اتقوا الله عباد الله وحافظوا على عقيدتكم وتداووا بما أباح الله لكم مع الاعتماد على الله في حصول الشفاء.
الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه أمر بالتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب النافعة، ونهى عن الاعتماد على غيره وعن تعطيل الأسباب، وأشهد أن لا إله إلا الله، لا يأتي بالحسنات إلا هو. ولا يدفع السيئات إلا هو. ولا حول ولا قوة إلا به، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: "لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل" اللهم صل على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى في السراء والضراء، وتعرفوا إليه في الرخاء يعرفكم في الشدة، واعلموا أنكم فقراء إليه دائماً وأبداً لا تستغنون عنه طرفة عين، فالقوي منكم لا يغتر بقوته، والضعيف منكم لا ييأس من رحمته كما قال الخليل عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80] وكما قال أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء:83] فعلقوا آمالكم به وتوكلوا عليه فهو نعم الوكيل.
عباد الله: إنكم تبتلون بالأمراض البدنية والمشروع لكم عند ذلك شيئان:
الشيء الأول: الرضى بقضاء الله وقدره وعدم التسخط والجزع مع محاسبة أنفسكم فإنه لا يصيبكم شيء إلا بما كسبت أيديكم من المعاصي.
الشيء الثاني: تعاطي العلاج النافع المباح، وتجنب العلاج المحرم.
فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل" وفي رواية الصحيحين عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء" وفي مسند الإمام أحمد عن أسامة بن شريك قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: نعم يا عباد الله، تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد، قالوا: ماهو؟ قال: الهرم". وفي لفظ: "إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه. وجهله من جهله" والعلاج لا ينافي قدر الله سبحانه لأنه من قدر الله، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به وتقاه نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال هي من قدر الله" رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن.
قال الإمام ابن القيم: فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها.. وفي هذه الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها. بل لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً. وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل... إلى أن قال: وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل داء دواء" تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله تعلق قلبه بروح الرجاء وبَرَدَ من حَرارة اليأس وانفتح له باب الرجاء، وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه. والتداوي النافع على نوعين:
النوع الأول: التداوي بالآيات القرآنية والأدعية النبوية التي تقرأ على المريض فيشفى بإذن الله إذا توفرت الأسباب وانتفت الموانع من قبل الراقي والمرقي.
النوع الثاني: التداوي بالأدوية المباحة التي خلقها الله تعالى وأذن بالتداوي بها، فإنه لا شيء من المخلوقات إلا وله ضد، فكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده، فإذا وافق الدواء الداء برئ بإذن الله –ولما أغنانا الله تعالى بالأدوية النافعة المباحة نهانا عن التداوي بالأدوية المحرمة كالتداوي بالخمر، وفقد سأل طارق بن سويد النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه عنها فقال: إنما أضعها للدواء، فقال: "إنه ليس بدواء ولكنه داء" رواه أحمد ومسلم وغيرهما. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا. ولا تتداووا بحرام" رواه أبو داود وقال ابن مسعود في المسكر والمنع منه: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم، ذكره البخاري فدلت هذه الأحاديث على تحريم التداوي بالمواد المحرمة عموماً وتحريم التداوي بالخمر ومشتقاته خصوصاً، وأعظم من ذلك التداوي بأمور شركية تفسد العقيدة، كذهاب المريض إلى المشعوذين والدجالين، الذين يستخدمون الجن، وربما يأمرون المريض بأن يذبح لغير الله، والذبح لغير الله شرك أكبر، أو يكتبون له حروزاً تشتمل على طلاسم وكلمات شركية يستصحبها المريض معه أو يعلقها على جسمه، ومن ذلك أيضاً أن يشد الإنسان على ذراعه أو ساقه خيطاً يعتقد أنه يدفع عنه الآفات أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: "ما هذا؟ قال: من الواهنة. يعني: الحمى. فقال: أنزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" رواه أحمد بسند لا بأس به.
وعن حذيفة: أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) [الشعراء:75] فما يربطه الجهال على أرجلهم أو أذرعهم أو أصابعهم من الخيوط يتقون به الأمراض فإنه يدخل في الشرك ووسائله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك: "لا تزيدك إلا وهناً" أي ضعفاً ومرضاً وخسارة في الدنيا والآخرة وقال: "لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" لأن ذلك شرك والمشرك لا يفلح.
ومن ذلك أيضاً ما يعلق على الأبدان أو الدواب أو السيارات أو أبواب البيوت أو الدكاكين من الحروز والودع والسيور لاتقاء العين والآفات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له" والتميمة: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، والودْعُ: شيء يخرج من البحر يشبه الصدف يتقون به العين، وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت، قال البغوي: وذلك أنهم كانوا يشدون تلك الأوتار والتمائم والقلائد ويعلقون عليها العُوذَ، يظنون أنها تعصمهم من الآفات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئاً. فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على عقيدتكم وتداووا بما أباح الله لكم مع الاعتماد على الله في حصول الشفاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ* الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ* وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء:75-82].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي