ستندم

مشعل العتيبي
عناصر الخطبة
  1. ثمرات استشعار عظم معصية الله .
  2. قلة هيبة الله في نفوسنا .
  3. ضعف التربية على مخافة الله .
  4. مشاهد اجتماعية لقلة مراعاتنا لله .
  5. الحث على التوبة قبل الندم .

اقتباس

كم فكَّ اللهُ بها من أسيرِ شهوةٍ ملكت عليهِ نفسهُ! إنِّي أخافُ إن عصيتُ ربِّي عذابَ يومٍ عظيم. كم أطلقَت من سجينٍ لِلَّذات! وكم كسرَت من قيودِ مستعبدٍ لهواهُ، متألِّهٍ لهُ من دونِ الله! كم أعانتَ على خُلقٍ كريم، وكم كفّت عن خلقٍ ذميم! كم أطفأت من نارِ حسدٍ وحقد! وكم منعَت من إساءةٍ وظُلم! إني أخاف الله؛ كم أيقظَت من غافلٍ عاشَ طولَ عُمرهِ في الشهواتِ معرضاً عن اللهِ! إنه طريقُ الأمنِ في الآخرة..

الحمد لله ذي الملكُ والملكوت، والعزةِ والجبروت، حيٌّ قيوم، لا تأخذهُ سنةٌ ولا نوم؛ والصلاةُ والسلامُ على خيرِ الأنام. 

أما بعد:

فيا أيُّها الناسُ: اتقوا اللهَ ربكم، فإنَّ عذابهُ أليمٌ، وأخذهُ شديدٌ، أيُّ نعمة أعظم من نعمة الإيمان؟ وأي مِنَّة أجل وأعظم من منّة التوفيق لطاعة الرّحمن؟ إنِّي أخافُ إن عصيتُ ربِّي عذابَ يومٍ عظيم.

كم فكَّ اللهُ بها من أسيرِ شهوةٍ ملكت عليهِ نفسهُ! إنِّي أخافُ إن عصيتُ ربِّي عذابَ يومٍ عظيم. كم أطلقَت من سجينٍ لِلَّذات! وكم كسرَت من قيودِ مستعبدٍ لهواهُ، متألِّهٍ لهُ من دونِ الله! كم أعانتَ على خُلقٍ كريم، وكم كفّت عن خلقٍ ذميم! كم أطفأت من نارِ حسدٍ وحقد! وكم منعَت من إساءةٍ وظُلم! إني أخاف الله؛ كم أيقظَت من غافلٍ عاشَ طولَ عُمرهِ في الشهواتِ معرضاً عن اللهِ! إنه طريقُ الأمنِ في الآخرة، تحيطُ بنا العِبَر وتكثرُ الحوادثُ، وتعظمُ الكوارثُ، وتُفتَّت الأمم، وتحلُ النقم، والأنفسُ لاهية، والأفكارُ ساهية، وحبالُ التقوى واهية؛ قُلوبُنا تحجَّرَتْ، وأحاسِيسُنا تَبَلَّدَتْ، وجوارحُنَا عُطِّلت.

لا قلبَ يخشع، ولا نفس تشبع، ولا عين تدمع؛ أُتخمتِ البيوتُ بالمعاصي، ومُلئت العقولُ بالشبهات، وأُترعتِ النفوسُ بالشهوات، تُسمَعُ المعصية وقلَّ من يُنكرُها، ويُشاهَدُ المنكرُ وكأنَّهُ المعروف، يُجالسُ صاحبَ المعصيةِ، ويؤاكَلُ ويُشارَبُ مُرتكبُ الكبيرةِ دون حرجٍ في النفسِ من فعلهِ، أو إنكارٍ في القلبِ لسلوكه.

عجبا لأولئك الأقوام الذين ضعُفَ خوفُ الله من قلوبهم، وقلَّتْ هيبةُ اللهِ في نفوسهم! لا يخشون من الله وهم يعلمون أنه هو اللهُ الذي خلقَ فسوى، وقدّرَ فهدى؛ أليس هو الإلهُ العظيمُ الذي أعطى كل شيءٍ خلقهُ ثم هدى؟ أليسَ هو اللهُ العظيمُ الذي تتابعَ برُّهُ، وعمَّ عطاؤه، وصدقَ وعده، وحقَّ على أعدائهِ وعيده؟!.
فَسُبْحانَ من تعنُو الوُجُوهُ لِوَجْهِهِ *** وَمَنْ كُلُّ شَيءٍ خاضِعٌ تحت قهرهِ

لماذا لا نخافُ الله؟ أليسَ كلُّ ما في هذا الكونِ شاهدٌ على عظمتهِ وقدرته؟ السماءُ ونجومها، والكواكبُ وأفلاكُها، والبحارُ وما فيها، والجبالُ وما يعتليها، والأنهارُ ومجاريها، والشجرُ وأوراقهُ، والليلُ وأستارهُ، والنهارُ وأنوارهُ، والزمانُ وما يطويهِ، والمكانُ وما يقعُ فيه، وكل ما في هذا الكونِ شاهدٌ على عظمةِ الجبَّارِ -جلَّ جلالهُ-، وكلُّها ساجدةٌ عابدة، ذاكرةٌ شاكرة، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء:44].
 

إنَّهُ اللهُ الذي خلقَ السمواتِ والأرضِ وما بينهما مسيرةَ خمسمائة عام، وما بينَ كلِّ سماءٍ وسماءٍ مسيرةُ خمسمائةِ عامٍ، وما بين السماءِ السابعةِ إلى الكرسي مسيرةُ خمسمائةِ عام، وما بين الكرسي والماءِ مسيرةُ خمسمائةِ عام، والعرشُ على الماءِ، واللهُ على العرشِ استوى، الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون!.

إنَّهُ اللهُ الذي لهُ عبادٌ مكرمون، يُسبحونَ الليلَ والنهارَ لا يفتُرون، لا يعصونَ اللهَ ما أمرهم ويفعلونَ ما يؤمرون، إنَّهُ اللهُ، ربُّ جبريلَ ذاكَ القويُّ المكين، له ستمائةَ جناح، بطرفِ جناحٍ واحدٍ اقتلع قُرى قومِ لوطٍ من أسافلها، ورفعهُم إلى السماءِ ثُمَّ خسفَ بهم، إنَّهُ اللهُ القويُّ الذي تتصاغرُ أمامَ قُوتهِ كلَّ قوة، ويتضاءَلُ عندَ ذكرِ عظمتهِ كل عظمة.

جاءَ جبريلُ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمدُ: إنَّ اللهَ تعالى يُمسكُ السموات يومَ القيامةِ على إصبع، والأراضينَ على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثُمَّ يهزهنَّ فيقول: أنا الملكُ، فضحكَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعجباً مما قالَ. ثم قرأ قول الله:(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67]. رواه مسلم.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7].

خافهُ الصالحونَ من عبادهِ الذين إذا ذُكرَ اللهُ وجلت قُلوبُهم، وإذا سمعوا ما أُنزلَ إلى الرسولِ ترى أعينُهم تفيضُ من الدمعِ مما عرفوا من الحقِ، لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِ الله، و إقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، يخافونَ يوماً تتقلبُ فيه القلوبُ والأبصار، هؤلاء هم الذين يخافون من الله.

فماذا نقول للذين نُزع خوفُ الله من قلوبهم؟ أين الذين يضيعون الصلوات الذين لا تعرفهم المساجد إلا في الجُمع والأعياد والمناسبات؟ أين خوفهم من الله؟ أين الذين يكتفون بالأربع صلوات وإذا سألتهم عن صلاة الفجر قالوا لا نعرفها؟ قالوا لم نستطع القيام لها، أهولاء يخافون؟ هل يخافون من غضب الله؟ هل يخافون من سخط الله؟.

لقد تربى الكثير -ولازال يربى- على عدم الخوف من الله، انظر في المدارس تسأل كثيراً من الطلاب يقول لك: أنا لا أصلى إلا في المدرسة. أنا لا أصلى إلا صلاة الظهر فقط خوفا من أستاذ الدين. فأين الخوف من الله؟.

تأمل في المجمعات والأسواق كيف يضيع النساء الصلوات! تسأل إحداهن وهى تجول في بين المحلات من المغرب حتى العشاء تسألها عن الصلاة فتقول لك أنا أصلى، أنا أجمع صلاة المغرب مع العشاء. لا إله إلا الله! وحسبنا الله ونعم الوكيل! حسبنا الله من أناس تساهلوا وفرطوا وأهملوا! انظر وتأمل على أبواب المساجد والطرقات، كم تضيع الصلوات!.

يحدثني أحد الشباب يقول: البيت كله لا يعرف الصلاة، والدتي حياتها بين الزيارات والقنوات والمهاتفات، أما والدي فهو معتكف على تلك الشاشة الكبيرة التي وضعها في غرفة نومه، وويل ثم ويل لمن يدخل عليه فيرتفع ضغطه وصوته علينا مع انخفاض الأسهم! حتى إذا رآني أذهب إلى المسجد ضربني وهددني وأخذ مفاتيح السيارة من يدي، ويقول لي: إذا أردت أن تصلى فصَلِّ في البيت، لا تشغلنا مع تلك الجماعة التي ستسألك عنى. أي تربية هذه؟.

أين الخوف من الله؟ أصبحنا –وللأسف!- نتحسس من كلام الناس، أصبحنا نخشى الناس والله أحق أن نخشاه؛ متى يخاف هؤلاء من الله؟ متى يستحيون؟ متى يخجلون وهم على المعاصي يصرون ولا يبالون؟ يسمعون نداء الصلوات ويعرضون، يعلمون أن تارك الصلاة محارب لمنهج الله، يعلمون أن تارك الصلاة مغضوب عليه في السماء، مغضوب عليه في الأرض، وأن تارك الصلاة لا يؤاكَل ولا يشارب، ولا يجالس، ولا يصدق ولا يؤتمن، ولا يغسل إذا مات، ولا يقبر في مقابر المسلمين؛ ويعرضون ويفرطون ويتهاونون. متى يخاف هؤلاء؟ ألا يخافون من مرض يداهمهم؟ ألا يخافون من موت يتخطفهم؟.

جاء إليَّ رجل قبل أشهر يريد أن نقرأ على امرأته، ويقول أن حالتها تتردى من سيء إلى أسوأ، دخلنا البيت، وفى صالة منزله إذا بزوجته مربوطة الأيدي، نظرتُ إليه وقلت له: ما هذا الذي تفعله في امرأتك؟ قال: واللهِ هذا طلبها هي! زوجتي لها خمس سنوات وحالتها مستقرة مع الحبوب النفسية، لكن عادةً إذا حملت أوقفنا الحبوب خوفا على الجنين. فقال: والله كم تعاني هي وأعاني أنا وأبناؤها من حالتها! فأحيانا تخرج إلى الشارع، وكثيرا ما تضرب أبناءها وتؤذيهم، فلم نستطع إيقافها إلا بهذه الطريقة حتى تهدأ.

استعنت بالله، وجلست أقرأ عليها حتى هدأت، وبعد ذلك قلتُ له: حاول أن تقرأ أنت على زوجتك، طلبت منه أن يأتيني بمصحف لأشير على الآيات التي سأوصيه أن يقرأها على زوجته، فقال: لي لحظات وأعود إليك. فقلت له: أين تريد؟ قال: سأذهب للمسجد المجاور أو للمكتبة لأشترى مصحفا!.

لا إله إلا الله! بيت لا يوجد به مصحف؟! قلت له: يا أخي، بيتك مليء بالقنوات في كل غرفة، ولا يوجد به مصحف واحد، كيف لا تريد أن تشارككم الجن والشياطين؟ تطردون ذكر الله بهجر القرآن، وترحبون بالشيطان بالغناء والمعازف والأفلام، أسألك بالله، هل تصلي زوجتك؟ هل نشأتها على الصلة بالله؟ فنظر إليَّ وهو يقول: لا والله، أحيانا أنا أخرج للصلاة، وبعض المرات أجدها تصلي. فقلت له: هذا هو داؤكم، هذا هو شركم، هذا هو مرضكم؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل! مآسي البيوت تتزايد لأنها بيوت لم تؤسس على طاعة الله؛ لأنها بيوت لم تُرَبَّ على الخوف من الله.

أعرف والله من البيوت بيتا فيه بنات ضعيفات يبتلين بإخوة يتعاطون الشرب والمسكرات، والبنات والله يغلقن على أنفسهن بالليل الغرف ولا يخرجن إلا بعد النظر من ثقب الباب أو من أسفل الباب، والسبب خوفا من هذا الأخ الذي قد يتعاطى شهوته ثم يتحول إلى وحش مفترس بعد تعاطيه تلك المحرمات. فلا إله إلا الله! بيوت قد هيمنت عليها المنكرات والمسكرات!.

يقول أحد الإخوة: في مساء الثلاثاء الماضي، وبعد صلاة العشاء، وتحديداً في الدمام، وأنا أنزل من السيارة بعد أن ركنتها وإذا بي أشاهد رجلا وهو يمسك ببنت وكأنها واقعة بمشكلة، فشككت؛ سألت العامل بمحل الهدايا وأنا أدخل إليه فقال بأن هذا الرجل تمت سرقة سيارته قبل أقل من خمس دقائق وبها جواله وجوال زوجته وجهاز كمبيوتر محمول، فاتجهت إليه لمحاولة مساعدته وإعطائه الجوال ليتصل بالشرطة.

فقال لي: اتصلت للتو من جوال العامل. فقلت له: بإذن الله سترجع السيارة. فكان رده كالطامة على قلبي والذي كدت أبكي فيه وهو يقول لي بكل أسى: إن المشكلة ليست بسرقة السيارة و مابها من جوالات وأجهزة، المشكلة ابني الصغير بالسيارة وعمره سنتان فقط، حيث أحضرته معي لأشتري له هدايا من هذا المحل ثم سآخذه إلى والدته التي تنتظرنا الآن في محطة القطار لأعطيها الأبناء، وبدأ يبكى. والله جلسنا ساعات حتى ذهب مع رجال الأمن، والله المستعان.

أي جيل هذا؟ شباب -واللهِ!- أصبحتَ لا تميزهم أهم رجال أم أشباه رجال! لبسوا السلاسل في أعناقهم كالبهائم، ووضعوا في أيديهم كما يضع النساء، وحفروا على متونهم وظهورهم الوشم والرسومات، وحدِّثْ ولا حرج في قَصاتهم وما على رؤوسهم، ضيقوا الثياب، وأسبلوا البنطال، يتراقصون على أنغام الموسيقى والألحان، فلا تسألهم عن الحياء ولاعن الخوف من الله، أي هوية يحمل هؤلاء؟!.

تسمع أحد الشباب يقول: واللهِ إنني أصبحت لا أطيق الحياة! فكَّرتُ في الهروب أو الانتحار، طرقت كل الأبواب بحثا عن وظيفة، اجتهدت بالشفاعات والواسطات؛ ولكن -للأسف!- أصبحت عالة على والدي، لا أحد يقبلني، لا زواج ولا وظيفة؛ فيقول: لم أجد أمامي حتى أنسى ما أنا فيه إلا الشرب والمسكرات، أدمنت المسكرات. فقلت له: أنسيت عندما اتصلت بجميع الناس تطلب الشفاعات، أنسيت أن تتصل برب الناس؟ أسألك بالله كيف أنت مع الصلاة؟ قال: والله لا أذكر أنني صليت إلا تلك المرة عندما صليت على جنازة والدي ولا أذكر أني صليت بعدها. فلا حول ولا قوة إلا بالله!.

اسمع يا مَن تهاون بسخط الله: واللهِ! إنَّ مَن لم يعتنِ بعظمة الله، مَن لم يراقب الله، لن يعبأ الله به، ولا بأيِّ وادٍ يهلك!.

عذرا يا رسول الله! يا مَن ستنادينا: أُمَّتي! أمتي! ربيتنا على الرفق والتسامح وجميل الأخلاق، لكننا تخاصمنا وتهاجرنا ويشتم بعضنا بعضا، ربيتنا على المسابقة للطاعات والعبادات، لكن البعض منا سهر على الأفلام والمسلسلات، وناموا عن الصلوات.

ربيتنا على أكل الطيب والحلال من المباحات، لكن البعض منا أصبح لا يبالي بتناول المحرمات من تدخين ومخدرات، إذا هجرنا القرآن -يا عباد الله- وتركنا الصلوات فما الذي سيبقى لنا؟ أسألكم بالله؟ نترك الصلوات والذكر والقرآن ونشتكى المعيشة الضنك؟ نترك الصلوات ثم نتنقل بين الرقاة والأطباء؟ نقطع الصلة بالله ونريد العون من غير الله؟!.

عجبا -والله!- لِزمن أصبحنا فيه لا نبالي بسخط الله! عجبا والله لزمن ضيعنا فيه حدود الله! ألم تسأل نفسك يا عبد الله: أي حياة ستحياها وأنت بعيد عن الله؟ متى نعظم مراقبة الله؟ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].

الخائفُ من اللهِ يُبادرُ بالخيراتِ قبل الممات، الخائف من الله يغتنمُ الأيامَ والساعات، الخائفُ من اللهِ لسانه لا ينقطع عن ذكر اللهِ، الخائف من الله خاشعٌ متذللٌ منكسرٌ بين يدي الله، الخائف من الله لن يتجرأ على المعاصي وغضب الله، مَن منَّا إذا دعتهُ نفسهُ إلى مخالفةِ أمرِ الله قال: إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين؟ مَن منَّا إذا سولت لهُ نفسهُ تضييعَ الصلواتِ، وترك الجماعات، واتباعِ الشهواتِ، عصاها وقال: إنِّي أخافُ إن عصيتُ ربِّي عذابَ يومٍ عظيم. فيا عباد الله، متى تستقيم أحوالنا؟ متى نتقي الله في سلوكنا وأخلاقنا وطاعاتنا ومعاملاتنا؟ فلْنبدأ من أنفسنا ثم بيوتنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الرحمن الرحيم...

الخطبة الثانية:

الحمدلله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه.

عباد الله: إن الله يرانا في كل الأوقات، إن الله معنا في الخلوات والنزوات، إن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. أنسينا أننا بين يدي الله موقوفون؟ وعن أعمالنا محاسبون؟ أنسينا الموت والحساب؟ أما نعتبر ونحن نسمع عن الموتى في كل وقت وفى كل حين؟.

الموتى واللهِ بالآلاف، قبورنا تُبْنَى ونحن ما تبنا، واللهِ إنك تتألم إذا جلست مع مغسِّلي الأموات وهم يروون المآسي من سوء الخاتمة لشباب وفتيات،حتى أصبحوا واللهِ يعرفون الذي لا يصلي، يعرفون العاصي من وجهه ورائحته أثناء تغسيله، هذا يتمزق جلده بين أيديهم، وآخر ينقلب لونه سوادا، وثالث لا تتوقف الروائح والصديد من جسمه.

اسأل من هو في قبره وحيد، اسأله: يا فلان، يا ابن فلان، بماذا تنصحنا؟ بماذا تحذرنا؟ واللهِ سيقولها لكم، سيقولها، سيقولها لكم، سينذركم، سيحذركم.

يا تارك الصلاة، يا هاجر القرآن، والله ستندم! ستندم إن رحلت بغير زادٍ، وتشقى إذ يناديك المنادِي، أترضي أن تكون رفيق قومٍ لهم زادٌ وأنت بغيرِ زادِ؟ اتقوا الله -عباد الله-، واعتبروا بمن مضى, من القرون وانقضى, واخشوا مفاجأة القضا، واللهِ! وأقسم بالله! مَن حمل نعشا اليوم سيأتي يوم ويحمل هو على الأكتاف، ومن دخل المقبرة زائرا فسيدخل يوما ولن يخرج منها إلا بإذن الله.

اسألوا المقابر عن سكانها, يا مَن ستموت اليوم أو بعد يوم، يا من أنت عبد لله، كيف استسلمت لعبادة الهوى والشيطان؟ أِفقْ من سكرتك قبل حسرتك، تذكر إذا حُملت جنازتك ثم أنزلوك حفرتك، فمن الذي سينفعك؟ مَن هو عونك ونصيرك؟ متى تنهض من نومتك وغفلتك؟ انهض وقلها، قلها ولا تتردد: إنِّي أخافُ إن عصيتُ ربِّي عذابَ يوم عظيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي