وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، إنما تكون لمن له فساد في العقيدة, أو إصرار على الكبيرة، أو إقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزلَ عليه الموت قبل التوبة، فيأخذَه قبل إصلاح الطوية، ويصطدمَ قبل الإنابة والعياذ بالله..
الحمد لله الذي بيده الملك، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، قدّر الأقدار بحكمته وعلمه، فلا معقب لحكمه ولا رادَّ لقضائه وإليه المصير، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفردُ بالعزة والبقاء، والجبروتِ والكبرياء، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله إمام الأتقياء وخاتم الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أتحدث إليكم اليوم عن أمر طالما غفلنا عنه, وأشغلتنا الدنيا عن الاستعداد له.
هل تذكرت -أخي الحبيب- عندما كنت جنينًا في ظلمات الأرحام، فأرسل الله إليك الملك، فماذا كتب الملك في أجلك وخاتمتك؟ وهل كتبك من السعداء أو الأشقياء؟.
في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نطفة، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا".
حديثنا بين يدي هذا الحديث عن الخاتمة، الخاتمةِ التي طالما تسابقت دموعُ العارفين خوفًا منها، وضُمّت الركبُ في المحاريب بين يدي الله تحسبًا لها.
حديث عظيم، فيه بشارة، وفيه تخويف، بشارةٌ لمن تاب وأصلح عمله قبل الموت، بأنه إذا خُتِم له بعمل أهل الجنة كان من أهله, وتخويفٌ للمؤمن الطائع من أن يزل ويعمل بعمل أهل النار، فيُختمَ له عليه فيدخلَها والعياذ بالله.
وإياك أن تفهم من الحديث أن الله يخذل أولياءه الصادقين، أو يضيع أجر المحسنين، فيقلب إيمانهم عند الموت، فهذا أمر لا يقع مطلقًا، ولا يليق برحمة الله وعدله.
ولهذا قال النووي رحمه الله: "وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع فِي نَادِر مِنْ النَّاس, لَا أَنَّهُ غَالِب فِيهِمْ , ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْف اللَّه تَعَالَى وَسَعَة رَحْمَته اِنْقِلَابَ النَّاس مِنْ الشَّرّ إِلَى الْخَيْر فِي كَثْرَة, وَأَمَّا اِنْقِلَابُهمْ مِنْ الْخَيْر إِلَى الشَّرّ فَفِي غَايَة النُّدُور, وَنِهَايَة الْقِلَّة" اهـ, وحمله آخرون على المنافق أو المرائي الذي فسد باطنه، ويؤيده رواية "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس".
ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، إنما تكون لمن له فساد في العقيدة, أو إصرار على الكبيرة، أو إقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزلَ عليه الموت قبل التوبة، فيأخذَه قبل إصلاح الطوية، ويصطدمَ قبل الإنابة والعياذ بالله".
إذن المستفاد من الحديث هو التحذير من ترك الدين أو الاغترار بالعمل، أو فساد الباطن والتجرؤ على المحرمات، ولو أظهر الإنسان الصلاح للناس.
واعلموا -أيها الأحبة- أن الناس في الخاتمة على أربعة أحوال:
1/ أشرفها من كان في حياته مؤمنًا صالحًا فلما قرب أجله ازداد اجتهادًا في العبادة، فمات على أكمل أحواله، وعلى رأس هؤلاء رسول الله.
2/ من كان في حياته كافرًا أو فاسقًا فلما قرب أجله أسلم وتاب واستقام وحسن عمله، فمات على ذلك، كما في الصحيحين في قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب.
3/ من كان في حياته كافرًا أو فاسقًا فازداد قبل حلول أجله فسقًا وكفرًا، فمات على أسوأ أحواله.
4/ من كان في حياته مؤمنًا ثم كفر أو صالحًا ثم فسق والعياذ بالله –تعالى- فمات على ذلك، فهذا أعظمهم حسرة وندامة، وهذه التي خافها الصالحون.
قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "الذنوب أهون عليّ من هذه -وأشار إلى تبنة كانت في يده- وإنما أخاف من سوء الخاتمة".
وقال أنس بن مالك: ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن؟ أولُ يوم يجيئك البشير من الله إما برضاه وإما بسخطه، واليومُ الثاني يومٌ تعرض فيه على ربك آخذًا كتابك إما بيمينك وإما بشمالك، وأولُ ليلة ليلةٌ تبيت فيها بالقبر، والليلةُ الثانية ليلةٌ صبيحتُها يوم القيامة.
من قصص سوء الخاتمة:
وقد ذكر الإمام ابن القيم والحافظ الذهبي -رحمهما الله- قصصًا كثيرة عن أقوام عجزوا عن قول: "لا إله إلا الله" عند موتهم، ورددت ألسنتهم ما تعلقت به قلوبهم في الدنيا من حرام أو مباح.
فقد قيل لرجل كان يشرب الخمر، قل: لا إله إلا الله، فقال: اشرب واسقني، ثم مات، وقيل لرجل كان يلعب الشطرنج، فقال: شاه رخ، ومات, وآخر كان منهمكًا في التجارة فقال: هذه رخيصة وهذا مشترى جيد ثم مات.
وقال عبد العزيز بن أبي رَوّادٍ: حضَرتُ رجلاً عند الموتِ يلقَّن: لا إلهَ إلا الله، فقال في آخر مَا قَالَ: هُو كافِرٌ بهَا، ومات على ذلك، قالَ: فسألتُ عنه فإذا هو مُدمِنُ خمرٍ.
وقيل لرجل من أكلة الربا: قل: لا إلهَ إلا الله، فقال: عشَرةٌ بأحدَ عشَر, وقيل لآخر: اذكُرِ الله، فقال: رِضا الغلامِ فلان أحبُّ إليَّ مِن رِضا الله، وكان يميل إلى الفاحِشَة, وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: يا رُبَّ قائِلةٍ يَومًا وقد تَعِبت: أينَ الطريقُ إلى حمّام منجَابِ؟.
وكان خَدَع جَارِيةً تريدُ حمّام منجاب فأدخَلَها داره يريد بها الفَاحِشةَ، فهربت منه، فتعلق قلبه بها حتى مات.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء ويقول تاتنا تنتنا حتى مات.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله, فقال: ما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ارتكبتها ثم مات ولم يقلها.
وقيل لآخر ذلك, فقال: وما يغني عنّي وما أعرف أني صليت لله صلاة ثم مات.
وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: سيجارَة سيجارَة؛ لأنّه كان يشرَب الدّخَان.
ومما ذكره بعض فضلاء العصر أنه وقع حادث على إحدى الطرق السريعة لثلاثة من الشباب، فتُوفي اثنان وبقي الثالث في الرمق الأخير، فقال له رجل المرور: قل لا إله إلا الله, فأخذ يحكي عن نفسه ويقول: أنا -ثم قال- في سقر, أنا -ثم قال- في سقر، حتى مات على ذلك, ورجل المرور يقول: ما هي سقر؟
والجواب في كتاب الله: أما سقر فقد قال الله: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) [المدثر:26-29].
وأما لماذا في سقر فقد قال الله (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر:42-43] فالشاب لا يصلي، فكان من أهل سقر.
ويذكر الشيخ علي القرني قصة شاب آخر كان في سكرات الموت، فقيل له: قل: لا إله إلا الله.
فقال: أعطوني دخان.
قالوا: قل لا إله إلا الله.
قال: أعطوني دخان.
قالوا: قل: لا إله إلا الله، فقال عياذًا بالله: أنا برئٌ منها أعطوني دخان.
وفي جامع الراجحي بالرياض يذكر أحد مغسلي الموتى أن شابًّا أتي به بعد أن مات في حادث، فإذا بوجهه قد تغير من البياض إلى السواد، حتى أصبح كالفحم، فخرج المغسل وسأل عن وليّ هذا الشاب، فقيل له هو ذاك الرجل الذي يقف في الركن، فذهب إليه فوجده يدخن.
فقال: وفي مثل هذا الموقف تدخن؟ ماذا كان يعمل ولدك؟ قال: لا أعلم.
قال: أكان يصلي؟ قال: لا –والله- ما كان يعرف الصلاة.
قال: فخذ ولدك –والله- لا أغسله.
أقول: وقد أفتى أهل العلم أن تارك الصلاة بالكلية كافر، لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين عياذًا بالله.
وإذا كان هذا هو بعض ما ذكره أهل العلم قديمًا وحديثًا من قصص سوء الخاتمة، فدعوني أحدثكم عن ما وقفت عليه بنفسي ورأيته بعيني.
لا زلت أتذكر العديد من المشاهد والقصص التي وقفت عليها خلال عملي السابق في مكافحة المخدرات قبل أكثر من عشر سنين.
وأقول للشباب خصوصًا: ما تشاهدونه في المعارض والكتب، من صور الموتى بسبب إدمان المخدرات أو المسكرات، رأيته –والله- بعيني, لا زلت أتذكر ذلك المدمن الذي دخلنا عليه في بيته، وقد سقط وجهه على الأرض، بدأت أحركه بيدي فإذا هو جثة هامدة، نظرت إلى وجهه فإذا هو قد اسودّ خلافًا لجسمه، لقد مات الرجل وبين يديه الخمر المسكر، وبجوار رأسه آلات اللهو والطرب، غطيتُ جثة الرجل, ثم بادرت أنا ومن معي بإتلاف الخمر وآلات اللهو، التي لا تزال شاهدة على أحوال ذلك المدمن.
نسأل الله أن يعفو عنه وعن أموات المسلمين.
وقبل عدة سنوات يحدثني أحد الدعاة الفضلاء، قال: كنت أسير بسيارتي ومعي شيخ كبير على جسر الخليج، يعني هنا قريبًا من هذا الجامع، يقول: فإذا بحادث شنيع لإحدى السيارات, نزلت أنا والشيخ من السيارة، فوجدنا شابًّا مصابًا في الحادث، الدماء تنزف من جسده، حالته خطيرة جدًّا، كان هذا الشاب يعالج الموت، فبدأ الشيخ الكبير يلقنه الشهادة، قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله، فسكت الشاب قليلاً ثم تكلم، وليته ما تكلم، قال: "أنا ما أنساك لو تنسى" "أنا ما أنساك لو تنسى" وأخذ الشاب يغني حتى مات على مزامير الشيطان عياذًا بالله.
أسباب سوء الخاتمة:
القصص والعبر كثيرة، ولكن ههنا سؤال: ما أسباب سوء الخاتمة؟ كيف يتلاعب الشيطان بالإنسان عند الموت؟.
لا شك أن الشيطان يحشُد كل همته وقوته لإضلال الإنسان عند الموت؛ لأنه يكون في أضعف أحواله، كما قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
وللشيطان أسباب يتقوى بها على العبد في تلك اللحظات، فمن أَسباب سوء الخاتمة: تركُ الفرائضِ وارتكاب المحرَّمات، وتركُ الجُمَع والجماعات، والابتداع في الدين، وعقوقُ الوالدين وقطيعةُ الأرحام، وظُلمُ الناس والعُدوان عليهِم في الدّمِ أو المالِ والعرض، والغدر والخيانة والغشّ، والإعراض عن الدين والرّكونُ إلى الدنيا وشَهَواتها، وتقديمُ محبّتِها على محبّة الآخرةِ، كما قالَ الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ. أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يونس:7-8].
ومِن أسبابِ سوءِ الخاتمة أمراضُ القلوبِ مِنَ الكبرِ والحسَدِ والحِقدِ والغلِّ والعُجبِ.
ومن أسبابها: أن يصرّ العبد على المعاصي ويألفَها، فإن الإنسان إذا ألف شيئًا مدة حياته وأحبه وتعلق به فالغالب أنه يموت عليه، قال ابن كثير رحمه الله: "إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذُل صاحبها عند الموت".
أقول ما تسمعون وأسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة، وأستعيذ به من سوء الخاتمة, ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه.
أيها الأحبة: وعلى الرغم من خطر سوء الخاتمة، كما قرره القرآن والسنة وهدي السلف، فإن من الغرور الذي يقع فيه بعض الناس، بل بعض الصالحين أنه يأمن ذنوبه، ولا يلتفت إلى خطر سوء الخاتمة، وما علم المسكين أن الخوف من سوء الخاتمة هو دأب الصالحين، وأن الدعاء بالثبات حتى الممات، كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن أَنَس بنِ مَالك قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ؛ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ, إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
ومن دعاء الراسخين في العلم: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ) [آل عمران:].
وكان الصحابة والسلف يخافون سوء الخاتمة وهول المطلع.
قال سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: "أضحكني ثلاث: مؤمِّلُ الدنيا والموتُ يطلبُه، وغافلٌ ليس بمغفولٍ عنه، وضاحكٌ بملء فيهِ وهو لا يدري أرضيَ اللهُ عليه أم سخط, وأبكاني ثلاث: فراقُ الأحبةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وحزبِه، وهولُ المطلع عند غمرات الموت، والوقوفُ بين يدي الله تعالى".
أيها الأحبة: وإذا كان سوء الخاتمة كذلك، فإن كثيرًا من وسائل الإعلام قد قلبت هذا المفهوم رأسًا على عقب، فلم تكتف هذه الوسائل بإغراق الناس في الشهوات، وصدّهم عن العمل للموت وحسن الخاتمة، بل إنها تجاوزت ذلك بالمكر والتلبيس، وتمجيدِ أصحاب الخواتم السيئة من الكفار أو الفجار، والثناءِ عليهم وعلى أعمالهم, حتى إن الرجل البسيط ليشعر أن هذا الزعيم الهالك، أو الشخصية العالمية، أو الأميرة الكافرة الفلانية كما وقع قبل سنوات، ماتوا على أحسن حال وأن لهم من الأعمال الطيبة كذا وكذا, وقل مثل ذلك في مصارع بعض العصاة المشهورين من المسلمين من الفنانين والممثلين وغيرهم.
وليس هذا بغريب –وللأسف- في زمن قدم فيه هؤلاء الأقزام ممن يسمون الفنانين قدوات للأمة على القنوات الفضائية، حتى قال قائلهم بكل جهل ووقاحة: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان سعوديا.
يا جاهل: وهل الرسول -صلى الله عليه وسلم- معنا في هذا العصر؟ وهل يرضى -بأبي هو وأمي- أن يقال عنه هذا الكلام؟ بل أقول: هؤلاء الفنانون وهم يجاهرون بالغناء المحرم عند عامة العلماء إلا من شذ عنهم، ألا يعتبرون بمن تخطفه الموت ممن سبقهم في هذا المشوار.
نعم, لا يجوز سب الأموات فقد أفضوا إلى الله، وإذا مات المسلم على معصية فإنه يستعاذ بالله من ميتته ولا يشهر به، ولا تنشر صور موته في المنتديات أو البلوتوثات، بل يشرع الدعاء له بالعفو والمغفرة.
أما أن تمجد ميتتهم أو يقال إنه شهيد، شهيدُ الفن، أو شهيدُ البطولة، أو شهيدُ الإنسانية، فهذا من التلبيس الباطل وقلب المفاهيم، وأمة الإسلام لا تعرف للشهادة في الدنيا إلا ساحة واحدة، وهي ساحة الجهاد في سبيل الله التي عطرتها دماء الشهداء؛ أمثالِ الشيخ أحمد ياسين وإخوانه الذين سفكت دماؤهم على أيدي أعداء الله في فلسطين، وفي غيرها من ساحات الجهاد قديمًا وحديثًا.
هؤلاء هم الشهداء في الدارين، في الدنيا والآخرة, وهناك نوع آخر من الشهداء لهم أجر ومنزلة الشهادة في الآخرة، وهم بعض أهل الخواتم الحسنة، من أهل البلاء أو العمل الصالح، كالغريق والحريق والمبطون وغيرِهم كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وليس كما تشيعه وسائل الإعلام القبيحة.
أيها الأحبة: وإذا كنا قد تحدثنا اليوم عن مواعظ ومواقف سوء الخاتمة -عياذًا بالله- فقد بقي في الموضوع وجهه الآخر، وهو مواقف وعبر، ولطائف ودرر في حسن الخاتمة، مما رأيته بعيني أو نقله أهل العلم، أرجئه إلى الجمعة القادمة بإذن الله.
هذا ما أعدكم به، إلا إن حدث في هذا الأسبوع، ما يقتضي تأجيل الموضوع.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وأمد فيما يرضيك آجالنا، وأطل في طاعتك أعمارنا، وبلغ فيما تحب آمالنا.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي