عقوبات الذنوب تتنوع فقد تكون عامة للمجتمعات تهلك العباد وتخرب البلاد كما حل في الأمم الكافرة من قوم نوح ومن بعدهم من القرون، مما تقرؤون خبره في كتاب الله، وقد تكون العقوبة خاصة بقبيلة أو أسرة أو شخص كما تشاهدون فيما بينكم.
الحمد لله يبتلي عباده بالمصائب ليتوبوا إليه من الذنوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو علام الغيوب، وغفار الذنوب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حذر أمته من أسباب الهلكات. وبين لها طريق النجاة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه كانوا يخافون من ذنوبهم أشد مما يخافون عدوهم، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى واحذروا عقابه فإن عقابه أليم، ولا تغتروا بحمله فإنه يمهل ولا يهمل، واعلموا أنكم إنما تصابون بذنوبكم، وتجازون بأعمالكم، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30] كم هلكت من أمة، وكم سقطت من دولة وكم سلبت من نعمة، وكم حلت من نقمة بسبب الذنوب والمعاصي، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53]، وإن لكم فيما يقع بينكم وحولكم من النقم لأكبر زاجر وأعظم نذير، وقد نبه الله عباده إلى أن يعتبروا بما حل بغيرهم من العقوبات ليقوموا أعمالهم ويصححوا خطأهم وإلا فإنه سيحل بهم مثل ما شهدوا وسمعوا من عقوبات غيرهم – قال تعالى: ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) [الأنعام:6]
نعم لقد حل في هذه الأرض أجيال قبلكم كان لهم من قوة الأبدان، ووفرة المال وسعة السلطان والتمكين في الأرض ما لا يخطر على البال، فلما عصوا ربهم وعتوا عن أمره قطع دابرهم وأهلكهم عن آخرهم (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا) [النمل:52].
وعقوبات الذنوب تتنوع فقد تكون عامة للمجتمعات تهلك العباد وتخرب البلاد كما حل في الأمم الكافرة من قوم نوح ومن بعدهم من القرون، مما تقرؤون خبره في كتاب الله، وقد تكون العقوبة خاصة بقبيلة أو أسرة أو شخص كما تشاهدون فيما بينكم، وتسمعون فيمن حولكم من وقوع العقوبات المفاجئة والكوارث المروعة، من زلازل مدمرة تجتاح الأقاليم فتهلك الألوف من النفوس وتشرد آخرين فيبقون بلا مأوى ولا طعام ولا شراب، وتخرب المباني فتصبح المدن خاوية على عروشها، ومن حروب طاحنة تهلك الحرث والنسل، ترمل النساء وتيتم الأطفال وتحل الرعب في القلوب، ومن فيضانات تغرق الحروث والزروع وتقضي على المحاصيل، وآفات تصيب الثمار والحبوب، فتفسدها وتعطل إنتاجها، وحرائق تلتهم المخزونات وتتلف البضائع والنقود التي أحرزها أهلها في المستودعات والصناديق، وظنوا أنهم قادرون عليها، وحوادث المراكب البرية والبحرية والجوية وما أكثرها..
فهذه باخرة تغرق بمن فيها، وهذه طائرة تسقط فيهلك فيها المئات، وهذه سيارة تصاب فيها العشرات، وبيوت تنهدم على من فيها فلا ينجوا إلا القليل، وقد يكونون اجتمعوا لاحتفال بمناسبة وأظهروا الفرح والسرور وفعلوا شيئاً من المحظور، فحلت بهم العقوبة ونزلت بهم المصيبة، فتحول سرورهم إلى حزن واجتماعهم إلى فرقة. لعله يحصل بذلك عبرة وعظة للآخرين، فالسعيد من وعظ بغيره، فيجب على المسلمين أن يتجنبوا ويبتعدوا عن إقامة مثل هذه الاحتفالات في مناسبة الزواج وغيره لأنها يحصل فيها مفاسد كثيرة، من خروج النساء من بيوتهن متبرجات بأنواع الزينة، واختلاطهن مع نساء قد لا يكن محتشمات، وقد يطمع فيهن الذي في قلبه مرض من الرجال خصوصاً إذا اخلطوا بهن أو قربوا منهن، كما يحصل في الفنادق التي ينظمها رجال، أضف إلى ذلك ما يحصل في هذا الاجتماع غير المنضبط من اللهو واللعب والغفلة وإضاعة الصلاة، وربما يتخلل ذلك شيء من الملاهي والمزامير وأصوات المطربين، وكل هذه مفاسد تؤثر في الأخلاق والسلوك، ولا يرجع الإنسان إلى بيته سالماً من شرها، مع ما يبذل في ذلك من الأموال الكثيرة التي تذهب في سبيل الإسراف والتبذير –وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) [الإسراء:27]
فالواجب على المسلم التحفظ صيانة لدينه وعرضه وماله. وإذا حصل مناسبة زواج فليكن الاجتماع لها في بيت صاحب المناسبة أو قريب منه، ويكون الاجتماع مقتصراً على أقارب الزوجين والجيران، ويكون خالياً من المفاسد والمحذورات، وأن يكون اجتماع المسلمين بعضهم مع بعض على النزاهة والحياء والعفاف.
عباد الله: ومن الناس من يفسر هذه الحوادث التي تقع بأنها ترجع إلى أمور عادية ولا يعتبرها عقوبات من الله وقعت بسبب الذنوب، فيقول مثلاً: الطائرة أو السيارة عطبت لخلل فني، البيت أنهدم لخلل هندسي، الحريق اندلع لتماس كهربائي، وهكذا يلتمس سبباً سواء كان صحيحاً أو غير صحيح ولا ينظر إلى ما وراء ذلك من تقدير الله له عقوبة على مخالفة أمره وارتكاب نهيه، فلذلك لا يحصل الاتعاظ والاعتبار عند كثير من الناس عند وقوع هذه الكوارث، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ* ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [الأعراف:94-95]
يقول تعالى ابتليناهم بهذا وهذا ليتضرعوا وينيبوا إلى الله فما نجع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتهوا بهذا ولا هذا، وقالوا قد مسنا من البأساء والضراء ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الدهر، فالدهر تارات وتارات، ولم يتفطنوا لأمر الله فيهم، قال تعالى: (فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [الأعراف:95] أي لما لم ينزجروا ويعتبروا أنزل الله بهم العقوبة المفاجئة وهم لا يشعرون بها –صحيح أن كل شيء له سبب ولكن لا ينظر إلى السبب وحده بل ينظر إلى مسبب الأسباب. وإذا أراد الله عقوبة رتب المسبب على السبب والأسباب تتعدد ومنها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي، لكنها لا تؤدي مفعولها إلا بأمر الله وتقديره.
رزقنا الله وإياكم الاعتبار والاتعاظ والتوبة والرجوع إليه، ونعوذ بالله من الغفلة والإعراض، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي