جديد في عاصمة التوحيد، مع سبق الإصرار والتنديد, وهذه بعض الوقفات الهامة حول الموضوع ..

في ظل ما يتعرض له الإسلام، وتتعرض له هذه البلاد خاصة، من هجمة شرسة على دينها ومعتقدها وأخلاق أبنائها وبناتها، تحدثت لحضراتكم قبل أشهر عن السينما في المملكة ومحاولات بعض السفهاء إحياءها في جدة, وفي هذا الأسبوع عاد السفهاء ليحاولوا إحياءها من جديد في عاصمة التوحيد، مع سبق الإصرار والتنديد, وهذه بعض الوقفات الهامة حول الموضوع:

1/ لماذا الاعتراض على السينما؟

في السنوات الأخيرة ظهرت الدعوة إلى إنشاء دور للسينما في هذه البلاد المباركة، وتبنّى هذه الدعوة عدد من الكُتّاب في صحفنا المحلّيّة, وربما احتجوا ببعض الحيل والشبهات الباطلة كقولهم إن السينما مجرد وسيلة وليست محرمة لذاتها، وهذه الحجة واهية؛ فالوسيلة المباحة لا تعطى للسفهاء ولا للمعروفين بالفساد.

وكقولهم: إن السينما ستشغل أوقات الشباب عن المشاكل والظواهر السيئة، وهذه حجة باطلة، وهروب من الرمضاء إلى النار، ومداواة للحرام بالحرام، فما يعرض في صناعة السينما بوضعها الحالي، لا يقل سوءًا وخطرًا من الظواهر السيئة.

وإنك لتعجب من بعض هؤلاء الكتاب ممن يطالبون بحقوق الشباب وشغل أوقاتهم بالمفيد، وهو بالأمس يشنّ الحملات الشعواء على النشاطات المفيدة وحلق تحفيظ القرآن، والمراكز الصيفية، والمخيمات الدعوية التي يقضي فيها الشباب والشابات أنفع الأوقات، في وضح النهار، لا في ظلمة الليل، والسهر إلى ساعات متأخرة كما يريده المفسدون.

وربما احتجوا بأنّ ما سيعرض في هذه الدور يعرض مثله أو أعظم منه في البيوت على الفضائيات، وهذا الاحتجاج ينم عن سذاجة وجهل، أو تجاهل لمقاصد الشريعة من وجوب الحدّ من المنكرات العامّة، ومنع إظهارها والدعوة إليها، فإنّ المنكر إذا خفي ولم يظهر، لم يضرّ إلا صاحبه كما هو الحال في الفضائيات الساقطة التي دخلت بعض البيوت، بخلاف ما إذا ظهر المنكر وصار معروفًا ومحميًّا بقوّة النظام، ويخرج إليه الناس من بيوتهم ليجتمعوا عليه في جو مليء بالمفاسد, فإن المنكر العام الظاهر سبب للعقوبة الجماعية كما جاء في الأحاديث الصحيحة.

إن السينما لم تعد نشاطًا تجاريًا هدفه الربح فقط، بل أصحبت صناعةً وثقافة، وأداةً لترويج الأفكار المذهبية والسياسية، وإشاعةِ الرذيلة والتحرر وتغريب المجتمع، وقد أكدت أبحاث الاجتماعيين المنصفين فساد الآثار المترتبة على الفيلم السينمائي الغربي والعربي.

إن خطورة تطبيع السينما داخل المجتمع السعودي المحافظ لا تتعلق فقط بوجود صالة تعرض فيها بعض الأفلام، والتي ربما كانت أقل سوءًا من الأفلام التي يراها الناس عبر القنوات الفضائية، بل الخطر في تطبيع ثقافة السينما داخل البلاد، ودفعها للسير نحو طريق مظلم من الانحطاط الفني والانحلال الاجتماعي الذي تعيشه كثير من الدول الغربية والعربية, حتى إن شرائح كثيرة من الشباب غير المتدين وربما ممن يشاهد الأفلام يرفض هذى الأماكن لما فيها من انحلال المجتمع.

2/ حكم دور السينما في الشريعة الإسلامية:

الموضوع ليس بجديد فقد صدرت فتاوى كثيرة من اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة المفتي ومن عدد من المشايخ الكبار بتحريم ارتياد دور السينما وبنائها والعمل فيها أو في حراستها؛ بسبب ما يعرض فيها من الملاهي المحرمة، ولما فيها من اختلاط الرجال بالنساء، إلى غير ذلك من المفاسد, وأن الأجرة الحاصلة من العمل بها حرام؛ لأن المال الذي يؤخذ مقابل الحرام يكون حرامًا.

وهناك فتاوى كثيرة للعلماء والهيئات العلمية في شتى بلدان العالم، والأمر ظاهر الفساد دينيًا وخلقيًا واجتماعيًا، ولا يحتاج لمزيد فتوى أو بيان.

3/ عجباً لمن يفرح بالمعصية:

لا ينقضي العجب من بعض المنتجين والممثلين والإعلاميين الذي ابتهجوا بهذا الحدث الذي هو باب من أبواب الشر، وواعجبًا لمن يفرح بالمعصية والاجتماع عليها.

ولا ينقضي العجب مما يكتبه بعض المرضى من كتاب الصحف، الذين ضخموا الحدث وصوروه بأنه الفتح المبين والنجاح العظيم، وكأنه انتصارٌ للحق والفضيلة، ورفعةٌ لهذه البلاد.

إن النجاح الإعلامي والفني في معيار الشرع والعقل أن تقدم إعلامًا وأفلامًا هادفة، وأما ماسواها فهو ذلة لا كرامة.

إن النظر للسينما والإعلام يجب أن يكون وفق شرع الله الحاكم في هذه البلاد، والحاكم في حياة كل مسلم, والواقع الغالب في السينما اليوم من حيث ثقافتها ومحتواها، وأماكن عرضها، والقائمين عليها ممثلين ومنتجين وشركات، أن فيها من الفساد والشر المتعدد الذي لا تقره الشريعة، ولا نتشرف أن ينسب لبلادنا، وهي قبلة المسلمين ومهبط الوحي.

4/ المكر الكبار في الصحف والقنوات:

قرأت وطالعت عددًا مما كتب وعرض في الصحف والقنوات حول السينما في المملكة، فرأيت مكرًا كبارًا وخداعًا مكشوفًا من أرباب الفساد.

- فمن مكرهم، أنهم يغطون فسادهم بالعبارة الفارغة المطاطة: وفق الضوابط الشرعية وعادات المجتمع.

مسكينة هذه الكلمة: (وفق الضوابط الشرعية) من هم صناع الأفلام السينمائية اليوم؟ وماذا سيقدمون لنا وأفلامهم تنطق بالخبث عبر قنواتهم الفضائية؟ وأين الضوابط الشرعية المزعومة من عمل مبني على الحرام، ويتولاه أهل الفساد والإجرام.

- ومن مكرهم، ترديدهم الأسطوانة المشروخة أن المشايخ حرموا سابقًا الهاتف ومكبرات الصوت وتعليم المرأة ثم قبلوها، وهذا فيه خلط عجيب، فالمشايخ المعروفون والمفتون المعتبرون لم يحرموا الهاتف أو الأجهزة الحديثة، وأما تعليم المرأة فقد عورض خوفًا عليها؛ لأن فيه خروجًا غير معتاد، فلما تبين الأمر وتولاه المشايخ وأهل الفضل وثق الناس به وزال الإشكال بحمد الله.

- ومن مكرهم، زعمهم أن غالبية المجتمع تريد السينما وأن المعترضين قلة، وهذا كذب صريح، إلا إن كان المقصود الأكثرية من رؤساء التحرير أو كتاب الصحف فربما.

ونحن نتحدى هؤلاء المخادعين أن يجروا استفتاء أو تصويتًا نزيهًا حول هذه القضية، كما فعلوا في استفتاء قيادة المرأة للسيارة بمشاركة شرائح عديدة من النساء فخرجت النتيجة: الرافضات أكثر من 95% كالصاعقة على رؤوس شياطين الإنس ومن يطبل لهم.

- ومن كذبهم وتناقضهم زعم إحدى الصحف المحلية ازدحام الناس ونفاذ التذاكر، وفي نفس اليوم تزعم صحيفة أخرى أن الإقبال ضعيف، فمن نصدق من هؤلاء الكذبة؟.

- ومن مكرهم قولهم: إن هؤلاء الذين يحضرون العروض السينمائية مسلمون مصلون وعندهم أسر وكذا، عجيب، كأن هذا القائل يتهم المعترض بالغلو وأنه يكفر الناس ويخرجهم من الملة، من قال هذا؟ وهل حضورهم ينفي ما عندهم من أعمال وصفات الخير؟ هؤلاء مسلمون مصلون نعم لكن هذا لا يمنعنا أن نقول إنهم آثمون ويجب مناصحتهم، وليس هناك تناقض.

- ومن مكرهم، وصفهم المعترضين بأنهم أعداء للفن والسينما أو أنهم ضد التطور أو أنهم ضد حكم التصوير فقط, وهذا الاستهبال فيه سطحية ساذجة، ومراوغة مكشوفة, ليس هذا محل النزاع، وليس عندنا فوبيا ضد السينما لذاتها، وإنما النزاع في أمرين رئيسيين:

الأول: محتوى السينما ومدى التزامه بالشريعة، وانضباط دور السينما بالضوابط الشرعية:

هل محتوى الأفلام الموجودة حاليًا مناسب للعرض دينيًا وأخلاقيًا، أم أن روتانا ستحضر لنا أفلامًا خاصة من المريخ؟.

هل هناك لجان أو ضوابط شرعية تضمن درء المفاسد الواقعة في البلاد الأخرى، سواء في محتوى الفيلم أو في دور العرض، أم أن الأمر مجرد كلام وذر رماد في العيون تدريجيًا حتى ينفرط الأمر.

آخر نكتة قالها الناطق باسم روتانا أنه سيكون هناك مستقبلا لجان شرعية.

أنا سأحاول تصديق هذه النكتة لكني أقول: بعد ماذا؟ بعد خراب مالطا؟ وهل هذا الهروب إلا اعتراف بأن ما يحصل الآن من الشركة هو جرأة وتهور غير ملتزم بالضوابط الشرعية في مجتمع محافظ.

النزاع الثاني: في القائم على العمل.

إذا افترضنا أن السينما وسيلة إصلاح بريئة وأنه يمكن الاستفادة منها وضبطها, هل يجوز أن تتولى هذه الوسيلة جهة فاسدة منحلة عمياء البصيرة مثل روتانا أو غيرها؟

إن الفأس أداة نافعة للبناء والإصلاح، لكنه إذا أعطي لأعمى أو مجنون تحول إلى أداة هدم وإفساد.

أسألكم بالله هل يرضى مسلم عاقل أن يتربى أبناؤه وبناته على يد روتانا ومنهجها وأفلامها؟ حتى وإن ابتلي بمشاهدة بعض الأفلام.

هل تعترف روتانا أصلاً بشيء اسمه ضوابط شرعية أو أخلاقية، كما زعم الناطق الكاذب باسمها؟ وهي لا تملك مجرد فكر سليم أو قيم أخلاقية لتتولى السينما في هذه البلاد؟

هل لدى روتانا أنموذج أو تصور لما ستقوم عليه صناعة السينما في السعودية سوى النموذج الهابط الذي يعرض على قنواتها الفاجرة؟

كفى فسقًا وفجورًا وإفسادًا للناس, وكفى كذبًا وتلبيسًا على الناس.

إن حق هذه الشركة وأمثالها أن تحقر وتهان، وتداس أفلامها بالأقدام، لا أن يمكن لها في هذه البلاد.

ومن مكرهم، السخرية بالمعارضين في رسوم كاريكاتيرية كما فعل رسام جريدة الرياض عندما صور بكل وقاحة عددًا من الملتحين ولابسي المشلح عند السينما والمسرح ومعرض الكتاب بصورة ساخرة؛ لأنهم متدينون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, وحسبنا الله ونعم الوكيل، نسأل الله أن يهدي هذا الوقح وأمثاله من كتاب الصحف، وإن كان في سابق علمه عدم هدايتهم نسأل الله أن يهتك سترهم، ويكفي المسلمين شرهم، ويجزيهم بسوء أعمالهم، والله ولي الصالحين.

الخطبة الثانية

5/ معاً ضد التغريب والإفساد:

في ظل ما تتعرض له بلادنا من حملات تغريبية يجب أن يكون لنا دور فاعل في التصدي لهذه التيارات، وحتى لا نقف مكتوفي الأيدي، هذه بعض الوسائل:

أ/ مناصحة أصحاب القرار بالحكمة، والتواصل مع ولاة الأمر -وفقهم الله- عبر الوسائل المدنية الحضارية، وبيان أخطار مثل هذه المشاريع التغريبية على وحدة هذه البلاد وأمنها الفكري والأخلاقي.

إن إنشاء دور السينما فيه جرأة وتمكين لأهل الفساد، وهو غريب وشاذ على البلاد، ولا يستند لأمر واضح من ولاة الأمر -وفقهم الله لكل خير-، وهو مخالف لفتاوى العلماء الكبار المعتمدين، ومخالف لدستور هذه البلاد وهو الشريعة الغراء.

نحن بحمد الله قد كفينا بولاة أمرنا وعلمائنا وهم متفقون على منهج واحد يجب التزامه والالتفاف حوله وترك الآراء الشاذة، وليس في السفينة الواحدة مكان للاختراق والشذوذ والفرقة.

ب/ لا بد في مثل هذه المسائل الرجوع إلى العلماء بسؤالهم والصدور عن رأيهم، ومناصحتهم للقيام بواجبهم.

ج/ يجب على الشباب الغيورين التحلي بالحكمة وضبط النفس وترك ردود الأفعال غير المنضبطة، وتجنب الإنكار باليد إلا لمن فوضهم ولي الأمر.

د/ توعية المجتمع بالعلم النافع ونشر الفتاوى والمحاضرات وخطب الجمعة وغيرها.

هـ/ الكتابة في الصحف والمجلات عن أضرار السينما ومفاسدها بوضعها الحالي, والرد على من يتبنونها بسبب بعض المبررات الموهومة وبيان رجحان المفاسد في هذا الأمر.

و/ المدافعة المضادة بالإعلام الهادف وبرامجه، عن طريق القنوات الهادفة وشبكة الانترنت.

ز/ وأخيرًا، مناصحة القائمين على هذه الأعمال.

رسالة من القلب، إلى لكل من يعمل أو يشارك في نشر الرذيلة والفاحشة التي تدعو إليها الأفلام السينمائية سواء كانت عبر القنوات الفضائية أو دور السينما العامة.

أيها الكاتب، أيها الممثل، أيها المشارك، أيها المسؤول، يا من ولي أمرًا من أمور المسلمين، اتق الله, هل نسيت ذنوبك، لتضم إليها ذنوب المشاهدين لهذه الأفلام؟ كيف ترضى أن تكون مفتاح شر لإفساد أبناء وبنات المجتمع، فتحمل ذنوبهم فوق ظهرك؟

بل أقول لكل من يؤيد أو يحضر هذه العروض السينمائية, إذا ابتلاك الله بمشاهدة الأفلام فتب إلى الله أو استتر بستر الله، وإياك إياك أن تكون سبباً لإشاعة الفساد وإعلانه في المجتمع بتشجيعك وحضورك هذه العروض، فقد قال ربك جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور:19].

وأخيرًا: السينما مجرد حلقة في سلسلة:

يجب أن نعلم يا عباد الله أننا حينما نتحدث عن بعض الحلقات التغريبية كالسينما والاختلاط والأندية الرياضية النسائية وغيرها، فإننا نتحدث عن حلقات تنتظمها سلسلة من سلاسل التغريب والغزو الفكري الموجه للمجتمع المسلم، وسأؤجل الكلام عن هذا الأمر إلى الأسبوع القادم بإذن الله, جوابًا على بعض الأسئلة:

ما هو المخطط المرسوم الذي يسير عليه دعاة التغريب لهدم الإسلام باسم الإسلام؟ هل يدرك عقلاؤنا أن ما يجري هو ترجمة عملية لما ورد في تقارير راند الذي سأكشف لكم بعضه؟ ما علاقة خطاب أوباما الأخير وسياسته الناعمة بهذه السياسات والتقارير؟ الجواب في الأسبوع القادم بإذن الله في موضوع ساخن وهو: الحرب الناعمة على الإسلام.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي