سلسلة إصلاح البيوت 1

سامي بن خالد الحمود
عناصر الخطبة
  1. أهمية البيت .
  2. وصايا لإصلاح البيوت .

اقتباس

وإذا تأملت أحوال الناس ممن لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ، أو على أرصفة الشوارع، أواللاجئين المشردين في المخيمات المؤقتة، عرفت نعمة البيت، وإذا سمعت مضطربًا يقول ليس لي مستقرٌّ ولا مكان ثابت، أنام في بيت فلان، وأحيانًا في المقهى، أو الحديقة أو الشارع، ومستودع ثيابي في سيارتي؛ إذن لعرفت معنى التشتت الناجم عن حرمان نعمة البيت..

عباد الله: ماذا يمثِّل البيت لأحدنا؟ أليس هو مكان أكله ونكاحه ونومه وراحته؟ أليس هو مكان سكنه واجتماعه بأهله وأولاده؟ كما قال الله تعالى: (والله جعل لكم من بيوتكم سكناً) [النحل:80].

أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها؟ كما قال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) [الأحزاب:33].

وإذا تأملت أحوال الناس ممن لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ، أو على أرصفة الشوارع، أو اللاجئين المشردين في المخيمات المؤقتة، عرفت نعمة البيت، وإذا سمعت مضطربًا يقول ليس لي مستقرٌّ ولا مكان ثابت، أنام في بيت فلان، وأحيانًا في المقهى، أو الحديقة أو الشارع، ومستودع ثيابي في سيارتي؛ إذن لعرفت معنى التشتت الناجم عن حرمان نعمة البيت.

عباد الله: وحتى تكون بيوتنا بيوتًا مباركة، مبنيَّةً على تقوى من الله ورضوان، لعلَّنا نتحدث في هذه الخطبة عن بعض الوصايا لإصلاح البيوت وعمارتها.

1- أولى الوصايا - لإصلاح البيوت - تحقيقُ العبودية لله في البيوت.

إنَّ تقوى الله وتحقيق عبادة الله أعظم غرس يغرسها المسلم في أهله وأولاده, ويتم ذلك بتمثُّل العبادة أمام الصغار في الأقوال والأفعال والأحوال في العبادات والمعاملات والأخلاق، فيرى الأولاد صورةً جميلةً داخل البيت, تظهر فيها معالم التوحيد ومكارم الأخلاق ومحاسن الآداب في سلوك والديهم، وترى البنتُ أمَّها تغضب لله، وتسامح فيما دون ذلك، ويرى الابن أباه وعلامات الحزن تكسو محياه عندما يفرّط في الصلاة، بينما يتهلَّل وجهه سرورًا عندما يرى ابنه سبقه إلى المسجد!.

إنها صور مشرقة يلقِّن فيها أهل البيت معنى الإخلاص ومراقبة الله تعالى في أقوالهم وأعمالهم، وعلاقاتهم بمن حولهم، فعند إخراج زكاةٍ أو صدقةٍ يذكّرون بأنها تقع في يد الله - تعالى- قبل يد الفقير، وعند اصطحابهم لتلبية دعوة يذكّرون بأن تلبية الدعوة من السنة، وعند تهنئة جيران أو أصدقاء في مناسبةٍ أو مواساتهم في أمر نزل بهم، أو تقديم مساعدة لهم يذكّرون بعظيم الأجر من الله تعالى.

2- الصلاة في البيوت.

فقد قال الله عز وجل: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) [طه:132]، وقال في قصة موسى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين) [يونس:87]، قال ابن عباس: " أُمروا أن يتخذوها مساجد ".

وفي الصحيحين عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - قال: " أَفْضَل الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ ".

وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: " إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا ".

وعند ابن أبي شيبة وصححه الألباني: " تطوُّع الرجل في بيته يزيد على تطوُّعه عند الناس،كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده ".

عن عائشة – رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة " [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى فأيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء " [رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني].

أما اليوم فنشكو إلى الله أحوالنا مع الصلاة! لا أقول: في النوافل، بل في الفرائض التي هي عمود الدين، فترى الأبَ أو الأمَّ في بعض البيوت يقعان في التساهل في أداء الصلاة، وترى الأبناء والبنات لا يجدون من يأمرهم وينهاهم، فضلاً عن معاقبتهم على أمر الصلاة، بل ربما خرج الأب إلى المسجد وأولاده نائمون، أو عاكفون على لعب أو لهو، ولا يكلف نفسه أن يأمرهم بالصلاة، وهذا – والله - أمر خطير لا يجوز التساهل فيه، ويجب على الوالدين القيام به - قدر الاستطاعة - وأداء الأمانة فيه.

وعلى الوالد أن يعوِّد أبناءَه على أداء الصلاة في المسجد منذ سنٍّ باكرة، ليألفوا هذا ويعتادوه، وليحذر كل الحذر من التساهل في ذلك فيعتاد الابن ذلك، فإذا كبر وأُمر بالصلاة كان الأمر عسيرًا جدًا.

3- الوصية الثالثة: ذكر الله في البيت.

فلابد من جعل البيت مكانًا للذكر بأنواعه, من ذكر القلب، وذكر اللسان، وقراءة القرآن، ومذاكرة العلم الشرعي.

ومن ذلك: أذكار دخول المنزل، فقد روى مسلم - في صحيحه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله – تعالى - حين يدخل وحين يطعم، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال:أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال: أدركتم المبيت والعشاء ".

ومن ذلك: أذكار الخروج من المنزل، فقد روى أبو داود - في سننه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك قد هديت، وكفيت ووقيت، فيتنحَّى له الشيطان فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟ " [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].

ومن ذلك: مواصلة قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان منه، فقد روى مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ؛ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ".

وجاء في بركة قرآءة آخر آيتين من سورة البقرة ما رواه النعمان بن بشير – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " إن الله تعالى كتب كتابًا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام - وهو عند العرش -، وأنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليالٍ فيقربها الشيطان " [رواه الإمام أحمد وصححه الألباني].

عباد الله: كم من بيوت المسلمين اليوم هي ميتة بعدم ذكر الله فيها،كما روى مسلم عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه - قال قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت "، بل ما هو حالها إذا كان ما يذكر فيها هو ألحان الشيطان من المزامير والغناء، والغيبة والبهتان والنميمة؟!.

وكيف حالها وهي مليئة بالمعاصي والمنكرات، كالاختلاط المحرم والتبرُّج بين الأقارب من غير المحارم، أو الجيران الذين يدخلون البيت؟!.

كيف تدخل الملائكة بيتًا هذا حاله؟ وكيف تطرد عنه الشياطين وأسباب الشرور؟، نسأل الله أن يصلح بيوتنا، وأهلينا, وذرياتنا؛ إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه.

عباد الله:

4- الوصية الرابعة: حس الرعاية والمتابعة لأهل البيت.

أخي الأب: هل سألت نفسك يومًا من هم أصدقاء أولادك؟.

هل سبق أن قابلتهم أو تعرَّفت عليهم؟، ماذا يجلب أولادك معهم من خارج البيت؟، إلى أين تذهب ابنتك ومع من؟.

من المؤسف في بعض البيوت، أن يقع في حوزة بعض الأبناء والبنات صور سيئة، أو أفلام خالعة، وربما مخدرات، دون علم أو متابعة من الوالدين، بل ربما لا يدري بعض الآباء أن ابنته تذهب مع الخادمة إلى السوق، وتطلب منها أن تنتظر مع السائق ثم تذهب لموعدها مع أحد الشياطين، والأخرى تذهب لتشرب الدخان عند قرينة سوء تعبث معها.

تشير الدراسات المتخصصة إلى أن 85 في المئة من المواقع المدرجة في القائمة السوداء في السعودية تنتمي إلى الصفحات الإباحية، وأن أكثر مرتادي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والسابعة عشرة, وأن ثلاثةً وستين في المائة منهم لا يعلم أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه على الشبكة.

وهذا – والله - منتهى الإهمال من هؤلاء الآباء الذين أفلتوا أولادهم في الدنيا، لكنهم لن يفلتوا من مشهد يوم عظيم، ولن يستطيعوا الهرب من أهوال يوم الدين، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: " إن الله سائلٌ كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " [والحديث رواه النسائي وابن حبان عن أنس وصحَّحه الألباني].

ومع أهمية المتابعة والملاحظة لسلوك وحياة الأبناء والبنات، فإن هذه المراقبة يجب أن تكون خفية وغير مباشرة، بحيث لا يشعر الأولاد بفقدان الثقة, مع الحذر من التدقيق السلبي وإحصاء الأنفاس.

يذكر أن أحد الآباء كان عنده جهاز حاسب يخزن فيه أخطاء أولاده بالتفصيل، فإذا حصل خطأ أرسل إليه استدعاء وفتح الخانة الخاصة بالولد في الجهاز، وسرد عليه أخطاء الماضي مع الحاضر.

أيها الأب العزيز: إننا لسنا في شركة، وإنك لست الملك الموكل بكتابة السيئات، فهون على نفسك وسدد وقارب.

وفي المقابل تجد أناسًا يرفضون التدخل في شؤون أولادهم تمامًا، بل ربما رددوا ما يقوله بعض فلاسفة الغرب: " دع الولد ينحرف ويخطيء، حتى يكتشف خطأه بنفسه "!! وهذا - والله - منتهى الفساد والضلال.

ألا يخشى هؤلاء أن يأخذ أبناءهم بتلابيبهم يوم القيامة فيقولون: لِمَ لم تصلحونا، لم تركتمونا على المعصية؟!.

وصدق الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم:6].
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي